السباق العربي للتسلح ضرورات دفاعية أم تملق للغرب
بون (ألمانيا) – (دويتشه فيله):
الاتفاقيات العسكرية التي تعقدها الدول العربية، تثير تساؤلات حول الغاية الأساسية منها، هل هي للدفاع أم لشراء "الولاءات الغربية". وفي ظل تذيل غالبية الدول العربية لمؤشرات التنمية، تصرف الميزانيات للأسلحة بدلا من التنمية.
في الأشهر الأخيرة احتدّت شدة التسابق بين الدول العربية لعقد الاتفاقيات العسكرية وشراء الأسلحة من بعض الدول وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، في صفقات تقدر بالمليارات في ظل واقع تنموي صعب ترزح تحته المجتمعات العربية.
آخر تلك الاتفاقيات كانت بين دولتي قطر وروسيا اللتان وقعتا على اتفاق في مجال الدفاع، وذلك في أول زيارة لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى الدوحة، بحسب بيان رسمي قطري نشر الخميس.
وقالت وزارة الدفاع القطرية في بيان لها "إنه تم التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الدفاع الجوي والتزود بالأسلحة". وهذا هو آخر اتفاق عسكري تعلنعنه قطر منذ بداية الازمة الخليجية في يونيو 2017.
ويأتي هذه الاتفاق بعد حوالي ثلاثة أسابيع من توقيع روسيا لمذكرة تفاهم مع السعودية لمساعدة المملكة في جهودها لتطوير صناعات عسكرية، كما وافقت الرياض على شراء أنظمة الدفاع الصاروخية الروسية إس-400.
الاتفاقيات الأخيرة تعيد إلى المشهد الإنفاق العربي الضخم على التسلح، حيث تشير الأرقام إلى أن الإنفاق العسكري للدول العربي خلال السنوات الخمس الأخيرة زاد عن 800 مليار دولار، والذي يعتبر مبلغاً بإمكانه أن يغير واقع العالم العربي، وأن يقضي على الفقر والأمية ويرفع مستوى التعليم. الأمر الذي يثير تساؤلات حول غاية الدول العربية من هذا التسلح.
"نظرية الباب الدوار"
يقول أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسُن في واشنطن الدكتور محمد الشرقاوي إن الغاية الأساسية للإنفاق العربي الضخم على التسلح هو الخوف من دول أخرى فقط، بحسب نظرية "الواقعية السياسية" كما وصفها. ويتابع في حديثه لبرنامج المسائية (الخميس 26 أكتوبر) على شاشة DWعربية: "الوضع الآن في الشرق الأوسط، يعكس ما أسميه نظرية الباب الدوار، بمعنى أن بعض الدول تخشى من تنامي دور دول أخرى في المنطقة، فتلجأ إلى شراء أسلحة، لعلها تجد نفسها في وضع أقوى وتثير الخوف لدى الطرف الآخر... وتدور العجلة لسنوات".
ومنذ بداية الأزمة الخليجية أعلنت الدوحة عن اتفاق بقيمة عشرة مليارات يورو لشراء طائرات اف-15 من واشنطن، واتفاق بقيمة خمسة مليارات يورو مع ايطاليا لشراء سبعة بوارج حربية واتفاق آخر لشراء 24 طائرة مقاتلة من بريطانيا، في حين أبرمت السعودية أضخم صفقة عسكرية في تاريخها مع الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة 350 مليار دولار خلال 10 سنوات قادمة.
ويرى المحلل السياسي حافظ الميرازي أن غاية الدول العربية من شراء الأسلحة هي شراء الولاءات من بعض الدول الكبرى لتدافع عنها، ويضيف في حديثه لبرنامج المسائية على شاشة DWعربية: "في زمن الحرب الباردة كان يتم الحديث عن حروب بالوكالة، لكننا اليوم نتحدث عن وكالة الحروب، بمعنى أن تلك الدول وقعت اتفاقيات مع أمريكا لطلب الولاء السياسي منها، كما أن أزمة الخليج والحرب في سوريا واليمن وليبيا ليست سوى نماذج لشراء الولاءات".
"غطاء للفساد"
وتعتبر المملكة العربية السعودية ثاني أكبر مستورد للسلاح في العالم بعد الهند، بينما تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في رأس قائمة المصدرين بحوالي عشرة مليارات دولار في عام 2016، بينما تحل روسيا ثانياً بحوالي 6.5 مليار دولار في 2016.
وعن تأثير السياسة الأمريكية في عهد ترامب على السباق العربي للتسلح، يرى الشرقاوي أن الرئيس الأمريكي ترامب وضع العلاقات الدولية على مسار جديد، ويوضح: "ترامب وضع العلاقات على مسار جديد، يجمع بين عملتين، عملة صفقات الأسلحة والاستثمارات الاقتصادية لصالح الولايات المتحدة بشكل غير متكافئ مع مصلحة الدول الأخرى، والعملة الثانية هي مكافحة الإرهاب"، ويتابع: "أصبحنا الآن أمام هذه الخطاب العسكري باسم الأمن الإقليمي والأمن الدولي".
وفي ظل غياب الشفافية وعدم الإعلان عن ميزانيات وزارات الدفاع لمعظم الدول العربية، يصف الميرازي الإنفاق العربي الضخم على التسلح بـ"غطاء للفساد" ويتابع: "بالنسبة لهذه الأنظمة، يعتبر (التسلح) منفذا جيدا لعملية الفساد، إذ لا يوجد من يحاسبهم، فيشترون الأسلحة لتستفيد منها الطغمة الموجودة المحيطة بالنخب الحاكمة".
ويعتقد الشرقاوي أن العقلية العسكرية للذين يرسمون استراتيجية الدول العربية هي ما يجعل الزعماء العرب يحتاجون لقوة السلاح من أجل البقاء، ويتابع: "إذا تأملنا العالم العربي ... فالحاكم العربي عندما يجلس في قصره أو في غرفة العمليات ينصت لثلاثة أشخاص، وزير الداخلية ومسؤول المخابرات ووزير الدفاع، فهؤلاء هم عماد الدولة العربية الحديثة، وأحياناً حتى بثوب سلطاني" ويضيف: "خطاب تحديد الاستراتيجية والرؤى المستقبلية يبقى أسير هذه النظرة الوجودية، وهي أنهم يحتاجون لقوة السلاح ليبقوا في الميدان".
الاستثمار البشري هو السلاح
لكن السعودية وقطر ليستا وحيدين في سباق التسلح هذا، فمصر أنفقت حوالي 20 مليار دولار على التسلح في السنوات الثلاثة السابقة، وتعتبر الجزائر الأولى إفريقياً في الإنفاق على التسلح بنسبة تبلغ 46 بالمئة من مجموع إنفاق القارة، بينما عقدت الإمارات هذا العام عشر صفقات بقيمة وصلت إلى ملياري دولار.
ويأخذ الإنفاق العسكري حصة الأسد في ميزانيات الدول العربية، مقارنة بناتجها القومي، وبحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، فإن الإنفاق العسكري للولايات المتحدة - والتي تعتبر الأولى في الإنفاق العسكري العالمي - لا يمثل سوى 3.3 بالمئة من ناتجها القومي، بينما يصل ذلك بالنسبة للسعودية إلى 10 بالمئة، ولسلطنة عمان اكثر من 16 بالمئة.
ويصف الميرازي هذه النسب بـ"التناقض والإنفاق الصارخ". ويتابع: "هذه هي المأساة التي نتحدث عنها، فليس المهم كم يمكنك أن تنفق (على الأسلحة)، بل مدى حاجة الجوانب الأخرى التي تحتاجها الدولة والمجتمع والشعب".
من جهته يؤكّد أستاذ تسوية النزاعات الدولية الشرقاوي أن حالة عدم الاستقرار تتوالد من كثرة الأسلحة. ويتابع: "العامل الوحيد الذي يمهد لاستقرار المجتمعات و يحفظ العلاقة المتينة بين المجتمع والدولة هو الاستثمار في العنصر البشري، على مستويات التعليم والصحة وتأمين الوظيفة و تحقيق الرفاهية".
فيديو قد يعجبك: