ننشر نص كلمة الرئيس الفلسطيني أمام القمة الإسلامية الطارئة باسطنبول
كتبت – إيمان محمود:
قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) أنه لن يكون هناك سلام ولا استقرار دون القدس الشرقية المحتلة عاصمة لفلسطين، وأعلن أن الفلسطينيين لن يلتزموا بالتفاهمات السابقة مع الأمريكيين ما لم تتراجع واشنطن عن قراراتها الأخيرة.
وشدد أيضا، في كلمته أمام القمة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي المنعقدة اليوم الأربعاء في مدينة اسطنبول التركية، على أنه لن يتم القبول "بدولة فلسطينية دون أن تكون القدس الشرقية عاصمة لها".
واعتبر أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل هو "وعد بلفور ثان".
وحصل مصراوي على النص الكامل للكلمة والتي جاء فيها:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
" وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "
" وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ"
فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
إننا هنا اليوم، ومن خلفنا كل أمتنا وشعوبنا، وجميع المسلمين والمسيحيين في منطقتنا والعالم، من أجل إنقاذ مدينة القدس الشريف وحمايتها، ومواجهة ما يحاك ضدها من مؤامرات لتزوير هويتها وتغيير طابعها، وبخاصة بعد تلك القرارات الأمريكية الأخيرة، التي تخالف القانون الدولي، وتتحدى مشاعر المسلمين والمسيحيين كافة.
إننا هنا اليوم، لكي نقول جميعاً وبلغة واضحة: إن القدس كانت، ولازالت، وستظل إلى الأبد، عاصمة دولة فلسطين، وهي درة التاج، التي لا سلام، ولا استقرار، دون أن تكون كذلك.
ولتسمحوا لي بداية أن أتوجه بالشكر الجزيل لفخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، رئيس الجمهورية التركية، ورئيس القمة الإسلامية على دعوته لهذه القمة الطارئة التي تنتظر منها شعوبنا بل والعالم أجمع الكثير الكثير، وأتقدم بالشكر لتركيا وشعبها الشقيق على مواقف الدعم والمؤازرة التي تقفها إلى جانب شعبنا ونصرة قضيته العادلة.
كما أوجه التحية والتقدير إليكم جميعاً، أيها القادة ورؤساء الوفود، وإلى جماهير أمتنا الإسلامية، وإلى جميع الأحرار والشرفاء في العالم، الذين يقفون معنا في مواجهة هذه الخطيئة الكبرى، التي تفرض علينا نحن بالذات أن نخرج بقرارات وتوجهات حاسمة تحمي هوية القدس وطابعها، ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وصولاً إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين كافة، وفي مقدمتها القدس، ولجميع الأراضي العربية المحتلة.
كما لا يفوتني ها هنا، أن أتوجه بكل التحية والاعتزاز والافتخار لأبناء شعبي الفلسطيني المرابط في بيت المقدس، وفي أكناف بيت المقدس، وأحيي على وجه الخصوص أهلنا في قلب مدينة القدس، الذين يتحملون أذى المستوطنين، وبطش المحتلين، والإجراءات التعسفية لقوات الاحتلال الهادفة للتضييق عليهم وتهجيرهم عبر سلسلة لا تنتهي من الإجراءات الاستعمارية، ومنها منعهم من البناء والتوسع، وسحب هوياتهم وفرض الضرائب الظالمة عليهم، وإغلاق محالهم التجارية، ومواصلة سياسة الملاحقة والاعتقالات وهدم المنازل، والاعتداء على أرواح البشر، إضافة إلى الاستمرار في إغلاق مؤسساتها الوطنية والتضييق عليها، ووضع العراقيل أمام وصول المصلين والمؤمنين لأداء شعائرهم الدينية في كنائسهم ومساجدهم.
إنني أحيي أهلنا المسيحيين والمسلمين داخل أسوار المدينة العتيقة وخارجها، حماة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحراس أسوار القدس وكل ركن من أركان المدينة ومحيطها، وأقول لهم: إننا سنظل معاً وسوياً ندافع عن القدس، وندعم صمودكم، بكل ما أوتينا من إمكانات، وسنبقى ثابتين في وجه المؤامرات التي تستهدف مدينتنا وعاصمة دولتنا، وبدعم من أشقائنا وأصدقائنا، إلى أن نحقق حريتنا واستقلالنا.
السيد الرئيس، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إن إعلان الرئيس ترامب، بأن القدس هي عاصمة إسرائيل، وتعليماته بنقل سفارة بلاده إليها، انتهاك صارخ للقانون الدولي والاتفاقيات الموقعة وبخاصة قرارات مجلس الأمن، واستفزاز للمجتمع الدولي، الذي عبرت مختلف دوله وشعوبه وقياداته السياسية والروحية ومنظماته الإقليمية والدولية عن رفضها لهذا الإعلان، وعن تضامنها مع الشعب الفلسطيني وطموحاته في الحرية والاستقلال.
وأؤكد لكم، رفضنا لهذه القرارات الأمريكية الأحادية وغير الشرعية والباطلة، والتي صدمتنا بها الإدارة الأمريكية في الوقت الذي كنا فيه منخرطين معها في العملية السياسية، من أجل الوصول إلى سلام عادل وشامل في المنطقة، الأمر الذي أثار استغرابنا واستنكارنا الشديد لما فيه من استخفاف بمشاعر شعوب منطقتنا والعالم، ومجلس الأمن والقانون الدولي. وبهذا تكون الولايات المتحدة قد اختارت أن تفقد أهليتها كوسيط، وأن لا يكون لها دور في العملية السياسية.
إن هذه الخطوات الأحادية للرئيس ترامب، لن تعطي أية شرعية لإسرائيل في القدس، فهي مدينة فلسطينية عربية إسلامية مسيحية، عاصمة دولة فلسطين الأبدية، ولا يمكن أن تكون هناك دولة فلسطينية بدون أن تكون مدينة القدس الشريف عاصمة لها، بل ولن يكون هناك سلام في المنطقة وفي العالم دون ذلك.
ولا شك عندنا، أن هذه الخطوات الأحادية الخاطئة سوف تشجع الجماعات المتطرفة على تحويل الصراع من صراع سياسي إلى صراع ديني، وهذا ما حذرنا منه على الدوام وأكدنا حرصنا على رفضه.
السيد الرئيس، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إن دورنا في محاربة الإرهاب في منطقتنا والعالم معروف للجميع، ولقد عقدنا شراكات واتفاقات مع العديد من الدول بما فيها مع الولايات المتحدة، لذلك فإننا نرفض قرارات الكونغرس الأمريكي التي تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية، ونطالب بإلغائها والتراجع عنها.
إن الكونغرس الأميركي أصدر 27 قراراً بأننا إرهابيون، رغم توقيعنا على اتفاق مع الولايات المتحدة و83 دولة أخرى بمحاربة الإرهاب، ومع ذلك فإن الكونغرس مصمم أننا إرهابيون، ونحن لسنا كذلك، فهم الذين اخترعوا الإرهاب.
لقد التزمنا بجميع التفاهمات بيننا وبين الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بما فيها هذه الإدارة، ولكن هذه القرارات غير الشرعية بشأن القدس قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء، الأمر الذي لن يجعل بمقدورنا إبقاء التزاماتنا قائمة من جانب واحد.
السيد الرئيس، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
الحضور الكريم،
إن عدم محاسبة إسرائيل، عندما اجتاحت أرضنا وطردت شعبنا ومحت أكثر من 400 قرية وبلدة فلسطينية عن الوجود، بل وخرقت جميع القرارات الدولية منذ العام 1948 وبما فيها القرارات 181، 194، 242، 338، 478، وإلى القرار 2334، جعلها تعتقد أنها فوق القانون.
القانون الدولي يقول إنه لا بد أن تتوفر في الدولة ثلاثة شروط، هي السلطة والسكان والحدود، لكن الشرط الثالث غير متوفر في إسرائيل، وأتحداها أن تقول أين حدودها، وهذا يقودنا إلى أن الاعتراف بها باطل.
وإنني أتساءل، كيف يمكن لدول العالم السكوت على هذه الانتهاكات في حق القانون الدولي، وكيف يمكن استمرار اعترافها بإسرائيل والتعامل معها وهي تستخف بالجميع، وتواصل مخالفة الاتفاقيات الموقعة معها، وتقوم بممارساتها القمعية والاستعمارية وخلق واقع الأبارتهايد وامتهان شعوبنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية.
إن شعبنا لن يركع ولن يستسلم، بل سيبقى صامداً على أرضه، مرابطاً، بمسيحيه ومسلميه في القدس، وفي كل بقعة من فلسطين، وسوف نواصل جهودنا في بناء مؤسساتنا الوطنية على أساس سيادة القانون والنهوض باقتصادنا الوطني، والعمل الحثيث من أجل وحدة شعبنا وأرضنا وإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وتنفيذ اتفاق القاهرة الذي تم برعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة.
السيد الرئيس، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إن السؤال الكبير الذي يطرحه هذا التحدي الجديد الذي يستهدف قدسنا، ماذا نحن وإياكم فاعلون؟ وماذا سيسجل التاريخ عن قراراتنا؟ وما هي المواقف التي سنتخذها على مستوى القمة، وعلى المستوى الثنائي مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل رداً على هذا العدوان الصارخ على كرامتنا وتراثنا وتاريخنا ومهوى أفئدتنا؟
لقد أجمعنا في كل مؤتمراتنا وقراراتنا بأن القدسَ هي خطٌ أحمر، والآن علينا أن نترجم كل هذا إلى أفعالٍ تجبر الولايات المتحدة على التراجع عن هذه الخطيئة، وتحول دون قيام دول أخرى بخطواتٍ مماثلة.
لقد دعت مبادرة السلام العربية إلى حل القضية الفلسطينية أولاً قبل الذهاب في إقامة أية علاقات مع إسرائيل، لكن هذا لا يعني الانقطاع عن زيارة القدس دعماً لأهلها وحماية لهويتها العربية والإسلامية والمسيحية، فهذا واجب علينا جميعا، ولذلك أدعو الجميع إلى زيارتها، ودعمها وتعضيد موقفها وأهلها لتمكينهم من الصمود أمام الهجمة البربرية التي تتعرض لها ومحاولات الاستفراد الإسرائيلية بها لعزلها عن محيطها.
لا بد من دعم القدس وزيارة أهالي المدينة، فزيارة السجين ليست كزيارة السجان.
وفي هذا الإطار، فإننا نتوجه إليكم جميعاً بالشكر والامتنان لتكريم دولة فلسطين من قبل منظمتكم الموقرة، وذراعها منتدى الشباب للتعاون والحوار في تموز الماضي، باعتماد القدس الشريف عاصمة الشباب الإسلامي للعام 2018. ومن أجل مواجهة التحديات التي تعيشها القدس هذه الأيام، والرامية لشطب هويتها وتاريخها واستلاب روحها، فإننا نهيب بكم لتأكيد إيفاد السادة الوزراء والممثلين الرسميين لدولنا العربية والإسلامية الشقيقة كافة للمشاركة في احتفالية إطلاق إعلان " القدس عاصمة الشباب الإسلامي" في 28 يناير كانون الثاني 2018 على أرض دولة فلسطين.
إن القضيةَ تتطلب من الجميع أن يترفع فوق المصالح الضيقة، وأن يراجعَ حساباته، وأن يعيد تقييم مواقفه من هذه القرارات الأمريكية التي تخالف الشرعية الدولية وتستهدف الجميع، وليس الشعب الفلسطيني وحده.
قبل بضعة أشهر، أوقفنا التنسيق الأمني مع إسرائيل، ولما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية إغلاق مقر منظمة التحرير في واشنطن، أعلنا عدم التعامل مع القنصل الأميركي، فيجب أن تشعر أميركا أن أي قرار تتخذه ليس هيناً، ونحن نستطيع أند ندفعها الثمن.
وفي هذا المجال فإننا ندعو قمتكم الموقرة إلى اتخاذ جملة من القرارات الحاسمة لدعم هذه القضية المفصلية لأمتنا والتي هي على النحو التالي:
تحديد علاقات الدول الأعضاء لمنظمة التعاون الإسلامي بدول العالم على ضوء مواقفها وردود أفعالها من قضية القدس، وبالتحديد من هذه الخطوة الأمريكية.
لم يعد من الممكن أن يظل التعامل مع إسرائيل وكأن شيئاً لم يكن، بل المطلوب اتخاذ مواقف وإجراءات سياسية واقتصادية تجاهها من قبل الجميع، وصولاً إلى إجبارها على الانصياع لإرادة المجتمع الدولي في إنهاء احتلالها لأرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية، وإعمال القواعد الآمرة في القانون الدولي الإنساني.
مطالبة دول العالم بمراجعة اعترافها بدولة إسرائيل ما دامت تصر على مخالفة قواعد القانون الدولي، وخرق جميع القرارات الدولية منذ إنشائها في العام 1948.
التوجه بمشاريع قرارات لمجلس الأمن، ولكل مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بهدف إبطال ما اتخذته الولايات المتحدة من قرارات بشأن القدس، وفق المادة 27/3 من البند السادس لميثاق الأمم المتحدة، واعتماداً على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وتحديداً قراري 476 و478 للعام 1980 والقرار 2334 للعام 2016.
نحن سنذهب بمعيتكم ودعمكم الأسبوع القادم إلى مجلس الأمن من أجل الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، وإن لم ننجح سنتوجه في الأسبوع الذي يليه وهكذا، فهناك دول تقدمت عشرات المراتب للحصول على عضوية كاملة، وحصلت عليها بالنهاية.
طلب عقد دورة خاصة لمجلس حقوق الإنسان لتتحمل الدول الأعضاء مسؤولياتها نحو انتهاك القانون الدولي الإنساني، وخصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة، ودعوة المؤسسات الأممية ذات الصلة كافة للقيام بمسؤولياتها.
نؤكد مجدداً بأننا ملتزمون بالسلام القائم على قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، ونطالب باتخاذ قرار بنقل ملف الصراع برمته للأمم المتحدة، وتشكيل آلية جديدة تتبنى مساراً جديداً لضمان تطبيق قرارات الشرعية الدولية وتحقيق السلام الشامل والعادل، إذ لم تعد الولايات المتحدة أهلاً للتوسط في عملية السلام.
التحذير من الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل، أو إنشاء أية بعثة دبلوماسية فيها أو نقلها إلى المدينة، باعتبار ذلك خرقاً للقانون الدولي، واعتداءً صريحاً على الأمتين العربية والإسلامية، وعلى حقوق المسيحيين والمسلمين، والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
لم يعد من الممكن السكوت أمام مواصلة إسرائيل انتهاك هوية وطابع مدينة القدس واستمرار الحفريات والاستيطان، والأهم من ذلك انتهاكاتها للمقدسات الإسلامية والمسيحية وبخاصة المسجد الأقصى، لذلك فإن الوضع يتطلب ضمانات حاسمة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس والمحافظة على الوضع التاريخي القائم في المسجد الأقصى.
لقد حان الوقت لنطالب الدول التي تؤمن بحل الدولتين أن تأخذ خطوات عملية تجاه اعترافها بدولة فلسطين على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، الأمر الذي سيعزز الأمن والاستقرار والسلام في منطقتنا والعالم.
دعم مساعي دولة فلسطين في الانضمام لجميع المنظمات والمعاهدات الدولية باعتبارها حقاً طبيعياً لها، وبهدف تثبيت وجود دولة فلسطين في النظام الدولي.
إننا ندعوكم لتكثيف الجهود من أجل نيل دولة فلسطين عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة استناداً للقرار 19/67.
إن استمرار إسرائيل بانتهاكاتها وممارساتها الاستعمارية وبخاصة في القدس يجعلنا في حل من الاتفاقيات الموقعة معها، حيث لا يمكننا أن نبقى سلطة بدون سلطة، وتحت احتلال بلا كلفة، وهو ما يدعونا إلى إعادة تقييم الموقف من خلال أطرنا الفلسطينية والمشاورات مع الأشقاء والأصدقاء، من أجل التعامل مع حكومة دولة فلسطين التي ستقوم بمهامها كبديل عن السلطة الوطنية الفلسطينية.
نقول للإسرائيليين إنه في حال استمرار الانتهاكات، فإننا غير ملتزمين بأي اتفاق بيننا وبينهم، ومن ضمن ذلك اتفاق أوسلو، وعلى إسرائيل أن تتحمل كافة المسؤوليات في الصحة والتعليم والمياه، فهي دولة احتلال.
إن تعزيز صمود أهلنا في القدس يتطلب دعمكم لها بكل الوسائل المادية والمعنويةً، فقد آن الأوان للوقوف إلى جانب أهلنا في القدس ومؤازرتهم وعدم تركهم في مواجهة الاحتلال وحدهم، وضرورة اعتماد قمتنا هذه توصية التعاون الإسلامي الأخيرة في اجتماعها الموسع الماضي بتشكيل وقفية إسلامية دولية لدعم فلسطين والمقدسات بقيمة مليار دولار.
وفي هذه اللحظة الدقيقة، أقول لشعبنا العظيم،
لقد طال زمن التحديات والاستهداف والمحن، قرن مضى بقيت فيه راية شعبنا خفاقة، هاماتنا مرفوعة، مسيرة عظيمة خضناها في الكفاح والنضال والإيمان واليقين بالنصر لم تتوقف، عمدتها الدماء والمعاناة والصبر والرباط، ولم يستكن فينا طفل، ولم يخضع شاب، ولم يستسلم شيخ، جيل بعد جيل.
نعم، نساءً ورجالاً نؤمن بحقنا ووعد الله لنا، أن هذه المدينة الفلسطينية المقدسة ومنذ أن أسسها اليبوسيون الكنعانيون قبل خمسة آلاف عام، لم تكن ولن تكون إلا عاصمة دولتنا المستقلة والسيادة فيها لدولة فلسطين؛ نريدها مدينة مفتوحة لجميع أتباع الديانات السماوية ليمارسوا عباداتهم فيها، نريدها جسراً للتعايش والسلام، لينعم جميع المؤمنين فيها وزائريها بالحرية والأمن والاستقرار.
وإلى أبناء أمتنا العربية الإسلامية أقول:
لقد وقفتم على مدى عقود تناصرون فلسطين وقضيتها العادلة، وظللتم تحملون القدس في أعماق قلوبكم، قدمتم التضحيات لأجلها، ولم تبخلوا عليها بالمال والأنفس، فكنتم نعم الأهل والسند؛
في القدس شعبٌ لم يهن، رغم الصعاب والتضييق، شعبٌ يرفع رأسه فخراً بثباته وصموده في وجه الاحتلال، شعب يعتز بتاريخه وبانتمائه لأمته العظيمة، وبما قدمه من إنجازات كبيرة ومن إسهامات للإنسانية في جميع المجالات، وفي بناء أجيال من الرواد الذين أوصلوا رسالته النبيلة في السلام والعطاء لجميع بقاع الأرض.
إن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه، أيها الأشقاء والأصدقاء، يعاهدونكم على البقاء سدنةً للأقصى والقيامة، وبيت المقدس وأكنافها، كما كنا على مدى القرون الماضية منذ العهدة العمرية.
فالقدس ستظل شامخة بأهلها ومقدساتها، وهي عاصمة فلسطين، الأرض المقدسة المباركة، مهبط الرسالات السماوية، التي سرى إليها رسولنا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم – وعرج منها إلى السماء، إنها مهد السيد المسيح عليه السلام، ومثوى سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، والقدس هي مدينة السلام، بوابة السماء، مدينة المسجد الأقصى أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفيين، مدينة كنيسة القيامة، هذه المدينة هي عاصمة دولة فلسطين الأبدية، التي ستبقى صامدة في وجه محاولات استهدافها، وستنتصر.
الاحتلال يحاول تزوير التاريخ، فالتوراة تقول إن الكنعانيين موجودون قبل سيدنا إبراهيم عليه السلام ولم يتوقف وجودهم إلى يومنا هذا، فحقنا في القدس وغيرها من البلاد موجود إلى الأبد.
ولا يمكن أن أنهي كلمتي قبل أن أشيد بالرعاية الأردنية للأماكن المقدسة وبخاصة المسجد الأقصى المبارك، وبالتنسيق المشترك مع جلالة الملك عبد الله الثاني في هذا الخصوص، ونؤكد على دور لجنة القدس ورئيسها جلالة الملك محمد السادس ووكالة بيت المال التابعة لها.
ولا يفوتني الإشادة بمواقف المملكة العربية السعودية الثابتة إلى جانب شعبنا وقضيتنا، وهذا ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزير وولي عهده في زيارتي الأخيرة للسعودية؛
والشكر موصول لقداسة البابا فرنسيس على مواقفه المبدئية تجاه القدس، كما نثمن عالياً مواقف الكنائس المحلية والعالمية، وكذلك الموقف المشرف للأزهر الشريف، وعلى رأسه شيخ الأزهر أحمد الطيب، وعلماء وأئمة المسلمين في العالم أجمع، وكذلك مواقف قداسة البابا تواضروس، ونرحب بالمواقف النبيلة لزعماء وشعوب العالم وقياداتهم الروحية على المستويين العربي والدولي الذين سارعوا بإعلان مواقفهم تجاه القدس، حفاظاً على القانون الدولي ودعماً لحقوق شعبنا ووقوفاً إلى جانب الحق والعدل.
ما شاهدنا اليوم في دول العالم العربي والإسلامي أمر يرفع الرأس، ويجعلنا نفتخر ونؤمن بأن المستقبل لنا.
وفي ختام كلمتي هذه، أجدد الشكر لتركيا رئيساً وحكومة وشعباً على هذه الاستضافة الكريمة لهذه القمة التاريخية، والشكر موصول لكم جميعاً أيها القادة ورؤساء الوفود ممثلو الدول الإسلامية، مثمنين جهود الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي على المساهمة في تنظيم أعمال هذه القمة.
تحية لشهداء شعبنا الأبرار، وشهداء أمتنا العربية والإسلامية الذين قدموا التضحيات من أجل القدس وفلسطين، ولأسرانا الأبطال القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ولجرحانا البواسل، ولأهلنا الصابرين في مخيمات اللجوء والشتات، وأقول بكل أيمان وثقة إن فجر الحرية آت لا محالة، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
دولة فلسطين إذا لم تقم بعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران عام 1967، لن يكون هناك سلام في المنطقة ولا في الإقليم ولا في العالم، وعليهم أن يختاروا.
بسم الله الرحمن الرحيم
"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"
والسلام عليم ورحمة الله وبركاته،
فيديو قد يعجبك: