من الاستياء إلى محاولات المنع.. قصة أزمة فيلم كليوباترا
كتب- محمد شاكر:
تصاعدت الأزمة التي أثارها الفيلم الوثائقي «كليوباترا» الذي كشفت عنه شبكة نتفليكس، انتقادات واسعة بسبب تجسيده كليوباترا، وهو الأمر الذي اعتبره الكثير من علماء الآثار المصرية امتداد لمشروع منظمة الأفروسنتريك الذي يسعى لتزييف التاريخ.
وفيما يلي ننشر القصة الكاملة لأزمة الفيلم التي تصدر اهتمام المثقفين والأثريين خلال الأيام الماضية..
بدأت القصة عندما نشرت شبكة نتفليكس برومو فيلم كليوباترا من إخراج جادا نينكيت سميث، زوجة النجم الأمريكي الشهير ويل سميث، والذي يبدأ عرضه على المنصة يوم 10 مايو المقبل، واختيرت الممثلة «Adele James» لتؤدي دور الملكة البطلمية. وكانت الصدمة عندما وجد الجمهور أن بطلة العمل ذات بشرة سمراء، وهو أمر يتنافى مع ما هو ثابت تاريخيا ومتعارف عليه، حيث كانت الملكة كليوباترا السابعة إغريقية بطلمية شقراء، ليس لها أي أصول إفريقية سمراء..
وتشير أصابع الاتهام في أزمة الفيلم إلى حركة الأفروسنتريك التي تأسست في أمريكا سنة 1928، وهي منظمة عالمية وأيديولوجية تتمركز في الولايات المتحدة الأمريكية بين الأفرو أمريكان، وأصبح لها انتشار واسع الآن بين الجاليات الإفريقية جنوب الصحراء في أوروبا وحتى بين الأفارقة جنوب الصحراء، وعند الأقليات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وتدعي حركة الأفروسنتريك أن الفرعون المصري أصله من السودان، وأن المصري الحالي ليس له علاقة بالمصري القديم، وأن المصري القديم مات أو هجر الجنوب وإن كل من هم في شمال مصر هم جنسيات كثيرة بعيدين عن العرق المصري.
تأسست حركة الأفروسنتريك في أمريكا سنة 1928، وهي حركة عنصرية عالمية تتمحور حول التعصب العرقي مع العرق الزنجي وخاصة للونه الأسود، ومن أهم أهداف الحركة القضاء على العرق الأبيض في إفريقيا في شمال وجنوب إفريقيا على وجه الخصوص.
يروج الأفروسنتريك للحجة القائلة بأن الحضارة المصرية القديمة، والحضارة المغربية وأيضا الحضارة القرطاجية كانت حضارات زنجية، بحجة أن أول سكان شمال إفريقيا الأصليين هم من الزنوج من السود على حد تعبيرهم.
يزعم الأفروسنتريك أن المصري الأسود أصيل ونقي الدم، والمصري ذو البشرة الفاتحة ليس مصريًا أصيلًا، إنما جاء من دول عربية وأوروبية واحتل مصر.
ومن جانبه قال الدكتور حسين عبدالبصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية: هذا الأمر يعتبر تشويه للتاريخ، فكليوباترا كانت ملكة إغريقية بطلمية مصرية لأنها من كذا جد، وبالطبع نعرف جيدا ملامح الإغريق وعادة ما تكون بيضاء وعيونها ملونة سواء زرقاء أو خضراء، لم تكن بشرتها سوداء على الإطلاق وما يحدث محاولة من حركة الأفروسنتريك لتسلب الحضارة المصرية أبرز رموزها.
وأضاف عبدالبصير في تصريحات خاصة لمصراوي: اللون الأسمر في الحضارة المصرية كان يرمز للخصوبة والعالم الآخر، رمز الإله أوزوريس ولم يكن شكل قداء المصريين هكذا وإنما كان خمري قمحي، مع كامل احترامنا للقارة الإفريقية التي ننتمي لها، ولكننا هنا يجب أن نضع الحروف فوق النقاط، لأن الحضارة المصرية القديمة بناها المصريون وليس أي شعب آخر من جيراننا.
وأكمل: ما يحدث تشويه للتاريخ وتزييف للحقائق وسطو على منجزاتنا الحضارية، مؤكدا أن نيتفليكس ليست موفقة في هذا الأمر، وقبل هذا اختاروا ملكة اخرى تمثل كليوباترا وكانت إسرائيلية، وللأسف هذه المحاولات تأثيرها كبير بين الناس نظرا لأنهم لا يقرأون ويمكن مع الوقت وتكرار مثل تلك المحاولات أن يشيع بين الناس أن كليوباترا سمراء وأن أصولها إفريقية.
ومن جانبه هاجم الدكتور زاهي حواس، عالم الآثار المصرية ووزير الآثار السابق، محاولات حركة الأفروسنتريك تشويه التاريخ المصري.
وقال حواس: إن مزاعم الأفروسنتريك خلال السنوات الأخيرة أن الحضارة المصرية أصلها سوداء أمر غير صحيح إطلاقًا وليس هناك دليل على صحة هذا الكلام، مؤكدا أن الملكة كليوباترا شقراء اللون لأنها ذات أصول يونانية وليست أفريقية.
وأضاف حواس: الفراعنة أصلهم مصري وليس زنجي أو أفريقي، والحضارة الفرعونية صنعها المصريون فقط، مؤكدا أن الأفارقة حكموا مصر في العصر المتأخر، تحديدًا في الأسرة الـ25، أي بعد بناء الأهرامات بـ20 عاما والأفارقة ليس لهم صلة ببناء الأهرامات إطلاقا من الناحية العلمية، ونحن نحكمهم من بداية العصر الفرعوني وحتى الأسرة الـ24، وليس لهم صلة بالحضارة إطلاقًا.
وقال الدكتور عبدالرحيم ريحان عضو لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة: إن حركة الأفروسنتريك التي يروج لها الفيلم هي أيديولوجيا ومنظمة عالمية بدأت في الظهور منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي وذاع صيتها في السبعينيات وهي حركة عالمية عنصرية تتمحور حول التعصب العرقي للجنس الأفريقي والبشرة السوداء، ومن أهم أهدافها القضاء على الجنس الأبيض في أفريقيا الشمالية والجنوبية خصوصًا (الأمازيغ والناطقين بالعربية والأفريكناس أي الأوروبيون في أفريقيا الجنوبية) والترويج لفكرة أن الحضارة المصرية القديمة والحضارة المغربية والقرطاجية حضارات أفريقية في الأصل.
وأوضح ريحان، أن المؤيدين للأفروسنتريك يدعون أن المصري الحالي ليس له علاقة بالمصري القديم، وأن المصري القديم مات أو هاجر إلى الجنوب وإن كل من هم في شمال مصر هم جنسيات كثيرة بعيدين عن العرق المصري، حتى أنهم زعموا إن إحدى ملكات مصر وهي الملكة تيي زوجة أمنحتب الثالث في الأسرة الـ18 أنها مصرية قديمة ذات ملامح أفريقة ولون بشرة أسود، مؤكدين أن المصري القديم كان أسود أفريقي، كما يزعمون أن علماء المصريات الحالين يقومون بتلوين المقابر باللون الأبيض لتزوير التاريخ، وإن كسر أنوف التماثيل لإخفاء ملامح الأنف الأفريقي، وفي الحقيقة أن المصرين القدماء كان لديهم عادة كسر أنوف التماثيل لاعتقادهم بأن التماثيل تتنفس وحتى يحجب عنها الحياة يكسر الأنف، وكانت حركة دينية في مصر القديمة.
وعلقت الدكتورة مونيكا حنا، أن الاستعمار الأوربي للقارة الافريقية، نهب حوالي ٧٠٪ من التراث الإفريقي والمصري بالدم والمذابح وبقى موجودا في المتاحف الغربية.
وقالت مونيكا في منشور لها على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: المتاحف الاجنبية مصممة على مصطلح Egyptian Archaeology او Egyptian Antiquities وليس Egyptian Heritage وكان هناك محاولة واعية من الغرب أن يفصل المصري الحديث عن المصري القديم وأن يظهر أن مصر القديمة هي أصل الثقافة الغربية من خلال تفاعلها مع الحضارة اليونانية الروماني، مطالبة بضرورة استخدام مصطلح التراث المصري لأن التراث هو تأثير ماضينا بكل مكوناته من التعددية الثقافية في الحاضر والمستقبل، وهو ما رفضه الغرب مع بداية علم المصريات حتى لا نتذكر تراثنا الذي سرقوه.
وأضافت مونيكا: الفراغ المعرفي عن مصر القديمة وعدم إتاحة المواقع الأثرية والمتاحف للمصريين بشكل جيد أنتج ظهور جيل يريد أن يعرف أكثر عن مصر القديمة جداً لأنه يمكن بقى شايف إنها الحاجة الوحيدة التي تميزه في ظروف اقتصادية وسياسية صعبة ويواجه حملات كبيرة جداً من أتباع المركزية الافريقية الذين يرون أن مصر القديمة هي سبيلهم الوحيد لتكوين هوية ثقافية في ظروف العولمة الحالية، وهذا الجيل يسمي نفسه أولاد كيميت او زي ما بحب اسميهم الكمايتة ومنهم حركة الهوية المصرية وبيركزا على محو أي طبقات تاريخية عدت تاني على مصر زي اليوناني الروماني والبيزنطي والعربي ويعتبروهم احتلال.
وواصلت: يواجه هؤلاء الشباب فريق آخر يساري التوجه إلى حد كبير في مصر بشكل كبير ويرى أن الحضارة المصرية غير مهمة، ويرى أنه ليس هناك مشكلة عندما عمل الافارقة في امريكا مسلسل يطلعوا كليوباترا سوداء، وكثير منهم تهكموا على احتفاء المصريين بملوك الدولة الحديثة عندما تم نقلهم متحف الحضارة وكلامهم ان احنا انهاردة مختلفين ملناش دعوة بالحضارة ديه وبيسفهوا بشكل كبير من غضب مش بس الكمايتة ولكن غضب قطاع كبير من المصريين ان مسلسل يتعمل عن مصر يخرج بالشكل ده، وبرضه للإنصاف الفريق ده ليه نفس النقد للكمايتة عن انهم يتغافلوا عمداً اي ذكر للمركزية الاوروبية عشان لونهم أبيض. وكمان شايفين ان اهتمام الشباب الصغير بالتاريخ المصري القديم ده غير مجدي وتضييع وقت.
وأكملت: الافروسنتريين وبعض علماء الاثار اللي بيدعموهم والفنانين زي اللي انتجوا مسلسل كليوباترا وزي بيونسيه وغيرها عندهم فعلاً اجندة وعندهم نفس الخطاب العنصري اللي عند الكمايتة وعشان كدا الخطاب دايماً متركز على اللون والشتيمة بجميع اللغات والمفردات، وديه مش اول مرة في تاريخ مصر يكون في حركات زي الكمايتة، كانوا برضوا موجودين في عشرينات وتلاتينات القرن اللي فات، وفي بعضهم برضه بيشوف ان ده رد فعل على حركات الاسلام السياسي اللي بتحاول تمحي الهوية المصرية او بتحاول تفرض هوية عربية على مصر.
وفي تطور لاحق تقدمت النائبة صبورة السيد عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة للمستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب، موجه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حول حظر منصة نتفليكس بعد الإعلان الترويجي للفيلم الوثائقي كليوباترا صاحبة البشرة السمراء.
وأضافت النائبة صبورة السيد، أن الإعلان الترويجي للفيلم الوثائقي لمنصة نتفليكس عن الملكة كليوباترا، تسبب في غضب كثير من المصريين بسبب تجسيد الفيلم للمصريين القدماء على أنهم من أصحاب البشرة السمراء، بينما أكد علماء الآثار أن الملكة كليوباترا من أصول مقدونية بما يعني أنها لم تكن سمراء.
وأشارت عضو مجلس النواب، في بيان، إلى أن ترويج نتفيلكس لكليوباترا كملكة من ذوات البشرة السوداء، يغزي أفكار حركة "الأفروسنتريزم"، التي تتبنى فكرة أن جميع حضارات العالم كانت تضم ذوي البشرة السوداء قبل تشتتهم، مشددة على أن الفيلم يحاول تغيير تاريخ مصر القديم و يقوم بتزوير المعطيات التاريخية الثابتة.
وطالبت باتخاذ الإجراءات القانونية ضد القائمين على هذا العمل وضد إدارة المنصة، وذلك من منطلق الحفاظ على الهوية الوطنية من مجالات الطمس والتشويه.
وكان العرض الترويجي لوثائقي نتفيلكس المرتقب عن الملكة كيلوبراترا، أثار جدلا واسعا بعدما صورها كملكة سمراء اللون، رغم أنها من أصول مقدونية كما تشير صفحات التاريخ.
فيديو قد يعجبك: