"الإيدز" ينهش أجساد عشرات الآلاف وسط أزمة صحية طاحنة في فنزويلا
كاراكاس- (د ب أ):
في غرفة كئيبة بمستشفى بالعاصمة الفنزويلية، كاراكاس، تستنشق ماريا رودريجيز، المصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) الأكسجين من خلال كمامة على الأنف.
وتقول ماريا 45 عاما: "آتي كل يوم لتوصيلي بهذا الجهاز ولأخذ عقاقيري المضادة للفيروسات العكوسة (الرجعية)"، لكنها تخشى ألا تكون قادرة على تحمل تكاليف الدواء الموسع للقصبات الهوائية واللازم لهذا الإجراء، حيث تجلبه إلى المستشفى بنفسها.
كما أن مستشفى ماجالانس دي كاتيا- الذي كان أحد رواد نظام الصحة العامة في فنزويلا - كثيرا ما تنفد لديه العقاقير المضادة للفيروسات العكوسة.
ويقول الطبيب كارلوس بيريز: "عندما لا تكون لدينا (العقاقير) التي يأخذها المرضى، أحاول أن أعطيهم أخرى".
ويضيف: "لكن الأسوأ من ذلك كله هو أننا نفتقر إلى الأدوية لمنحها إلى أولئك الذين هم فقط في بداية علاجهم".
وقد أدى تدهور نظام الصحة العامة في فنزويلا إلى ترك عشرات الآلاف من مرضى فيروس الإيدز دون العلاج الكافي أو بدون علاج على الإطلاق في بعض الأحيان، مما يزيد من عدد الوفيات ويهدد بانتشار فيروس الإيدز.
ويقول موريسيو جوتيريز من منظمة بوسيتيفوس إن كولكتيفو، التي تقوم بحملات من أجل حقوق المصابين بفيروس الإيدز: "لدينا الآن العديد من الوفيات كما كان الحال في بلدان أخرى في السنوات الأولى من الوباء".
ومع ذلك، لا توجد أرقام عن أعداد الوفيات.
ويفتقر المختبر في ماجالانس دي كاتيا - المعروف أيضا باسم مستشفى الدكتور خوسيه جريجوريو هرنانديز العام - إلى الكواشف اللازمة لاكتشاف الفيروس.
ويقول أحد العاملين في المختبر الذي لا يرغب في الكشف عن اسمه: "تنقل النساء الحوامل الفيروس إلى أطفالهن دون أن يعرفن ذلك".
ويقدر أن هناك عددا يتراوح بين 200 ألف و250 ألف شخص مصابون بفيروس الإيدز في الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية. ولا يعالج القطاع العام سوى نحو 75 ألفا منهم.
والعلاج نظريا بدون تكلفة، ولكن المستشفيات تعاني عجزا كبيرا من الإمدادات الطبية "بشكل يجعل الأسر مرغمة على سداد نحو 85% مما يحتاجه المرضى في المستشفيات"، وفقا لبيريز.
والمرضى لا يجلبون معهم فقط الإمدادات الطبية الخاصة بهم، بل الأمر يشمل حتى ملاءات الأسرة والمناشف والصابون الخاص بهم.
وقال بيريز إن الوفيات بسبب مرضى فيروس الإيدز زادت بسرعة منذ عام 2014.
ويموت هؤلاء الأشخاص بسبب أمراض مرتبطة بفيروس الإيدز مثل السل أو داء المقوسات أو داء النوسجات، التي لا توجد علاجات لها بالمستشفيات حتى الآن.
وبعد أن تولى الرئيس الراحل هوجو تشافيز السلطة في عام 1999 وأطلق "ثورة" يسارية، "كثفت الحكومة من إجراءاتها لمساعدة المصابين بفيروس الإيدز.
واستوردت فنزويلا أدوية رخيصة من الهند ووزعت الأوقية الذكرية المجانية على الفئات الأكثر تعرضا للخطر، مثل محترفي الدعارة والمثليين والمتحولين جنسيا.
إلا أن الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت هذا البلد الواقع في أمريكا الجنوبية تركت نظامها الصحي في حالة يرثى لها .
وفي "ماجالانس دي كاتيا"، في حي كاتيا الفقير، هناك جدران قد تساقط طلاؤها، والمصاعد لا تعمل ورائحة البول تنتشر في الممرات.
وبدأت أعمال التجديد على اثنين من الطوابق السبعة للمستشفى قبل تسع سنوات، ولكن نظرا لأن العمل لم ينته أبدا، فإنها لم تستخدم منذ ذلك الحين.
كما يعاني المستشفى أيضا من عجز في الموظفين، حيث يترك الموظفون العمل أو يقبلون وظائف إضافية بسبب انخفاض الأجور. فعلى سبيل المثال، انخفض الراتب الشهري للطبيب بسبب التضخم الهائل إلى ما يعادل 8 دولارات.
ويقول موظف المختبر: "البقاء هنا أكثر من مجرد مهنة - إنه شعور بالانتماء الرسولي تقريبا" في كاتيا، حيث يعيش معظم الموظفين.
وقد حاولت الحكومة الحصول على أدوية رخيصة من خلال منظمة الصحة للبلدان الأمريكية، ولكنها تواجه صعوبات في دفع ثمنها.
وتقول كارمن ايلينا 36 عاما، وهي مريضة بفيروس الإيدز في "ماجالانس دي كاتيا": "أحيانا لا أستطيع الحصول على أحد الأدوية الثلاثة التي أحتاج إليها".
وتضيف: "من الممكن العثور على الأدوية غير المتاحة في السوق السوداء، ولكنها مكلفة جدا وليس لدي أي أموال لدفع ثمنها".
وجوتيريز، الذي عاش مصابا بفيروس الإيدز لمدة 23 عاما، لا يتلقى في كثير من الأحيان ما يكفي من الأدوية المضادة للفيروسات العكوسة من المستشفى لأخذ الجرعة اليومية اللازمة.
ويقول الناشط: "إن حالات كهذه تجعل المرضى يشعرون بالضغط النفسي والكرب والاكتئاب، ولا يتعلق الأمر بالصحة البدنية فحسب بل بالصحة النفسية أيضا".
ويعزى نقص الأدوية إلى انخفاض أسعار النفط والتضخم الهائل، الذي أدى إلى نقص كبير في الإمدادات الأساسية في البلد الذي يعتمد اقتصاده إلى حد كبير على النفط.
ولكن نظام الرعاية الصحية ينهار أيضا بسبب الفساد، حسبما يقول فيليسيانو رينا، من أكيون سوليداريا، وهي المنظمة التي تساعد الفنزويليين على الخضوع لتحاليل لاكتشاف فيروس الإيدز بأقل تكلفة ممكنة.
ويقول: "الفساد، الذي استمر في النمو، هو أصل كل المشاكل - أكثر بكثير من أوجه القصور الإدارية أو عدم الكفاءة".
فيديو قد يعجبك: