إعلان

24 ساعة في حياة ترامب.. كيف يقضي الرئيس الأمريكي يومه بالبيت الأبيض؟

05:39 م الإثنين 11 ديسمبر 2017

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

كتبت- رنا أسامة:

"في الخامسة والنصف صباح كل يوم، يستيقظ الرئيس (الأمريكي دونالد) ترامب، يقوم بتشغيل التليفزيون في غرفة النوم الرئيسية في البيت الأبيض. يُقلّب إلى قناة (سي إن إن) لمتابعة الأخبار، ويتحوّل إلى برنامج (فوكس آند فريندز) للترفيه والحصول على أفكار يستقي منها تغريداته، وأحيانًا يُشاهد برنامج (صباج جو) على قناة إم إس إن بي سي، والذي يُعتقد أنه يمنحه الطاقة التي يعمل بها لبقية اليوم". هكذا استهلّت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا مُطولًا حول حياة ترامب التي لا يعرفها أحد.

وتابعت الصحيفة: "بنشاط أو غضب -غالبًا ما يكون مزيجًا بين الشعورين- يلتقط السيد ترامب هاتفه الآيفون. في بعض الأحيان يكتب تغريداته بينما لا يزال متكئًا على وسادته، وفق بعض مُساعديه، وفي أحيان أخرى يُغرّد من غرفة مجاورة وهو يشاهد تلفازًا آخر. وعلى نحو أقل تواترًا، يمضي في طريقه من القاعة إلى غرفة المعاهدات المزخرفة، متأنقًا تارةً في أزياء تناسب النهار، وتارة أخرى يظل مرتديًا ملابس المساء، حيث يبدأ مكالماته الرسمية وغير الرسمية".

بينما يُنهي عامه الأول في منصبه، رئيسًا للولايات المتحدة، يُعيد ترامب تعريف "ماذا يعني أن تكون رئيسًا". وينظر إلى تقلّده أعلى منصب في البلاد بين ليلةٍ وضُحاها - بعد فوزه الساحق على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، على أنه "جائزة" عليه أن يُقاتل لحمايتها في كل لحظة، مُتسلّحًا في ذلك بتويتر. وبالرغم من كافة ما يُطلِقه من تهديدات، يرى نفسه الأقل هيمنة على المسرح العالمي، وفقًا لمقابلات أجرتها الصحيفة مع 60 من مُستشاريه وأصدقائه وأعضاء بالكونجرس.

بالنسبة للرؤساء الآخرين، كل يوم يُمثل لهم اختبارًا لكيفية قيادة بلد، لا مُجرد فصيل، أخذًا في الاعتبار تحقيق توازن بين المصالح المتنافسة. أما بالنسبة لترامب، فإن كل يوم هو "معركة جارية على مدار الساعة من أجل الحفاظ على الذات".

ولا يزال يترفّع عن الحديث بشأن تزوير الانتخابات الرئاسية، مقتنعًا بأن التحقيق الذي أجراه روبرت مولر، المستشار الخاص، حول التدخّل الروسي في الانتخابات، ما هو إلا "مؤامرة" لنزع الشرعية عنه. وحرص على تعليق خرائط مرمّزة بالمقاطعات التي منحته أصواته في الانتخابات على جدران البيت الأبيض، بحسب الصحيفة.

وأضافت الصحيفة: "قبل تولّيه منصبه، أخبر ترامب كبار مُساعديه أن يُفكّروا في كل يوم من أيام الرئاسة كما لو كان حلقة من برنامج تليفزيوني، يقهر في كل منها منافسيه. وبحسب تقديرات المُقرّبين منه، يقضي ترامب أمام التليفزيون 4 ساعات على الأقل يوميًا، وأحيانًا ضِعف ذلك. في بعض الأوقات يكتم الصوت أثناء المشاهدة؛ منغمسًا في متابعة الأخبار التي يصفها بالكاذبة، عاقدًا العزم على مهاجمتها".

وقال السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، من ولاية كارولينا الجنوبية، إن "ترامب يشعر وكأن هناك محاولة لتقويض انتخابه، وأن مزاعم التواطؤ عارية عن الصحة، كما يعتقد أن اليسار الليبرالي ووسائل الإعلام عازمة على تدميره"، مُشيرًا إلى أن "الطريقة التي وصل بها إلى منصبه اعتمدت على المقاومة والهجوم المُضاد".

وأضاف جراهام "المشكلة أنه سيواجه حقيقة أن هناك فرقًا بين الترشّح لمنصب الرئاسة وأن تُصبح رئيسًا، وعليه اكتشاف النقطة الفاصلة بين القتال والرئاسة".

التهوّر والحيد عن الخط السياسي المُتعارف عليه، جعل نهج ترامب غير المألوف يبدو "عشوائيًا" بالنسبة للعديد من قدامى المحاربين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي في العاصمة واشنطن وخارجها. كما أن بعض الساسة والمثقفين يشعرون أنه -حتى وبدون الحصول على شهادة طبية- يُعاني خللًا عقليًا.

تصرّفاته على مدى الأسابيع الأخيرة تُعزز هذا الشعور؛ بداية من حديثه المُهين عن الأمريكيين الأصليين، مرورًا بتلميحه لتورّط مُقدم تليفزيوني في وفاة أحد المُساعدين، وصولًا لإعادة نشر 3 مقاطع فيديو مُعادية للمسلمين على حسابه بتويتر، سبق أن نشرها اليمين المتطرف البريطاني، في خطوة أثارت إدانة الحكومة في لندن.

هذا النهج قاده إلى البيت الأبيض، "السيد ترامب مُختل، إذن فهو الرئيس المناسب"، تقول الصحيفة، مُشيرة إلى أنه الأقل شعبية بين أسلافه إلى الآن- فقط 32 في المئة وافقوا على أدائه في أحدث استطلاع أجراه مركز بيو الأمريكي للأبحاث- لكنه مع ذلك يُهيمن على المشهد السياسي العالمي على نحو غير مسبوق.

بعد أشهر من الإخفاقات التشريعية، أوشك ترامب على تكليل جهوده بخفض الضرائب وإعادة تغيير جزء من برنامج الرعاية الصحية (أوباماكير) الذي قدمه سلفه. وفيما لا تزال الكثير من وعوده "حبرًا على ورق"، أحرز تقدمًا كبيرًا في تحقيق هدفه المتمثل في دحر اللوائح التشريعية التجارية والبيئية.

وما يزال الاقتصاد الأمريكي يواصل تحسّنه، وأسواق الأسهم ترتفع إلى مستويات قياسية، وأخيرًا دخل حظر السفر الجزئي الذي فرضه على البلدان الإسلامية حيّز التنفيذ بعد بعد معارك قضائية عدة.

وقال جاريد كوشنر، صهر ترامب وأحد مستشاريه البارزين، للصحيفة "ترامب، البالغ من العمر 71 عاما، لن يتغير أبدًا". بدلًا من ذلك توقّع أن "يُخضِع ترامب المكتب البيضاوي وفق إرادته".

1

"فرصة للتفكير"

بلغة الجيش والمصطلحات العسكرية، خدم الجنرال الأمريكي المتقاعد، من فئة الأربع نجوم، جون كيلي، بمثابة ما يُطلق عليه "رئيس عربة" لمُشاة بحرية المارينز التي تحطّمت في العراق في عام 2003. وحينما تولّى رئاسة هيئة الأركان في البيت الأبيض، اعتمد كيلي كثيرًا على النهج ذاته، حيث كان يقضي 14 ساعة يوميًا، محاولًا فرض النظام والانضباط على العملية الفوضوية- بنجاح مُختلط، وفق الصحيفة.

وتُشير الصحيفة إلى أن كيلي يحاول، بهدوء واحترام، خفض مُعدّل وقت الفراغ الذي يقضيه الرئيس ترامب في بثّ تغريدات نارية، من خلال العمل على تقديم بداية يوم عمل الرئيس الأمريكي. وهو ما حاول سلفه بريبوس القيام به أيضًا، ونجح على نحو متواضع، في تشجيع ترامب على الوصول للمكتب البيضاوي في التاسعة أو التاسعة والنصف صباحًا.

هذا النهج العسكري ساهم في زيادة وتيرة الاجتماعات في البيت الأبيض. وبعيدًا عن كيلي وكوشنر، فغالبًا ما يحضرها مستشار الأمن القومي الجنرال إتش آر ماكمستر، ابنة ترامب وكبير مُستشاريه إيفانكا، مديرة الاتصالات هوب هيكس، سكرتير الموظفين روبرت بورتر، ومستشارة الرئيس كيليان كونواي.

ترامب، الذي يتمتّع بسيطرة تامة على امبراطوريته التجارية، قدّم تنازلات كبيرة بعد محاولته السيطرة على كل صغيرة وكبيرة في البيت الأبيض خلال الأشهر الأولى من منصبه. وبالرغم من تمرّده وعدم التزامه بكل ما هو مفروض، لا يخطو ترامب خطوة واحدة دون موافقة كيلي، الذي ينظر إليه باعتباره "نِدًا" له، وفق مصادر مُقرّبة من الرئيس الأمريكي.

وذكرت المصادر أن "ترامب يتحدّث هاتفيًا إلى كيلي عشرات المرات يوميًا، وحتى يتصل به 4 أو 5 مرات خلال العشاء وخلال نُزهات الجولف، لمراجعة جدول أعماله أو سعيًا لمشورة سياسية". ولفتوا إلى أن هذا النظام الجديد منح ترامب "فرصة للتفكير". فيما نفى مساعدو ترامب في البيت الأبيض فكرة أنه يسعى إلى "استرضاء" كيلي، مؤكّدين أنه ينظر إليه باعتباره شخصًا موثوقًا به وحاسمًا.

وأوضحت المصادر أن كيلي يتفق مع ترامب في بعض مظالمه المُفضّلة، وأبرزها هجومه على الصحفيين ووسائل الإعلام، بدعوى أنهم يحاولون النيل من إدارته.

بيد أن ترامب تمكّن، في بعض الأحيان، من التحايُل على كيلي وخداعه. فخلال الاحتفال بعيد الشكر، اختلط ترامب مع ضيوفه بحرية كأنه شخصًا عاديًا، بالطريقة نفسها التي كان يتعامل بها قبل تولّيه منصبه. حتى أن بعضهم مرّر إليه مقاطع أخبار لم يتفقّدها كيلي لتنقيحها. كما هاتف أصدقاءه القُدامى، وتعرّف على وجهة نظرهم في التحقيق الروسي الجاري على خلفية المزاعم بالتدخّل في الانتخابات. ثم عاد إلى واشنطن في "أوّج نشوته".

وقالت المصادر إن كيلي يحاول فقط السيطرة على ما يُمكن السيطرة عليه؛ لأنه، وكما تعلّم، هناك أمور عدة تخرج عن السيطرة.

2

"لا أشاهد التلفزيون كثيرًا"

ما إن وطأت قدماه البيت الأبيض، حتى أيقن الناس من داخل واشنطن وخارجها بأن قرارات ترامب وراءها استراتيجية، نادرًا ما تأتي بمنأى عن الدفاع عن النفس، الهوس، التهوّر والاندفاع.

في بعض الأحيان، لا يضغط ترامب على زر "غرّد" لبثّ أي تغريدة يقوم بكتابتها، قبل أن يتأكّد من أنها ستسترعى الانتباه وتحظى بأكبر قدر من التفاعل على مِنصة التواصل الاجتماعي. في يونيو الماضي، ووفقًا لمستشار مُخضرم، حثّ ترامب أصدقاءه -بمنتهى الحماس- على أن يقولوا إنه كتب أفضل تغريدة لتحييد التحقيق في التدخّل الروسي في الانتخابات.

ورغم استجابته لمشورة مُحاميه بعدم الهجوم على المُحقّق روبرت مولر، إلا أن هذا لم يدُم طويلًا، فدائمًا ما ينساق وراء غرائزه، انطلاقًا من مقولة "الطبع يغلب التطبّع".

حينما وُجّهت اتهامات لثلاثة مستشارين سابقين في حملة ترامب بالتآمر في قضية التدخّل الروسي في الانتخابات، خريف العام الجاري، حثّ محامي البيت الأبيض المشرف على التحقيق، تاي كوب، الرئيس على عدم الرد، بدعوى أن الرد لن يؤدي إلا إلى تأجيج القضية.

ومع ذلك، تقول الصحيفة إن ترامب لا يستطيع مساعدة نفسه. وكتب على تويتر "أن التهم المالية المُقدّمة بحق مدير حملته السابق، بول مانافورت، لا علاقة لها بحملته في الانتخابات وأن المحققين عليهم أن يتحرّوا ما وصفه بـ(فضائح هيلاري كلينتون والديمقراطيين) بدلًا من ذلك". وبحلول صباح اليوم التالي، أهان جورج بابادوبولوس، مستشار الحملة الذي اعترف بتواصله مع الروس، وفصله عن العمل كـ"متطوع في مرتبة منخفضة" ثبُت "أنه كاذب".

لم يختلف الوضع كثيرًا عندما أقّر مستشاره الأمني السابق، مايكل فلين، بتواطؤه مع الروس. صحيح أنه تحلّى بالهدوء في البداية، وفي صباح اليوم التالي، وخلال زيارته مانهاتن لجمع تبرّعات للحزب الجمهوري، بدا متفائلًا. وتحدث عن انتخابه و"الخاسر الأكبر" فى مجلس الشيوخ ، في إشارة إلى "السيناتور الجمهوري بوب كوركر، من ولاية تينيسى".

ومع تصدّر قضية فلين لوسائل الإعلام واستهلاكها في البرامج الإخبارية الأمريكية، اشتاط ترامب غضبًا وبدأ في إطلاق وابل من التغريدات النارية، تشجُب تغريدات هيلاري كلينتون ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، وأخبره مستشارون عدة بأن هذه التغريدات كانت مُثيرة للمشاكل وفي حاجة للتوقّف، وفق مصدر مُطلع. 

بمجرد ما يبدأ في بثّ تغريدات مثيرة للجدل، يقرر مستشارو ترامب في بعض الأحيان عدم مناقشته بشأنها. وقال أحد المستشارين إن مُساعدي الرئيس يحتاجون إلى البقاء إيجابيين، مُشيرًا إلى أن فريق الجناح الغربي يحاول في بعض الأوقات عدم السماح لتغريدات الرئيس الأمريكي بأن تُفسد يومهم.

التليفزيون يُمثّل ذخيره حربه على تويتر. تقول الصحيفة إن لا أحد يجرؤ على لمس جهاز التحكم عن بُعد (الريموت كونترول) لتليفزيون ترامب عداه وفريق الدعم الفني- على الأقل هذه هي القاعدة. خلال الاجتماعات، أحيانًا تعمل شاشة الـ60 بوصة المُبثبّتة في غرفة الطعام بدون صوت، فيما يكتفي ترامب بمتابعة شريط الأخبار في أسفل الشاشة. وما يفوته من أخبار يعوّضه بمشاهدة التسجيلات على جهاز يُطلق عليه "سوبر تيفو" الخاص به، وهو نظام حديث يسمح بتسجيل البرامج الإخبارية من قنوات تلفزيون الكابل".

وتُشير الصحيفة إلى أن ترامب يحب دائما التحدّث عما يُشاهده على قنوات تلفزيون الكابل مع الآخرين المحيطين به، سواء في الغرفة، أو حتى مع الموظفين الذين يتصل بهم عندما يطلب الغداء أو مشروب الكولا دايت المُثلّج الذي يستهلكه يوميًا.

لكن ترامب يرتاب من فكرة شغفه بالتلفزيون، كما لو كان ملتصقًا به، وهو تصور يُعزز ما يوجّه إليه من انتقادات بأنه لا يأخذ منصبه على محمل الجدّ. وخلال جولته الآسيوية الأخيرة، تلقّى قائمة بـ51 سؤالًا، ضمّت سؤالًا حول عاداته التلفزيونية المشهورة. وبدلًا من الرد من خلال أحد مُساعديه، أرسل بيانًا لاذعًا يدحض ما يُشاع حول عاداته التلفزيونية، للصحفيين من كافة الوسائل الإعلامية، بينما كان يستقل طائرته "إير فورس وان"، متوجهًا إلى فيتنام.

وأصرّ ترامب في بيانه: "أنا لا أشاهد التلفزيون كثيرًا". وقال " أعلم أن الناس التي لا تعرفني يحبون القول إنني أشاهد التلفزيون كثيرًا، وتحديدًا الأشخاص ذات المصادر المزيفة والصحفيين المُضللين. لكنني لم أعتد مشاهدة التلفزيون كثيرًا بسبب انشغالي بالوثائق. أنا أقرأ الوثائق كثيرًا".

وفي وقت لاحق، قال إنه تذمّر من فكرة اضطراره لمشاهدة شبكة "سي إن إن" في الفلبين، لأنه لم يكن هناك بديلًا مُتاحًا.

3

"ألستُم مسروروين بأنني لا أشرب؟"

في سلوك رُبما يبعث شعورًا بالاستغراب في نفس الغرباء، فإن ترامب، أكثر الشخصيات التي يتحدّث عنها الناس على كوكب الأرض، يشعر بالسرور عندما يرى اسمه في "مانشيتات" الأخبار. ودائمًا ما يسعى إلى تصدّر اسمه العناوين الرئيسية. وقال مستشار باز سابق إن ترامب "يشعر بالقلق إذا مر يومين أو ثلاثة في سلام، بدون أن يكون محطّ اهتمام إعلامي، حتى أنه لا يقدر على مشاهدة الأخبار دون أن يرى اسمه خلالها".

خلال الصباح، يحرص مُساعدو ترامب على متابعة برنامج "فوكس آند فريندس" على الهواء مباشرة أو مُسجّلًا. وإذا قال أحدهم في البرنامج شيئًا مهمًا، ولم يُغرّد ترامب على الفور بشأنه، يعلم حينها فريق الرئيس أنه سيُسجّل حلقة "فوكس نيوز" لمشاهدتها لاحقًا على مُسجّله الخاص، فيما سيشاهد "إم إس إن بي سي" أو "سي إن إن" مباشرة- ما يعني أنه من المُرجّح أن يبدأ يومه بمزاج سيء.

وأشارت الصحيفة إلى أن سلوك ترامب يبدو أكثر تعقيدًا بالنظر إلى شخص في منصبه. ونقلت "نيويورك تايمز" عن العديد من المستشارين، إن ترامب قد يلعنهم بسبب انتهاك بسيط- كأن يجلبوا مُساعدًا مجهولًا في غيابه دون سابق إنذار- ثم يجدون أنه يُجري محادثات صغيرة ودية مع نفس الشخص فى وقت لاحق.

وقالت مستشارته كونواي: "إنه يدرك تمامًا أنه الشخص لـ45 الذي يتولى هذا المنصب". وأضافت "لقد غيرّه المنصب بعض الشيء، وغيّره هو أيضًا. وكشفت فترة ولايته كرئيس جوانب أخرى أكثر اجتماعية من شخصيته، رُبما كانت مخفيّة خلال مراحله الأوليّة العثِرة".

أشخاص قليلون اعتادوا رؤية هذه الجوانب الخفيّة من شخصية ترامب. في اللحظات الخاصة مع عائلات المُعيّنين في المكتب البيضاوي، انخرط الرئيس مع الأطفال، متحدّثًا إليهم في لهجة رقيقة أكثر ما يتحدّث بها في المُعتاد، كما طلب- بشكل مُحدّد- أن تتم دعوة أطفال صحفيي البيت الأبيض خلال الاحتفال بالهالويين. ومع ذلك، فإن لا يفعل الكثير لتعزيز هذا الجانب لأنه، وكما يقول بعض أصدقائه القُدامى، "يعتقد أن هذا الجانب من شأنه تدمير غطاء القوة الذي يتلذّذ بالظهور به".

في بعض الأحيان، يسقط "قناع القوة" الذي يرتديه، بدون قصد. كما حدث خلال اجتماعه مع بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، حيث ناقش بعبارات "عاطفية" أزمة الأفيون ومخاطر الإدمان، وسرد كفاح أخيه مع الكحول.

ووفق سيناتور ومُساعد له، نظر ترامب، حينها، للحضور وسألهم ساخرًا "ألستُم مسرورين بأنني لا أشرب؟".

4

"لا تقاطعني"

صعوبة تأقلُم ترامب مع الرئاسة تأصّل، بحسب مُقرّبين منه، في توقعاته غير الواقعية لسلطاتها؛ إذ افترض أنها ستكون أقرب إلى الصورة الشعبية للقيادة الإمبراطورية، أكثر من كونها واقعًا قذرًا يُحتّم عليه التعايش مع فرعيّ حكومة آخرين.

تشكّلت رؤيته للقيادة التنفيذية، من خلال خبراته مع الساسة الديمقراطيين بينما كان مُطوًرًا شابًا في نيويورك. وتلقّى الدعم من جانب شخص بارز: رئيس حزب لم يُكشف عن اسمه- يفترض أصدقاؤه أنه زعيم بروكلين الديمقراطي السابق ميد اسبوزيتو- الذي روى أحد مُستشاريه أنه يحتفظ بمضرب بيسبول تحت مكتبه لفرض سلطته. وبحسب هذا المستشار، فإن ترامب حاول أن يسير على خُطى اسبوزيتو وتصوّر أن الرئاسة ستكون بالقوة وفرض العقوبات والجزاءات.

وبينما من غير المُرجّح أن يُغير ترامب ما هو عليه على المستوى الأساسي، قال المستشارون إنهم "رأوا مبتدئًا كان يتعلم تدريجيًا أن الرئاسة لا تجري على هذا النحو. وأنه أوشك على إدراك حاجته إلى جذب، لا مهاجمة، قادة حزبه الخاص لإنجاز الأمور"، في إشارة إلى الرئيس الأمريكي.

خلال الأشهر الأولى من تولّيه منصبه، مضى ترامب في إصدار قرارات بحق أعضاء مجلس الشيوخ، أدت إلى الاشتباك مع الجمهوريين. ووفق جمهوري مُطلع، ردّ السيناتور كروكر على ترامب قائلًا: "أنا لا أعمل لديك، السيد الرئيس".

وعلى نحو مماثل، جاء رد فعل السيناتور ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهوري من ولاية كنتاكي، عندما حاول ترامب مقاطعته خلال العروض المنهجية في المكتب البيضاوي. وقال ماكونيل للرئيس خلال مناقشة حول برنامج الرعاية الصحية "لا تقاطعني".

ويبدو أن ترامب رُبما تلقّى الرسالة واستوعب أن الصدام مع الجمهوريين لا يصُب في صالحه، ومن ثمّ حاول التصالح مع ماكونيل، وبدأ يتحدّث معه معظم الأيام. كما أدرك على نحو متزايد مدى تحكّم الكونجرس في مصيره.

وذكرت زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، التي حاولت إقامة علاقة عمل مع ترامب، أن الرئيس الأمريكي يشعر بالارتياب عند التعامل مع أي شخص لأول مرة. وقالت: "في البداية، يدور في ذهنه أن الشخص أمامه مُحتال، لكنه لم يعد كذلك الآن".

وأضافت "أكبر مشكلة يحتاج الآخرون لاستيعابها، هي أن ترامب غير مُهيّأ لذلك المنصب. الأمر يُماثل أن تدخل غرفة ويُطلب منك إجراء جراحة في المخ. وحينما تفتقر إلى المعرفة، بقدره، سيكون الأمر مُربكًا".

أحد النقاد الشرسين لترامب الذي أصبح حليفه على نحو متزايد، ويُدعى جراهام، أوضح أن الرئيس الأمريكي كان يتأقلم. وقال "يمكنك أن تتوقع من كل رئيس أن يتغير لأن المنصب يستوجب عليك التغيير". لكنه أضاف أن رئاسة ترامب كانت ما تزال "في طور التقدّم ". في هذه المرحلة،يقول جراهام، "كل شيء ممكن، من تحقيق إنجاز ناجح للغاية، إلى التسبّب في كارثة فادحة".

5

"لقد أرهقكم"

في جميع المقابلات تقريبا، دائمًا ما يُثير المحيطون بترامب شكوكًا حول قدرته على التمييز بين المعلومات الصحيحة والكاذبة.

وتظل مراقبة استهلاكه للمعلومات- ومواجهة ما يُطلق عليه السيد كيلي بـ"القمامة" التي يوجّهها إليه الغرباء- أولوية بالنسبة لكبير الموظّفين وفريق إدارة ترامب الذي شكّله بنفسه. وحتى بعد عام على رئاسته، ما يزال ترامب متشككًا حيال أي شيء يأتي خارج فُقاعته، بحسب وصف الصحيفة.

ويعتبر بعض المستشارين، أمثال وزير الخزانة، ستيفن منوشين، أنه شيء جيد للغاية. يقول منوشين: "أرى الكثير من التشابه بين الطريقة التي كان يدير بها ترامب حملته الانتخابية وتلك التي يُدير بها رئاسة البلاد". فيما يأسف مساعدون آخرون استيعابه الهشّ للحقائق، وهرولته وراء حشد الانتباه، وميله لنظريات المؤامرة.

وبحسب جون كيلي، أطاح ترامب بمستشارين مثل ستيفن بانون وسيباستيان جوركا، ظنًا منه أنهم يحاولون خلق صراع داخلي لإثارة الفوضى في إدارته.

وفي الوقت نفسه، لفتت الصحيفة إلى أن ترامب "قاريء متعطّش للجرائد"، فيما قال مستشاره السابق ستيف بانون إنه يقرأ فقط "لتعزيز قوته".

وصرّح توني شوارتز، الذي ألّف كتاب (فن الصفقة) حول ترامب، أن "إصراره على توضيح حقيقة أنه وصل إلى الكرسي بعد تصويت شعبي، لم يكُن قابلًا للتغيير وكان له تأثير المُخدّر على العاملين معه". وتابع "لقد أرهقكم".

6

"يمكنني دعوة أي شخص"

خلال عُطلات نهاية الأسبوع، يميل ترامب إلى قضاء الوقت في ملعب الجولف. ولكن باقي أيام الأسبوع، يجد في تناول العشاء ليلًا في منزله بالبيت الأبيض مُتنفّسًا. ويبدأ هذا العشاء في السادسة والنصف أو السابعة مساءً، مع قائمة ضيوف يُعدّها السيد كيلي.

"بإمكاني دعوة أي شخص للعشاء، وسيأتي!"، هكذا حاول ترامب إبهار صديق قديم له بعد وصوله المكتب البيضاوي، بحسب الصحيفة.

وأوضحت الصحيفة أن ترامب يستمتع بالثرثرة والحديث عن"القيل والقال" بينما يتناول وجبة العشاء الممثلة في شريحة لحم مطهوّة جيدًا، سلطة الجبن الريكفور ولحم الخنزير المقدد، حساء الطماطم، وقطع كبيرة من الحلوى مع آيس كريم إضافي.

وقالت الصحيفة إن ترامب "ثرثار" بالفِطرة، ويحب أن يتجوّل في البيت الأبيض، ولديه ميلًا غريبًا لاستعراض الحمامات، بما في ذلك واحدًا قام بترميمه بالقرب من المكتب البيضاوي، كما يستمتع باصطحاب رفقته على العشاء إلى غرفة نوم لينكولن في الطابق الثاني بالبيت الأبيض، أو إلى شُرفة ترومان، كي يطلون منها على منظر بديع للمدينة التي قلبها رأسًا على عقِب.

خلال فصل الصيف، دعا ترامب 4 مُشرعين ديمقراطيين، وفور نزولهم من غرفة الاستقبال الدبلوماسي، فاجأهم بأسئلة على غرار"من سيترشّح أمامي في انتخابات الرئاسة عام 2020؟.. هيلاري الفاسدة؟"، وفق شخص مُطلع. وأضاف ترامب، بحسب الشخص، أن "السيناتور بيرني ساندرز من ولاية فيرمونت سيترشّح بالتأكيد (حتى لو كان على كرسي متحرك)".

فيما يقضي ترامب الآن معظم وقته في التفكير بشأن الخيارات السياسية والمسؤوليات المُرعبة المُلقاة على كاهله الرئاسي.

وعلى مدى الأسابيع الأخيرة، لاحظ أصدقاء ترامب أنه يسلك نهجًا مختلفًا؛ إذ بدا وكأنه مستسلمًا للقدر على نحو مفاجيء، بحسب أشخاص عدة يتحدّثون معه بانتظام.

واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول: "في نهاية كل يوم، يأتي موعد النوم الذي يمضي فيه ترامب نحو 6 أو 7 ساعات. ليستيقظ في صباح اليوم التالي ويمارس برنامجه المُعتاد؛ يفتح التلفزيون ثم يمسك بهاتفه الآيفون، وتبدأ معركته مُجددًا".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان