رغم هجوم برشلونة.. كيف نجحت إسبانيا وظلت 10 سنوات بلا "إرهاب"؟
كتب – محمد الصباغ:
قالت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية إن مدينة برشلونة التي تعرضت لهجومين إرهابيين أمس الخميس، طالما كانت مع المناطق المحيطة بها مركزًا رئيسيًا لتجنيد السلفيين الجهاديين في إسبانيا.
واعتبرت الصحيفة في تقريرها المنشور اليوم الجمعة أن اختيار المدينة الواقعة في إقليم كتالونيا ليس بالمفاجأة الكبيرة للخبراء في المجتمع الجهادي بالدولة الأوروبي.
وأسفر هجوم دهس بشاحنة بشارع لارامبلا التاريخي، وأخر بقرية كامبريلس بالقرب من برشلونة عن مقتل 14 شخصًا وإصابة 130 من 34 دولة مختلفة حول العالم.
وأشارت السلطات الإسبانية إلى أن منفذي الهجومين ربما ينتميان لخلية إرهابية واحدة. فيما أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسئوليته عن الهجومين.
معاناة إسبانية مع الإرهاب
ولم تواجه دول في غرب أوروبا من الإرهاب مثلما عانت إسبانيا، فقًا لفايناشال تايمز. فحركة إيتا الإنفصالية في إقليم الباسك قتلت نحو 800 شخص في موجة عنف انتهت فقط في عام 2011.
وكان أخر الهجمات الإرهابية الكبرى التي ضربت البلاد، حينما شهد مطار مدريد تفجيرًا في عام 2006. وترك تنظيم القاعدة بصماته في إسبانيا بتفجيرات مترو مدريد في مارس عام 2004، وأسفر الهجوم عن مقتل 192 شخصًا في أعنف هجمة على الأراضي الأوروبية منذ تفجير طائرة لوكيربي عام 1988.
وخلال العقد الماضي مرت إسبانيا بفترة هادئة أنهاها الهجوم الإرهابي الأخير. وتابع المواطنون الإسببان خلال هذه الفترة الهجمات تستهدف مدن لندن وباريس وبروكسل ونيس وبرلين، وكلهم أمل في أن تبقى مدنهم آمنة.
وأضافت فاينانشال تايمز أن اختيار شارع "لارامبلا" الذي يجتذب المواطنين والسياح، لم يكن أمر مفاجئ للخبراء المتخصصين في الإرهاب. فطالما كانت برشلونة والمنطقة المحيط بها مركزًا رئيسيًا لتجنيد وأنشطة السلفية الجهادية في إسبانيا.
ويشير مركز أبحاث " Real Instituto Elcano" في العاصمة مدريد، إلى أن حوالي ربع المشتبه بهم الإسبان الذين ألقي القبض عليهم لعلاقاتهم بالأصولية الجهادية، في الفترة بين عامي 2013 و2016، كانوا من عاصمة إقليم كاتالونيا (برشلونة) والمناطق المحيطة بها.
وتقول الخبيرة في شئون الإرهاب بمركز الأبحاث، كارولا جارسيا كالفو، إن تركُزهم بهذا الشكل في هذه المنطقة يعود بشكل كبير إلى تواجد مجتمع من المهاجرين.
وتابعت لفاينانشال تايمز: "ندرك أن الجزء المستهدف من السكان الذي يتأثر بشكل كبير بالجهادية هو الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين من الدول ذات الأغلبية المسلمة". وأضافت أن "جزء من الأمر يعود غلى أزمة هوية: لا يشعرون أنهم إسبان أو فرنسيين ولا يشعرون أيضًا أنهم قرينين من دول أبائهم وأجدادهم. في هذا الوضع، تكون الرسالة الجهادية قوية جدًا".
وذكر مانويل توريس، خبير في شئون الجهاديين بجامعة بابلو أولافيد بمدينة إشبيلية، أن إقليم كتالونيا يعتبر المركز الوحيد للحركة السلفية في إسبانيا.
وقال إن هناك "مساجد ومراكز حيث تنتشر خطابات الانعزال ورفض القيم والقوانين القائمة في المجتمع".
كيف تواجه إسبانيا الإرهاب؟
وتابعت الصحيفة أن الهجوم من المحتمل أن يزيد من التساؤلات حول النهج الذي تنتهجه إسبانيا في محاربة التطرف الجهادي والإرهاب.
في السنوات الأخيرة، طورت مدريد استراتيجية تعارض بشكل واضح المطبقة في دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا. ففي أعقاب تغيير قوانين مكافحة الإرهاب في الفترة بين 2010 و2015، حاولت الشرطة الإسبانية ووكالات الاستخبارات التدخل في اللحظات الأولى من الهجمات المحتملة، بإلقاء القبض على المشتبه بهم قبل حتى التحقق من وجود مخطط إرهابي محتمل.
ويعني ذلك أن المشتبه بهم من الجهاديين عادة ما يتم إدانتهم بجرائم صغيرة، مثل نشر مواد دعائية إرهابية على الإنترنت، بدلًا من قضاء فترات طويلة في السجن بتهم التخطيط لعمليات إرهابية. ويقول توريس إن من وجهة نظر السلطات الإسبانية أنه "من الأفضل أن يقضي (الجهاديون) فترات متكررة قصيرة بالسجن بدلا من إبقائهم في الشوارع".
وأضاف أن النهج يعكس الخبرات بعد تفجيرات مدريد عام 2004. وآنذاك حددت الشرطة ووكالة الاستخبارات هوية بعض منفذي الهجوم واعتبروهم مهاجمين محتملين قبل الهجوم، لكن لم يلقوا القبض عليهم انتظارًا لدليل قوي على المخطط الإرهابي.
ويقول توريس لفاينانشال تايمز: "قررت السلطات هنا أن ما حدث لن يتكرر. لا يمكن أن نترك الأشخاص (الجهاديين) في الشوارع يحتشدون".
ويفسر ذلك سبب إلقاء إسبانيا القبض على عدد كبير من الأشخاص بالرغم من وجود مجموعة صغيرة من المشتبه بهم.
وتابع تقرير فاينانشال تايمز أن 214 من الجهاديين المعروفين غادروا إسبانيا للالتحاق بصفوف داعش في سوريا والعراق في السنوات الأخيرة، مقارنة بحوالي 2000 من فرنسا وألف تقريبًا من كل من ألمانيا وبريطانيا.
ويرى خبراء الإرهاب مثل جارسيا جالفو وتوريس أنه لا توجد أي استراتيجية لمواجهة الإرهاب يمكن أن تقدم حماية كاملة من مخاطر الهجمات.
ويختتم توريس حديثه مع الصحيفة قائلًا: "نعلم دائمًا أن إسبانيا كانت هدفًا وأن ما حدث في فرنسا وبريطانيا وألمانيا يمكن أن يحدث هنا. كنا محظوظين حتى اللحظة".
فيديو قد يعجبك: