الجارديان: كيف يمنحك الاهتمام بالاخرين الشعور بالسعادة؟
كتبت- رنا أسامة:
لا شكّ أن منح أي شخص الشعور بالأهميّة والأولويّة في حياة الآخرين يُثير بداخله الإحساس بالسعادة، ويُحفّزه لمنح الآخرين ذات الشعور، ما يُشير بدوره إلى أن هذا الدافِع يشغل جزءً مركزياً في حياتنا، وبالرغم من البساطة التي تبدو عليها تلك العمليّة، إلا أنها تنطوي على معايير أكثر تعقيدًا وتشابُكًا مما نتصوّر، كما يقول الصحفي الأمريكي دان أريلي في مقال نُشِر الاثنين على الموقع الرقمي لصحيفة الجارديان البريطانيّة.
أحد الجوانب الأكثر تاثيرًا وبروزًا للتحفيز هو أنه غالبًا ما يقودنا نحو تحقيق الإنجازات الصعبة الخطِرة ورُبما المؤلِمة. قد تعتقد أن شعورك بالسعادة لن يتأتّى سِوى بالجلوس على أحد الشواطئ أمام البحر بينما تنناول مشروبك المُفضّل، أو المكوث في المنزل ومُشاهدة فيلم أو أي نشاط آخر يُثير بداخلك الشعور بالسعادة، ويُخيّل إليك أن قضاءك جميع الأوقات كل يوم على المِنوال الذي اخترته سبيلًا لإسعادك، سيمنحك الشعور بسعادة أبديّة.
بينما وجدت الأبحاث التي قامت بدراسة الاختلافات بين "السعادة" و"المعنى"، أن الأشياء التي تمنحنا الشعور بالمعنى ليست بالضرورة أن تجعلنا سُعداء. علاوة على ذلك، فإن الناس دائمي الحديث بأن حياتههم ذات معنى غالبًا ما يكونوا مُهتمين بإيثار الغير والقيام بأشياء لإسعاد الآخرين، فيما يُلاحظ أن أولئك الذين يُركّزون بشكل كبير على إيثار أنفسهم ينعمون بقشور من السعادة.
زعم الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه أن أعظم المِنح التي يُمكن أن تُقدّم في الحياة تنبثق من خبراتنا المتنوّعة. جميعنا نعرف أشخاصًا يشعرون بأن حياتهم ذات قيمة ومعنى حتى في أكثر الظروف الصعبة.
يستشهد اريلي في هذا الشأن بصديقة له تعمل مُتطوّعة في أحد المستشفيات. يذكر أنها قضت سنوات عديدة تُشارك المرضى، آخر لحظاتهم في الحياة، وبالرغم من قساوة تلك اللحظات إلا أنها كانت تشعر بأنها تقوم بشيء ذي قيمة.
لم تكثن صديقة اريلي الوحيدة في هذا الشأن، فالعديد من الأشخاص يقضون مُعظم حياتهم يعملون في مجالات محفوفة بالمخاطر ولحظات الألم، ومع هذا يتملّكهم الشعور بأن القيام بأشياء ذات معنى واجبهم الأساسي. إنهم يُجسّدون الكيفيّة التي تقودنا من خلالها رغبتنا في الاعتقاد بأن حياتنا لها هدف أعمق مما يبو عليه، إلى القيام بالمزيد من الأعمال الشاقة، حتى وإن كان يُكلّف هذا الأمر التضحيّة بحيتنا الشخصية وعلاقاتنا الاجتماعيّة في سبيل إكساب حياتنا معنى.
الفكرة الأساسيّة هي أن الدوافِع التي رُبما تبدو غريبة، شاذة، غير عقلانيةّ، وغير مألوفة، تدفعنا إلى القيام بمهام مُعقّدة، صعبة، ولا تبعث بالسرور على النفس ولكنها في النهاية تلتف حول تقديم العون للآخرين وقت الحاجة، سواء في العلاقات الشخصيّة أو في مجال العمل.
يعزي الكاتب الأمريكي السبب وراء ذلك إلى استناد الدوافع البشرية إلى عامل الوقت، فهي تعتمد على القيام بمهام تستمر على المدى البعيد، مُشيرًا إلى أننا نتأثر في تحفيزنا بالمعنى والاتصال، لأن تأثيراتهما تمتد إلى ما هو أبعد من أنفسنا، ودوائرنا الاجتماعيّة، ورُبما حتى أبعد من وجودنا ذاته.
فيديو قد يعجبك: