إعلان

نيويورك تايمز: القدس.. أجواء متوترة تنذر بانفجار وشيك

01:16 م الأحد 10 ديسمبر 2017

 

ترجمة - محمد عبد العزيز:

القدس مدينة يشتم فيها رائحة التوتر في يوم رائع ومشمس.

تشعر بهذا وأنت خلف عجلة القيادة: إشارات المرور تتحول إلى اللونين الأحمر والأصفر للتنبيه بأن اللون الأخضر سيظهر.

يتردد المارة لنصف ثانية قبل أن يركضوا لتخطي الطريق؟ وأصوات أبواق السيارات ترتفع من خلفك بعنف.

تلميذات مدارس يشرن إلى سائقي السيارات قبل أن يتخذن قرار بالمرور، بينما يرفعن أصابعهن بوجوه عابسة وكأن لسان حالهن يقول: هل ننتظر، أم ماذا؟

ترى ذلك جليا أيضا في التضاريس الجغرافية: شقق سكنية متخمة ومتراصة في أحياء فلسطينية مزدحمة بالسكان، مناطق يعيش فيها يهود متشددون، وبعض المباني الضخمة المنفصلة على جانبي الخط الأخضر، والخط الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 1948 والأراضي المحتلة عام 1967.

تسمع أشخاصا يرددون عبارات مثل "العرب" و"اليهود" -طائفتان تنازعتا حول حق البناء في رقعة صغيرة فوق أحد التلال التي ليس لها أي قيمة استراتيجية، نزاع استمر لعقود دون حل يلوح في الأفق.

العالم يعرف القدس ببلدتها القديمة وقبتها الذهبية وجدارها الغربي وكنيسة مهدها وأحجارها العتيقة التي تبرق تحت أشعة الشمس.

لكن القدس ليست مجرد مدينة توضع صور رموزها على طوابع بريدية.

فالذي يأتي للقدس حاجا ليس كالمقيم فيها.

فعندما يتأجج الصراع، يمكن حتى للمواطنين أن يتساءلوا عن سبب مثابرتهم للعيش في هذا المكان.

يقول تومير آسر (35 عاما)، ويعيش في بلدة بيت حنينا بالقدس الشرقية، "جميعنا يعتقد أن هناك شيئا مقدسا في هذه المدينة، لكن هذا أمر صعب للغاية في الوقت نفسه. لأننا نشعر بأننا في سجن. الناس متوترون للغاية. نشعر بأننا منحصرون بين خيارين: إما أن نكون مع المجتمع الإسرائيلي أو مع المجتمع العربي. ليس هناك فرق - نحن بلد واحد - يعيش فيها عرب إسرائيل و فلسطينيون و يهود إسرائيليون".

وبالنسبة للمقدسيين، يجب عليهم التأقلم على العيش تحت الضغوط.

فالضغوط تتزايد يوما بعد يوم حتى تبلغ ذروتها في يوم السبت، الذي يوقف فيه اليهود المتدينون حياتهم، ويسعى غيرهم من اليهود العلمانيين والعرب للاستفادة القصوى منه.

كما أن الصراع العربي الإسرائيلي يبني ضغوطا طويلة الأجل، ويهدد بشكل دوري بانفجار في فترات العنف.

ومع اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، بدا أن المدينة تستعد لجولات من العنف لم تشهدها منذ أشهر، إن لم يكن سنوات.

لكن أحدا لا يعرف مدى سوء ما سيحدث.

القيام بجولة في المدينة على متن "قطار القدس الخفيف" -المسمى بالخط الأحمر -صباح يوم الجمعة يعطيك لمحة عن حالة عدم اليقين المنتشرة في كل شيء، حتى الهواء.

بدأت رحلة القطار من منطقة تسمى "جبل هرتزل" بالقدس الغربية، مقر مؤسسة ياد فاشيم وبها مقبرة وطنية لإسرائيل ومرافق تذكارية وتعليمية وعسكرية أخرى.

القطار يمر على بلدتي شعفاط وبيت حنينا بالقدس الشرقية قبل أن ينهي رحلته في مستوطنة "بسغات زئيف" الصاخبة، وهي إحدى المستوطنات اليهودية التي شيدت لتطويق القدس الشرقية على الأراضي التي تم الاستيلاء عليها في حرب 1967.

الرحلة على متن قطار القدس الخفيف تتميز بالراحة والحداثة وتوفير كافة أشكال الخدمة المميزة، بالإضافة لتمتع الراكب بالمناظر الممتعة ومعاينة التدابير الأمنية الصارمة، وذلك في أعقاب طعن طالب بريطاني حتى الموت في ابريل الماضي.

لا يستخدم السكان العرب قطار القدس الخفيف تقريبا، على عكس اليهود.

ففي أعقاب اختطاف مجموعة إسرائيليين لشاب من شعفاط قرب محطة القطار وتعذيبه وقتله عام 2014، هاجم متظاهرون فلسطينيون محطة القطار واعتبروها رمزا للاحتلال الإسرائيلي.

وفي صباح الجمعة، ظل عدد من الركاب اليهود يتلون صلوات على متن القطار، وعلى مقعد آخر جلست فتاتان في طريقهما للمدرسة تضحكان. بينما جلس عجوز عربي يحمل حقيبتين ويحدق فيمن حوله.

"لا أحد حقا يريد أن يكره الآخر. لكنه التوتر، هناك أشياء قد تحدث حولك تجبرك على التوتر"، وفقا لجين أهارون، التي تعمل في مجال العقارات، وهي من مدينة سياتل الأمريكية وهاجرت إلى تل أبيب عام 2003 والقدس في عام 2009.

وداخل البلدة القديمة، تعتبر أسواق العرب مكان مفعم بالحياة والضجيج وكذلك اليهود، حيث يتنافس البائعون للترويج لسلعهم كالفواكه والخضروات والهواتف والملابس.

وتبدو وجوه الجميع مفعمة بالتفاؤل.

يقول نبيل الحجيري (65 عاما) "رسالة رجال الدين يجب أن تكون التحلي بالصبر وعدم القلق مما يقوله الاخرون. فالحقيقة ستظهر يوما ما."

السيد هيجيراسي، مستورد عاش في مينيسوتا لسنوات عديدة، لكنه عاد إلى القدس قبل عقد.

يقول "الجميع يحب القدس. ولا أحد من سكانها يتصور أنه سيدفن في أي مكان آخر."

لكنه يضيف "ليس من السهل على سكان القدس التراجع، إنهم عنيدون ولا يسافرون كثيرا ويفكرون بطريقة واحدة. مستوى نظرهم لا يتعدى أنوفهم. الحياة هنا صعبة للجانبين، حتى يأتي السلام".

وفي زقاق يؤدي إلى الحي الإسلامي بالقدس، سمع أصوات ضجيج.

إنهم مستوطنون يهود على سطح بناية يرشقون بعض العرب في الأسفل (بالبيض).

وفجأة، ووسط ذلك، يركض ثلاثة ضباط من شرطة الحدود الإسرائيليين لمطاردة شخص.

وبعد ذلك بوقت قصير، تنتهي المطاردة.

وعقب وصول الضباط الثلاثة إلى بغيتهم، يقطع الصمت صراخ سيدة عربية تقول "اللعنة عليكم".

الضباط يتجاهلونها ويقول أحدهم للآخرين، "امضوا في طريقكم."

لكن الصراع لا ينحصر فقط بين اليهود والعرب في القدس.

تقول رينا بيور، التي نشأت في مدينة عكا، إنها اشترت شقتها في حي التلة الفرنسية بالقدس منذ سنوات، "الآن نصف السكان القدس متدينون"، وهذا صعب عليها البقاء؛ فهي تخطط للذهاب إلى ابنتها في تل أبيب -وذلك ضمن موجة نزوح لليهود العلمانيين من المدينة المقدسة منذ ثمانينيات القرن الماضي.

وتضيف بيور "لا أزال أعشق المدينة الجميلة الملهمة. إنها فريدة من نوعها والوحيدة المثيرة للاهتمام بالنسبة لي، لكنني تعبت منها".

اقتربت فترة الظهيرة يوم الجمعة، جميع القطارات توقفت عن العمل استعدادا ليوم السبت.

هذه سيارة أجرة يتهيأ سائقها لرحلة العودة والتوقف عن العمل ليوم كامل.

"أقوم هذه السيارة منذ 18 عاما"، قال السائق محمد زيادة - 39 عاما.

وقال "هناك مشكلة دينية كبيرة في القدس. إنها مدينة مليئة بالعنصرية. بمجرد أن تقع مشاجرة أو حالة فوضى بين اليهود والعرب، لا يستقل اليهود سيارتي، كما يتمنع العرب عن الذهاب للأسواق اليهودية. وإذا ذهبت إلى منطقة يقطنها يهود متطرفون ويكتشفون أنني عربي، يرشقون سيارتي بالحجارة".

يمر زيادة بسيارته أمام قطعة أرض يقول إنها ملك لعائلته، لكن السلطات الإسرائيلية منعتها من البناء. وهو يرفض بيعها.

ويضيف "لن يكون هناك سلام هنا. حتى إذا أخرجوا العرب من المدينة، سيأكل اليهود بعضهم بعضا. وكذلك إذا فعلوا بنا هذا."

لقراءة الموضوع الأصلي... اضغط هنا

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان