إعلان

هل تعرقل مسألة الحدود الايرلندية مفاوضات البريكسيت؟

10:39 ص الإثنين 04 ديسمبر 2017

أوجناكلوي، ايرلندا الشمالية (د ب أ)

لا يوجد في قرية أوجناكلوي سوى شارع واحد به متجر ومحطة بنزين ومقهى ومطعم للوجبات الصينية الخفيفة.

كانت هذه نقطة عبور حدودية بين جمهورية ايرلندا وايرلندا الشمالية. وشهد هذا المكان قبل أقل من ثلاثين عاما مقتل ايدان ماكانيسبي، 24 عاما، برصاص الجنود البريطانيين، وهو في طريقه لمشاهدة مباراة لكرة القدم. وقيل حينها إنه قتل عن طريق الخطأ.

وهو نفس المكان أيضا الذي شهد قبل أقل من عشرين عاما وضع حواجز اسمنتية ونقطة حرس حدود يعمل بها رجال مدججون بأسلحة آلية، يعترضون أي سيارة عابرة من أجل التفتيش، سواء كانت قادمة من الجنوب أو الشمال، بحثا عن أسلحة أو متفجرات.

وفي عام 1974، عندما كان مدير مدرسة ابتدائية محلية يقود سيارته بصحبة زوجته وابنته من أوجناكلوي عبر الحدود لتناول العشاء، اختطفه الجيش الجمهوري الايرلندي (آي.آر.إيه). وكان الرجل يعمل شرطيا بدوام جزئي. وتم العثور على جثته في وقت لاحق في حقل خارج أوجناكلوي.

هذه هي قصص الصراعات القديمة خلال الفترة المظلمة في أيرلندا الشمالية- فترة الاضطرابات- والتي طواها النسيان في بقية انحاء أوروبا، ولكن ذكرياتها مازالت ماثلة فى الاذهان، سواء في شمال ايرلندا أو جنوبها.

وتعتبر أوجناكلوي واحدة من حوالي 300 نقطة عبور يمر خلالها المسافرون فى الوقت الحاضر جيئة وذهابا دون أن يلاحظوها تقريبا.

هذا الوضع ربما يتغير مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2019، ستصبح هذه الحدود بمثابة الحدود الخارجية للتكتل الأوروبي.

وتمثل هذه الحدود صدمة لسكان هذه الجزيرة، حيث لايريد أحد منهم عودتها مرة آخرى، كما تشكل صداعا للمفاوضين في محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

ولا أحد يعرف حتى الآن كيفية تجنب إقامة حدود جديدة عندما تترك بريطانيا – ومعها ايرلندا الشمالية- السوق الموحدة والاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي. ويسعى الدبلوماسيون إلى التوصل إلى صيغة توافقية حول هذه القضية بحلول اليوم الاثنين. وقد يسد عدم التوصل إلى حل الطريق أمام أي تقدم في مفاوضات خروج بريطانيا من التكتل.

واختفت الحدود الجمركية ومسؤولو التفتيش هناك بين عشية وضحاها، عندما انضمت كل من جمهورية ايرلندا وبريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي في نفس الوقت عام 1973. ويستعيد القروي المحلي، جابريل دارسي الاحداث قائلا:"لسوء الحظ، تم استبدالها ووضع نقاط عسكرية، وبعدها بدأنا 30 عاما من اليأس والعنف المروع".

وعلى صعيد الأرقام، فخلال ربع قرن من الاضطرابات، قتل نحو 3600 شخص، وأصيب ما يقرب من 50 ألف شخص، وأصيب نصف مليون شخص بصدمات نفسية بسبب أعمال العنف التي ارتكبها طرفا النزاع في ايرلندا الشمالية.

فمن جانب، كان القوميون الايرلنديون، معظمهم من الكاثوليك، يهدفون إلى إنهاء الحكم البريطاني في الشمال، وتوحيد جزيرة ايرلندا في دولة واحدة، وعلى الجانب الآخر، كان الاتحاديون، ومعظمهم من البروتستانت، يريدون إبقاء الشمال جزءا من بريطانيا. وتضمنت الاعمال المروعة حالات اختطاف واغتيالات وضرب وتفجيرات وترهيب.

واستهلكت الاضطرابات جيلا كاملا، وصلت بالسكان إلى حد الانهاك وأصابته بالدمار والحقت به الاضرار ، مما دفعهم إلى الموافقة على اتفاقية سلام بوساطة أمريكية – اتفاقية الجمعة العظيمة في سنة 1998- على الرغم من الاحساس بالمرارة واستمرار الجروح التي لم تلتئم بعد.

وبموجب اتفاقية السلام، غيرت جمهورية ايرلندا دستورها، وأسقطت مطالبتها بإيرلندا الشمالية. وبعد ذلك ، تم تفكيك الحدود، وفي الشمال، أصبح بإمكان السكان اختيار جنسيتهم، سواء ايرلندي أو بريطاني أو كليهما.

ويقول دارسي "وجاءت اتفاقية الجمعة العظيمة... والتي كانت بمثابة تغيير لقواعد اللعبة، فقد ازيلت المنشآت الأمنية بين عشية وضحاها، وبدأ النشاط الاقتصادي في الانتعاش ببطء، ولكن بالتأكيد بدأ في الانطلاق مرة أخرى".

وتعتقد الحكومة في دبلن أن عبقرية الاتفاقية تكمن في غموضه، فكل شخص بإمكانه أن يختار هوية. وتحت مظلة الاتحاد الأوروبي، يمكن أن يعيش السكان ببساطة معا، بينما نحيت قضية الدولة في الوقت الراهن.

وأفرز انتهاء العنف كيانا جديدا، منطقة اقتصادية مشتركة، اتحاد أوروبي مصغر داخل الاتحاد الأوروبي الكبير. ومع انتقال الاشخاص بحرية، بدأت الاقتصادات المحلية تنمو وتزدهر مرة أخرى، واختفت الحدود تماما.

وتقول دبلن إن أكثر من 8ر1 مليون سيارة تعبرها شهريا. والآن؟ هل سيعود موظفو الجمارك إلى الظهور مرة أخرى في نقاط العبور؟ وهل يجب على الأشخاص الذين يسافرون حاليا بشكل روتيني من بلدة إلى أخرى على الجانب الآخر من أجل الحصول على علاج طبي عاجل إظهار جوازات سفرهم؟

ويقول وزير الخارجية الايرلندي، سيمون كوفيني، إن هذا أمر لا يمكن تصوره بالنسبة للحكومة في دبلن: "لن نسمح بإقامة حدود على جزيرة ايرلندا مرة أخرى، لدينا مسؤولية مشتركة مع بريطانيا لضمان عدم حدوث ذلك".

وتعلم دبلن جيدا أنها تحظى بدعم شركائها في الاتحاد الأوروبي، كما أن بريطانيا ملتزمة بهدف عدم وجود حدود.

وتقول رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي "لدينا نفس الرغبة ... نريد أن نضمن استمرارية حرية حركة الناس والتجارة عبر تلك الحدود، ولا نريد إقامة أي حواجز جديدة أمام التجارة أو حركة الناس عبر تلك الحدود حاليا، هذه هي النتيجة التي اتفقنا عليها معا. وهذا ما نعتقد أنه في مصلحة ايرلندا الشمالية".

ولكن الجميع يفكر في كيفية تحقيق ذلك بمجرد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقد يكون الحل في أحسن الظروف عبر علاقات تجارية وثيقة للغاية يتم الاتفاق عليها بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

لكن التوصل إلى اتفاق من هذا القبيل سيستغرق شهورا، إن لم يكن أعواما، ولن يحظى ذلك بالطبع بأي اهتمام من جمهورية ايرلندا. فدبلن تريد ضمانا من لندن. وتريد هذا الضمان الآن، حتى قبل أن يبدأ الاتحاد الأوروبي في التفاوض مع بريطانيا حول العلاقات المستقبلية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان