هنري كيسينجر يتحدث عن "الفوضى والنظام في عالم متغير"
كتب – سامي مجدي:
في أواخر يونيو الماضي، ألقى وزير الخارجية سابقا، هنري كيسينجر، محاضرة حذر فيها من انتشار الفوضى حال انخرط الغرب في الصراعات التي تعم العالم دون وجود "مفهوم جيو-سياسي."
قال كيسينجر، الذي عمل مستشارا للأمن القوي الأمريكي، إن حلف شمال الأطلسي (الناتو) والعالم الغربي في "معطف محفوف بالمخاطر،" وليس أمامه خيارات سوى "إعادة تعريفة (مفهوم) الأطلسية."
عرج كيسينجر المولود في مايو 1923، في محاضرته التي ألقاها في مؤتمر مارغريت ثاتشر للأمن، على روسيا وكيف يجب على الغرب تطوير علاقاته مع موسكو في ظل توتر العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة والتي بلغت مستوى من التوتر لم تشهده منذ الحرب الباردة.
تحدث كذلك عن الصين، العملاق الصاعد بقوة نحو صدارة النظام العالمي، وسعيها الدؤوب لتنفيذ "مبادرة الحزام والطريق"، وأوضح أن بكين وواشنطن سوف تصبحان على قمة العالم وبالتالي ستصبحان أكثر تبعية في العالم من الناحية الاقتصادية، وهما ملتزمتان بإجراء تعديلات غير مسبوقة في تفكيرهما التقليدي.
وهناك الشرق الأوسط، الذي قال عنه كيسينجر إن النظام القائم فيه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى في حالة فوضى، مشيرًا إلى أن دول العراق وسوريا واليمن وليبيا فقدت كينونتها كدول ذات سيادة.
وقال أيضا إن الأوضاع في الشرق الأوسط الآن قلبت القول المأثور الذي يقول إن عدو عدوي صديقي، إلى "عدو عدوي يمكن أن يكون عدوي أيضًا".
تحدث السياسي الأمريكي المخضرم بشيء من التفصيل عن التحديات التي تشكلها روسيا والصين والشرق الأوسط للناتو والغرب في العموم. وذلك فضلا عن توصياته لصياغة نظام عالمي جديد في ظل التغيرات التي تجتاح العالم من أقصاه إلى أقصاه.
وإلى نص المحاضرة:
o إذا انخرط الغرب في صراعات العالم دون مفهوم جيو-استراتيجي، ستعم الفوضى
o نحن في منعطف محفوف بالمخاطر، ليس أمامنا خيار سوى إعادة تعريف الأطلسية
o في الشرق الأوسط المعاصر، عدو عدوي ربما يكون عدوي أيضا
الليدي ثاتشر كانت واحدة من أهم الزعماء في حقبتنا. فقد كانت وهي الحاسمة الحماسية والشجاعة والمخلصة، تكرس جهودها صياغة المستقبل أكثر من اتباع توصيات جماعات التركيز.
التقيت بها للمرة الأولى في مطلع سبعينات القرن الماضي، عندما كانت تعمل وزيرة للتعليم في حكومة إدوارد هيث. في أول لقاء لنا، نقلت السيدة ثاتشر ازدراءها للحكمة التقليدية في ذلك الوقت التي كانت تقول إن التنافس السياسي يدور حول الفوز (بمعسكر) الوسط. بالنسبة لها، كانت القيادة مهمة تحريك الوسط السياسي نحو مبادئ محددة أكثر من عكس ذلك.
في تطبيقها لتلك الفلسفة، أنتجت على مدى مسيرة مهنية طويلة اتجاها سياسيا في مجتمعها. فعلت ذلك بمزج الأسلوب والشجاعة: الأسلوب لأن الخيارات الجوهرية التي تتطلبها العملية السياسية عادة ما يتم تبنيها في ممر شديد الضيق؛ والشجاعة لأن تمضي للأمام على طريق لم يقطعه أحد من قبل.
عرضت مارغريت ثاتشر هذه السمات ببلاغة في خطاب فيندالي في ويستمينستر كوليدج في فولتون بولاية ميزوري، ذلك المكان الذي ألقى وينستون تشرشل كلمته "الستارة الحديدة" قبل 50 سنة. طرحت تحديات، هي في جوهرها أكثر إلحاحا اليوم:
o هل يجب أن تعتبر روسيا تهديدا محتملا أم شريكا؟
o هل يجب أن يحول الناتو اهتمامه إلى قضايا "خارج المنطقة"؟
o هل يجب أن يقر الناتو بالديموقراطيات الجديدة في وسط أوروبا بمسؤوليات كاملة بأسرع ما يمكن وبحكمة؟
· هل يجب على أوروبا أن تطول "هوية دفاعية" خاصة بها في الناتو؟
بعد عقدين من كلمة الليدي ثاتشر النبوئية، يواجه العالم عبر الأطلسي مجموعة أخرى من القضايا ذات طبيعة مماثلة. فالنظام العالمي الذي خلقه الغرب لينهي حرب الثلاثين سنة في 1648 كان قائما على أن فكرة سيادة الدول التي تؤمن توازن القوة بين كيانات متعددة. إنه يواجه الآن مفاهيم نظامية مستمدة من تجارب تاريخية وثقافية وتتضمن رؤى ذات أبعاد دينية قارية أو عالمية. لذا تصبح القضية طولية المدى إما أن تحل هذه القضايا عبر ثوابت الدولة القومية أو بمفاهيم جديدة أكثر عولمة، وبأي عواقب على النظام العالمي في المستقبل. دعوني أقوم بذلك عبر تطويع تحديدات الليدي ثاتشر على ظروفنا الراهنة.
روسيا
ركز التحدي الروسي – أول أسئلة الليدي ثاتشر– على أوكرانيا وسوريا لكنه يعكس عزلة أعمق. فروسيا التي تمتد على 11 منطقة زمنية من أوروبا على طول الحدود الإسلامية إلى المحيط الهادئ، طورت مفهوما متميزا للنظام العالمي. ففي سعيها الدائم للأمن على طول حدودها الطولية مع قلة من الترسيم الطبيعي للحدود، طورت روسيا ما يعادل تعريف الأمن المطلق الذي يجاور انعدام الأمن المطلق بالنسبة لبعض جيرانها.
في نفس الوقت، النطاق الجيو-استراتيجي الروسي، تصورها الروحاني لمفهوم العظمة، واستعداد شعبها لتحمل المشقة ساعدها عبر القرون للحفاظ على حالة التوازن العالمي ضد التخطيطات الإمبريالية من جانب المنغوليين والسويديين والفرنسيين والألمان. كانت النتيجة بالنسبة لروسيا مزدوجة –رغبة في أن تقبلها أوروبا وتتجاوزها في وقت واحد. هذا الشعور الخاص بالهوية يساعد على تفسير تصريح الرئيس بوتين بأن "زوال الاتحاد السوفيتي كان أكبر كارثة جيوسياسية في القرن."
نظرة بوتين للسياسة الدولية هي في الأغلب توصف بأنها تكرار للسلطوية القومية الأوروبية في ثلاثينيات القرن الماضي. الأمر الأكثر دقة، هي إرث وجهة النظر العالمية التي حددها الروائي فيدور دوستوفيسكي، كمثال في كلمة ألقاها في 1880 في مراسم إقامة نصب تذكاري للشاعر بوشكين. كان نداؤه الحماسي لروح جديدة للعظمة الروسية قائمة على الميزات الروحية للشخصية الروسية والتي أخذها في أواخر القرن العشرين ألكسندر سولجينتسين.
ومع تركه منفاه في فيرمونت للعودة إلى روسيا، طالب سولجينتسين في كتابه "المسألة الروسية"، بالعمل للإنقاذ الشعب الروسي الذي "طُرد" من روسيا. بنفس الروح، حشد بوتين ما فسره بأنه جهد غربي عمره 300 سنة لاحتواء روسيا. ففي 2007 في فورة على غرار دوستوفيسكي في مؤتمر ميونيخ الأمن، اتهم الغرب باستغلال غير مبرر لمشاكل روسيا ما بعد الحرب الباردة لعزلها وإدانتها.
كيف يجب على الغرب تطوير العلاقات مع روسيا، وهي عنصر حيوي للأمن الأوروبي لكن لأسباب تاريخية وجغرافية، لديها وجهة نظر مختلفة جوهريا حول ما يعد ترتيبات متبادلة مرضية في المناطق المتاخمة لروسيا.
هل المسار الأكثر حكمة هو الضغط على روسيا، ومعاقبتها حال اقتضت الضرورة، حتى تقبل بوجهات النظر الغربية لنظامها الداخلي والنظام العالمي؟ أم هناك مجال متروك لعملية سياسية التي تتخطى، أو على الأقل التخفيف من اثار، العزلة المتبادلة في السعي لمفهوم متفق عليه للنظام العالمي؟
هل تُعامل الحدود الروسية على أنها منطقة مواجهة دائمة، أو هل يمكن تهيئتها لتكون منطقة تعاون محتمل؟ هذه هي أسئلة النظام الأوروبي وهو بحاجة إلى أن يوضع في الاعتبار بشكل منهجي. وسواء تطلب المفهوم قدرة دفاعية يمكنها رفع الاغراء للضغط العسكري الروسي.
الصين
تساؤل الليدي ثاتشر فيما يتعلق بقضايا المنطقة يهتم في المقام الأول في أيامنا هذه يدور حول الصين والشرق الأوسط. الصين أطلقت "مبادرة الحزام والطريق" الخاصة بها، كتصميم كبير بآثار سياسية واقتصادية وثقافية وأمنية من بحر الصين الشرقي إلى القنال الإنجليزي. إنها تستحضر ذكريات محاضرة أمام الجمعية الجغرافية الملكية ألقاها السير هالفورد ماكيندر الذي وصف المعقل الأوراسي (أوراسيان هيرتلاند) على أنه المحور الجيو-استراتيجي للكرة الأرضية.
بسعيه لربط الصين بآسيا الوسطى وفي نهاية المطاف بأوروبا، سوف يحول طريق الحديد الجديد في الواقع إلى مركز جاذبية العالم من الأطلسي إلى أوراسيا. يجتاز الطريق تنوعا هائلا من الثقافات الإنسانية والأمم والمتعقدات والمؤسسات والدول ذات السيادة. وعليه تقع ثقافات عظيمة أخرى -روسيا والهند وإيران وتركيا -وفي أقصى طرفه دول أوروبا الغربية، وعلى كل منها أن تقرر ما إن كانت ستنضم إليه، وتتعاون معه أو تعارضه، ووفق أي شكل. فالتعقيدات في السياسة الدولية مربكة كما أنها مقنعة.
إن "مبادرة الحزام والطريق" يجري طرحها في بيئة استراتيجية دولية، قائمة اتفاق فيستفاليا، ومحددة بفلسفة النظام الغربي. لكن الصين فريدة من نوعها، وتجاوز بعد دول فيستفاليا: إنها حضارة قديمة ودولة وإمبراطورية واقتصاد معولم. الأمر الذي لا محالة منه أن الصين سوف تسعى للتكيف مع نظام دولي متوفق مع خبراتها التاريخية وقوتها المتنامية ورؤيتها الاستراتيجية.
وسيشكل هذا التطور التحول الثالث للصين في نصف القرن الماضي. فـ"ماو" جلب الوحدة، و"دنغ" جلب الإصلاح، والآن الرئيس "شي جين بينغ" يسعى للوفاء بما يصفه ب"الحلم الصيني"، والعودة إلى إصلاحيي تشينغ الراحلين، من خلال إطلاق "حلم القرنين". عندما تدخل جمهورية الصين الشعبية قرنها الثاني في 2049، فسوف تكون في تعريف شي قوية -إن لم تكن أقوى -كأي مجتمع اخر في العالم، ونصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي مساو لمثيله في الدول المتقدمة.
في العملية، سوف تصبح الولايات المتحدة والصين البلدين الأكثر تبعية في العالم اقتصاديا وجيو-سياسيا، وهما ملتزمتان بإجراء تعديلات غير مسبوقة في تفكيرهما التقليدي. كان على الولايات المتحدة أن تتعامل مع قدم المساواة الجيو-سياسية، حتى من قبل أن تصبح قوة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية. وفيفي تاريخ الصين الممتد لآلاف السنين، لم تتصور الصين أي دولة أجنبية إلا على أساس أنها رافد لها، المملكة "الوسطى."
فالبلدان يعتقدان أنهما استثنائيان، وإن كان ذلك بسبل مختلفة جذريا: أمريكا ترى نشر قيمها ونظامها لدى البلدان الأخرى كجزء من مهمتها؛ الصين تاريخيا تتصرف على فرضية أن عظمة أدائها من شأنه أن يدفع البلدان الأخرى إلى تسلسل هرمي قائم على الاحترام.
في كل من البلدين، هناك الكثير من الآراء حول كيفية تسوية الخلافات في وجهة النظر -سواء عبر ثوابت الدولة القومية أو بمفاهيم جديدة أكثر عولمة، "الحلم الصيني" الخاص بالرئيس شي مثال على تلك المفاهيم. بالنسبة للمجتمعين -وبقية العالم -تطورهما المشترك هو تعريف لتجربة الفترة.
ماذا سيكون عليه دور أوروبا في مثل هذا العالم؟ كجزء من العالم الأطلسي أو كيان يعيد تعريف نفسه والتكيف المستقل للتقلبات المحيطة به؟ كمكون من ترتيبات عبر الأطلسي؟ أم ككيان تبايني تشارك عناصره في نموذج تاريخي لتوازن القوى؟ ما نوع النظام العالمي سوف يعتمد على تزامن مفاهيم عبر الأطلسي و"مبادرة الطريق والحزام"؟
الشرق الأوسط
في أوراسيا وعلى طول الحدود الروسية، يواجه النظام العالمي الاندماج. وفي أنحاء محيط الشرق الأوسط، يواجه تهديدات من فناء الاضطراب. فالنظام القائم على فيستفاليا الذي ظهر في الشرق الأوسط بنهاية الحرب العالمية الأولى هو الآن في فوضى. هناك أربع دول في المنطقة توقفت عن العمل كدول سيادية. باتت سوريا والعراق وليبيا واليمن ساحات قتال لفصائل تسعى لفرض حكمها.
ففي أنحاء مساحات واسعة من العراق وسوريا، أعلن جيش ديني متطرف أيديولوجي، داعش، نفسه عدوا لا هوادة فيه للحضارة الحديثة، وسعى بعنف لاستبدال تعدد الدول القائمة وفقا للنظام الدولي بإمبراطورية إسلامية تحكمها الشريعة. في هذه الظروف، لم يعد ينطبق القول المأثور التقليدي بأن "عدو عدوي يمكن أن يعتبر صديقي". في الشرق الأوسط المعاصر، عدو عدوي يمكن أن يكون عدوي. الشرق الأوسط أثّر في العالم من خلال أيديولوجياته المتقلبة بقدر ما تتصف به إجراءاتها المحددة.
يمكن لحرب العالم الخارجي مع داعش أن تعمل كصورة توضيحية. معظم القوى المناوئة لداعش -التي تضم إيران الشيعية والدول السنية البارزة -تتفق على الحاجة إلى تدميره. لكن أي كيان من المفترض أن يرث أراضيه؟ تحالف من السنة؟ أو مجال نفوذ تهيمن عليه إيران؟ الإجابة صعبة لأن روسيا ودول الناتو تدعم فصائل متعارضة. إذا احتل الحرس الثوري الإيران أو قوى شيعية يدربها ويديرها أراضي داعش فالنتيجة يمكن أن تكون حزام من الأراضي يصل من طهران إلى بيروت والذي من شأنه يؤشر لظهور إمبراطورية إيرانية أصولية.
وقد عقد تحول تركيا الناشئ، التي كانت ذات تأثير معتدل رئيسي، من دولة علمانية إلى صيغة إسلامية أيديولوجية، من الحسابات الغربية. في وقت من الأوقات أثرت على أوروبا من خلال سيطرتها على تدفق المهاجرين من الشرق الأوسط وخيبت آمال واشنطن بحركة النفط والبضائع الأخرى عبر حدودها الجنوبية، جاء دعم تركيا للقضية السنة جنبا إلى جنب مع جهودها لإضعاف استقلال الأكراد، وحتى الآن يدعم الغرب أغلبية فصائلهم.
إن الدور الجديد لروسيا سوف يؤثر على نوع النظام الذي سوف ينشأ. هل هدفه المساعدة في هزيمة داعش ومنع كيانات موازية؟ أو هل هو مدفوع بالحنين إلى المهام التاريخية لأبعاد استراتيجية؟ إذا كان الأول، فإن سياسة تعاونية للغرب مع روسيا من شأنها أن تكون بناءة. وإذا كان الثاني، فمن المرجح تكرار أنماط الحرب الباردة. إن سلوك روسيا نحو السيطرة على الأراضي الحالية لداعش، الموضح أعلاه، سوف يكون اختبارا رئيسيا.
نفس الخيارات تواجه الغرب. عليه أن يقرر ما هي النتيجة التي تتوافق مع النظام العالمي الناشئ وكيفية تحديدها. لا يمكنه الالتزام بخيار قائم على التجمعات الدينية في شكل مجرد حيث أنها نفسها مقسمة. ودعمه يجب أن يهدف إلى الاستقرار وأن يكون ضد أي جماعات تهدد الاستقرار. ويجب ان تشمل الحسبة الأمد الطويل ولا تكون مدفوعة بالتكتيكات الآنية.
وإذا بقي الغرب منخرطا بدون خطة جيو-استراتيجية، فسوف تنمو الفوضى. وإذا انسحب معنويا او في الواقع -كما كان الخوف خلال العقد الماضي -فإن القوى الكبرى مثل الصين والهند، التي لا يمكنها تحمل الفوضى على طول حدودها أو الاضطراب بداخلها، سوف تخطو تدريجيا لتحل محل الغرب إلى جانب روسيا. وسوف تتم الإطاحة بنمط السياسات العالمية خلال القرون الأخيرة.
إلى أين (يتجه) حلف الأطلسي
هذه الاتجاهات تتضمن أثرين بالنسبة لحلف الأطلسي. بقدر ما تهدد الاضطرابات في القارات توازن القوى، إلى أنها تشكل تهديدا للأمن. لكنها أيضا تحديا أمام الغرب للمساهمة في بناء نظام عالمي جديد. المادة الخامسة من ميثاق الناتو تحدد ما يجب الحفاظ عليه؛ لا يمكن أن يكون ذلك المنتج النهائي لسياسة الأطلسي.
تشكل الناتو في 1949 لحماية أعضاءه ضد هجوم مباشر من الاتحاد السوفيتي. وتطور مرض ذلك الحين إلى شبكة من اللمم تتكامل في أبعاد متنوعة من أجل ردة فعل على المواقف المزعزعة للاستقرار على الساحة الدولية. لكن الناتو كان أكثر تحديدا في هدفه الأصلي أكثر من تطوره؛ كان أكثر وضوحا حيال التزاماته الدفاعية، من دوره في المساهمة في النظام العالمي.
فالناتو الذي فهم على أنه رادع لتهديد الاتحاد السوفيتي في عملية زيادة ترسانته من الأسلحة النووية إلى تكملة القوة العددية الفائقة لقواته البرية، عليه التزام قانوني وتعبير عن التصميم المشترك لدول العالم الغربي الحر لتعزيز قيمه.
جاء تقليد القيادة الأمريكية نتيجة أن الترسانة النووية الأمريكية هي في نهاية المطاف الثقل الموازن للقوة العسكرية السوفيتية. بمرور العقود، تحول الحلف بشكل متزايد إلى ضامن أمريكي أحادي أكثر منه مفهوم استراتيجي متفق عليه وثيق الصلة بالعالم المتطور.
كان مفهوم الليدي ثاتشر لحلف الأطلسي شديد الاختلاف عن الواقع الراهن. وصفته بأنه في جوهره يتألف من "أمريكا كقوة مهيمنة محاطة بحلفاء يتبعون في العادة قيادتها." ولم يعد الحال كذلك تماما. الولايات المتحدة لم تعد تقود بأسلوب ثاتشر، وعقلية الكثير من الأوروبيين تستكشف بدائل.
إن واقع السكان والموارد والتكنولوجيا ورأس المال يضمن دورا عالميا حاسما لأمريكا مشاركة وأوروبا منخرطة عسكريا. غير أنه ذلك لن يتأتى بدون مفهوم استراتيجي وسياسي متفق عليه.
ففي عالم اليوم شديد التغير، على الناتو الانخراط في إعادة نظر دائمة لأهداف وقدراته. يجب أن يدفع التحول في البنية التي تشمل النظام العالمي المعاصر، الناتو وأعضاءه إلى سؤال أنفسهم: ما التغيرات التي يجب عليه منعها أكثر من السيطرة على أراضي أعضاءه، وبأية وسائل؟ ما هي أهدافه السياسية، وأية وسائل يجهزها للحشد؟
لذا دعوني استنتج من خلال تكرار التحديات التي طرحتها مارغريت ثاتشر في محاضرة فيندلي قبل عقدين:
"ما الذي يجب عمله؟ أعتقد أن ما هو مطلوب الآن مبادرة أطلسية مبتكرة. هدفها يجب أن يكون إعادة تعريف الأطلسية في ضوء التحديات التي وصفتها. هناك لحظات نادرة عندما يكون التاريخ منفتحا ومسارة متغير بوسائل مثل هذه. ربما نحن في تلك اللحظة الآن."
فوق ذلك كله، يعكس اقتباس الليدي ثاتشر، عظمة وتعريف المهمة. فنحن الآن في مرحلة مشحونة.
لقراءة النسخة الإنجليزية... اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: