كاتب بريطاني: أزمة كتالونيا وصلت مرحة الفوران
لندن - (أ ش أ)
قال الكاتب البريطاني جدعون راخمان إن كافة المراقبين للسياسات الإسبانية الحديثة كان يقفون على أبعاد المسألة الكتالونية منذ عقود؛ إلا أن قليلين جدا ظنوا أن يصل الأمر إلى تصويت رسمي لصالح الاستقلال من جانب البرلمان الكتالوني، في تحدّ لحكومة مدريد.
وفي اقتراع سريّ، أجراه البرلمان المحلي في كتالونيا اليوم الجمعة، أيدّ 70 نائبا إعلان انفصال الإقليم، فيما عارضه 10 نواب، بينما امتنع نائبان عن التصويت.
ونوّه الكاتب، في مقاله بالـ"فاينانشيال تايمز"، عن أن حركة استقلال كتالونيا افتقرت إلى العنف الذي اتسمت به حركة "إيتا" الانفصالية والتي تسعى إلى انفصال إقليم الباسك عن إسبانيا منذ حقبة الخمسينيات من القرن الماضي؛ ولهذا السبب كانت السلطات في مدريد حتى وقت قريب تبدو قلقة إزاء التهديد القادم من انفصاليي إقليم الباسك أكثر من قلقها إزاء التهديد القادم من انفصاليي إقليم كتالونيا.
غير أن لغة الطرفين (في كتالونيا وفي مدريد) اتسمت بالشدّة المثيرة للقلق؛ فقد بات أمرًا عاديا أن يشير القوميون الكتالونيون إلى أعضاء الحكومة الإسبانية كـ"فاشيين"؛ وعلى الجانب المقابل، بات واضحا مدى غضب الإسبانيين - الذين لا يؤيدون انفصال كتالونيا - من تعامل قاطني الإقليم على أساس أنهم أرقى ثقافة من غيرهم وإصرارهم على استخدام اللغة الكتالونية وإعادة كتابة تاريخهم المحلي لتأكيد اختلاف الهوية الكتالونية.
ويرى الكثيرون في مدريد، أن الحكومة الإسبانية قد تساهلت طويلا مع الحركة القومية الكتالونية؛ وعند وضع ذلك في الاعتبار جنبا إلى جنب مع تهيؤ الأجواء للمواجهة، فإن إمكانية اللجوء للقوة باتت مطروحة بقوة لدرجة تركت أحد المراقبين الأجانب في مدريد يقول: "لا أكاد أحصي عدد المرات التي سمعت فيها هنا القول إن "دبابتين اثنتين في ساحة كتالونيا كفيلتان بإنهاء الأمر".
ومع إعلان انفصال كتالونيا، قال رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، لأعضاء مجلس الشيوخ إن ثمة حاجة إلى حُكم مباشر للإقليم من أجل إعادة القانون والديمقراطية والاستقرار إليه. وصوّت مجلس الشيوخ الإسباني على تفعيل المادة 155 من الدستور التي تسمح للحكومة المركزية بتعليق الحكم الذاتي في كتالونيا وإقالة قادة الإقليم والدعوة لانتخابات مبكرة.
وتساءل صاحب المقال عن سرّ فَوَران الأزمة الكتالونية في هذا التوقيت، مشيرا إلى أن آخر نوبات فوران تلك الأزمة القومية الكتالونية كانت قد حدثت في حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي. ورصد الكاتب إلقاء البعض في إسبانيا باللائمة على سنوات التقشف وارتفاع معدلات البطالة في أعقاب الأزمة المالية عام 2008؛ فيما يربط البعض بين ما يحدث في كتالونيا وما تشهده ساحات السياسات الغربية عموما من اضطراب تجلت مظاهره في تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) وتصويت الأمريكيين لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
فيما يشير آخرون إلى أسباب إسبانية الجذور لتلك الأزمة، وهؤلاء يرون أن النسق الفيدرالي المكون للدستور الإسباني - الذي تم اتخاذه كوسيلة للعبور بالبلاد إلى الديمقراطية - هذا النسق لم يكن من الرسوخ بالقدر الكافي لتأمين الاستقرار.
وبحسب الكاتب، فإنه إذا كانت عضوية إسبانيا بالاتحاد الأوروبي قد أسهمت في تأكيد حداثة وديمقراطية الدولة، إلا أن وجود الاتحاد الأوروبي قد جعل فكرة استقلال كتالونيا أمرًا أكثر معقولية وقد بات استقلال كتالونيا كدولة صغيرة مزدهرة تحت مظلة الاتحاد الأوروبي أمرًا ممكنًا.
ونبّه صاحب المقال إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يشجع مطلقا انفصاليي كتالونيا، بما يعزز موقف حكومة إسبانيا في التعامل مع الأزمة لا سيما وأن القانون في صفها؛ لكن الإفراط في لجوء حكومة مدريد إلى القوة في هذا الصدد قد يأتي بنتائج عكسية.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: