الرواية الملعونة.. "أولاد حارتنا" منحت نجيب محفوظ نوبيل وكادت تقتله
كتب- محمد شاكر:
تمر، اليوم الأربعاء، ذكرى وفاة الأديب الكبير نجيب محفوظ، الكاتب العربي الوحيد الذي نال جائزة نوبل في الآداب، أيقونة الأدب المصري والعربي، وذلك عام 1988.
ويستعرض "مصراوي" تفاصيل الأزمة الكبرى التي واجهت محفوظ وكادت تودي بحياته، وهي نشر رواية "أولاد حارتنا"، في ما يلي:
مضمون الرواية
تُعد "أولاد حارتنا" إحدى أشهر روايات محفوظ التي أثارت جدلًا واسعًا منذ نشرها مسلسلةً في صفحات جريدة "الأهرام"، وصدرت لأول مرة في كتاب عن دار الآداب ببيروت عام 1962، ولم يتم نشرها في مصر حتى أواخر عام 2006 عن دار الشروق.
"أولاد حارتنا"، رواية اجتمعَت فيها كلُّ عناصر العمل الأدبي المتميز؛ الرمز والحبكة والتصوير والخيال، وهي الرواية الأكثر جرأةً في تناولها؛ حيث فسرها البعض بأنها تتحدث عن الظلم الإلهي الذي حلَّ بالبشر؛ خصوصًا الضعفاء، مما عطَّل الصفات الألوهية عند الرب؛ مثل العدل.
تدخل عبد الناصر
بدأت الأزمة نهاية الستينيات من القرن الماضي، عندما نشر محفوظ الرواية بجريدة "الأهرام" وهاجمها شيوخ الأزهر، وطالبوا بوقف نشرها؛ ولكن محمد حسنين هيكل رئيس تحرير "الأهرام"، حينئذ، ساند نجيب محفوظ ورفض وقف نشرها، فتم نشر الرواية كاملةً على صفحات "الأهرام"، ولم يتم نشرها كتابًا في مصر.
ورغم عدم إصدار قرار رسمي بمنع نشرها؛ فإنه وبسبب الضجة التي أحدثتها، تم الاتفاق بين محفوظ وحسن صبري الخولي، الممثل الشخصي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بعدم نشر الرواية في مصر إلا بعد أخذ موافقة الأزهر، فطبعت الرواية في لبنان من إصدار دار الآداب عام 1967، ومُنع دخولها إلى مصر رغم أن نسخًا مهربة منها وجدت طريقها إلى الأسواق المصرية.
إيقاظ الفتنة
ويبدو أن الأزمة قد سكنت أعواماً طويلة إلى أن حصد صاحب الثلاثية جائزة نوبل عام 1988، وأعلنت الجائزة حيثيات فوز محفوظ، وكان من بين الروايات التي ذكرها بيان الجائزة رواية "أولاد حارتنا"؛ مما أحيا الفتنة من جديد.
وعقدت الحكومة اجتماعًا يوم 30 نوفمبر 1988، بعد ثلاثة أيام من تكريم الأديب نجيب محفوظ ومنحه قلادة النيل بمناسبة فوزه بجائزة نوبل، وفرضت الجائزة نفسها على اجتماع الحكومة، فناقشت طبع رواية "أولاد حارتنا"، والممنوعة من النشر في مصر، وشهد اجتماع الحكومة انقسامًا إلى فريقين؛ واحد يتزعمه الفنان فاروق حسني ومتحمس لنشر الراوية، والثاني رافض ويتزعمه صفوت الشريف وزير الإعلام، آنذاك، الذي طلب عرض الموضوع على الرئيس مرة أخرى، واستقر الرأي على عدم النشر بعد مكالمة جرت بين الرئيس مبارك والشريف، حسبما يذكر الكاتب الصحفي محمد شعير، في كتابه "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة".
وفي هذه الأجواء، أفتى أمير الجماعة الإسلامية عمر عبد الرحمن، وقتها، بإهدار دم نجيب محفوظ.
وفي منتصف تسعينات القرن الماضي، وتحديدًا في 18 أكتوبر 1995، حاول إرهابيون اغتيال الأديب العالمي نجيب محفوظ، أثناء خروجه من منزله بحي العجوزة في الجيزة، إلا أنه أفلت من الموت بأعجوبة وتم نقله إلى المستشفى.
وفى التحقيقات مع المتهمين بعد القبض عليهم، كانت المفاجأة؛ حيث تبين أن الإرهابيين قرروا اغتيال "محفوظ" بسبب رواية "أولاد حارتنا"، إلا أن الشخص الذي نفَّذَ الجريمة كان "أُميًّا" لا يجيد القراءة ولا الكتابة، يعمل نجارًا مسلحًا، ولم يحضر الاجتماع الذي تم تكليفه فيه باغتيال محفوظ، وإنما صدر له تكليف بذلك.
تجدد الجدل حول "أولاد حارتنا" نهاية 2005؛ حيث أعلنت مؤسسة "دار الهلال" نشر الرواية في سلسلة "روايات الهلال" الشهرية، ونشرت الصحف غلافًا للرواية التي قالت "دار الهلال" إنها قيد الطبع حتى لو لم يوافق "محفوظ"؛ بحجة أن الإبداع بمرور الوقت يصبح ملكًا للشعب لا لصاحبه، إلا أن قضية حقوق الملكية الفكرية التي حصلت عليها "دار الشروق" حالت دون ذلك، وأعلنت "دار الشروق" مطلع 2006 أنها ستنشر الرواية مقدمة للكاتب الإسلامي أحمد كمال أبو المجد، أطلق عليها اسم "شهادة"، كانت قد نُشِرت في السابق في صحيفة "الأهرام" بتاريخ 29 ديسمبر 1994، ونشر العديد من الصحف نص هذه الشهادة، وتم نشر الرواية في مصر في آخر 2006.
ورحل نجيب محفوظ عن دُنيانا في ٣٠ أغسطس ٢٠٠٦م، بعد حياة حافلة بالإبداع والعطاء، قدَّمَ خلالَها الكثيرَ من الأعمال الأدبية القريبة من الإنسان والمحمَّلة بفلسفة الحياة، والتي تُعَد إرثًا عظيمًا يحتفي به كلُّ مصري، وكلُّ عربي، وكلُّ إنسان.
فيديو قد يعجبك: