رئيس ألمانيا الجديد شتاينماير ـ سياسي مخضرم ودبلوماسي محنك
(دويتشه فيله)
اُنتخب السياسي المخضرم فرانك ـ فالتر شتاينماير رئيساً لألمانيا. ويمارس هذا الاشتراكي الديمقراطي، المحبوب شعبياً والدبلوماسي المحنك، العمل السياسي منذ نحو 20 عاما. نظرة على حياة شتاينماير السياسي والدبلوماسي والإنسان.
انتخبت الجمعية الاتحادية، المختصة بانتخاب الرئيس الاتحادي الألماني، اليوم الأحد (12 فبراير/شباط 2017) فرانك ـ فالتر شتاينماير رئيساً للبلاد، خلفا ليوأخيم غاوك. وقد رُشِح شتاينماير لهذا المنصب من قبل حزبه، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة أنغيلا ميركل، ورديفه الاتحاد الاجتماعي المسيحي.
شتاينماير ليس شخصية جديدة على المشهد السياسي الألماني، فقد كان لما يقرب من 20 عاما لاعباً أساسيا في السياسة الألمانية، وتقلد عدة مناصب كان آخرها منصب وزير الخارجية. وبالنسبة لغالبية المواطنين تظهر استطلاعات الرأي أن شتاينماير شكَّل ملامح الدبلوماسية الألمانية.
وقبل ذلك تولى الاشتراكي الديمقراطي، الذي يبلغ من العمر 60 عاما، مناصب سياسة عدة، فقد كان وزير (رئيس) مكتب المستشارية في عهد المستشار الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر. وتولى رئاسة كتلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان (البوندستاغ)، كما أنه ترشح لمنصب المستشارية لمنافسة أنغيلا ميركل، لكنه لم يفز بهذا المنصب.
السياسي المحبوب شعبياً
لا يتمتع شتاينماير فقط بشعبية واحترام في أوساط الرأي العام الألماني، وبتقدير واحترام داخل حزبه فحسب، ولكن أيضا على مستوى النخبة السياسية الألمانية من مختلف الأحزاب، ناهيك عن أنه أكتسب من خلال عمله كوزير للخارجية في عهد ميركل خبرة دبلوماسية وحنكة حظيت باحترام على المستوى العالمي.
وتعكس استطلاعات الرأي مدى الشعبية التي يحظى بها شتاينماير في الأوساط الألمانية، فقد احتل على مدى سنوات المراتب المتقدمة على قائمة السياسيين المحبوبين في بلاده، وفقا لهذه الاستطلاعات. ولعل هذه كانت إحدى الحجج القوية التي رجحت الكفة لصالح ترشيح شتاينماير لتولي رئاسة البلاد، بعد أسابيع من النقاش حول من يكون المرشح لهذا المنصب. ويعتقد مراقبون أن شتاينماير كان يضع أعلى منصب في ألمانيا نصب عينيه منذ زمن بعيد.
ويحظى شتاينماير بدعم واحترام مختلف الأحزاب، بما في ذلك الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري. في هذا السياق كانت نائبة رئيس حكومة ولاية بافاريا، إليزا آيغنر، قد وصفته بـ "المرشح الجيد"، فيما قال القيادي في الحزب وعضو البرلمان الأوروبي، مانفريد فيبر، إن "ألمانيا بحاجة إلى قيادة قوية، خصوصا في ظل الوضع الراهن". ويبعث اختياره كرئيس، رسالة استقرار في مواجهة الفوضى وعدم الاستقرار. وفي نفس السياق كانت ميركل قد قالت إن اختيار شتاينماير لرئاسة البلاد هو "عين العقل"، مؤكدة أن أغلبية الألمان يشاركونها هذا الرأي.
دبلوماسي محنك
وعلى الصعيد الخارجي، أظهر شتاينماير، الذي قام برحلات خارجية مكوكية اقتربت من قطع مسافة حوالي 400 ألف كيلو متر طيران بالسنة، أنه شخصية رئاسية، وكان ينظر إليه كدبلوماسي متوازن في المواقف التي كانت تستدعي ذلك. على سبيل المثال الأزمة الأوكرانية، حيث تنقل بين موسكو وكييف وبذل جهودا مضنية أكسبته سمعة دبلوماسية جيدة. وقد ساهم شتاينماير، بحنكته الدبلوماسية وطريقته المدروسة في اختيار اللغة الدبلوماسية المناسبة، في نزع فتيل النزاع.
فيما يتعلق بالحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفت شتاينماير أنظار المراقبين إليه في طريقة وصفه لترامب بــ "واعظ الكراهية"، وفيما بعد اعتبر انتخاب ترامب كرئيس للولايات المتحدة بأنه بمثابة "نهاية النظام العالمي القديم"، وهي لهجة يرى بعض المراقبين أنها لا تتناسب مع اللغة الدبلوماسية، لكنهم عزوا ذلك إلى غلبة الجانب البيروقراطي في شخصه.
البداية من "مدرسة شرودر" السياسية
بدأت الحياة المهنية في المجال السياسي لشتاينماير في عهد المستشار السابق غيرهارد شرودر، المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، حيث تولى شتاينماير رئاسة مكتب المستشارية في ولاية ساكسونيا السفلى، حينما كان شرودر رئيسا لحكومة الولاية. وعقب فوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي في انتخابات عام 1998 وتولي شرودر منصب مستشار ألمانيا أنتقل شتاينماير معه إلى برلين وتولى في البداية منصب وزير دولة قبل أن يصبح وزير مكتب المستشارية، وبالتالي العمل من مركز صنع القرار السياسي في العاصمة الاتحادية.
مهندس السياسة الخارجية الألمانية
وفي عام 2005، وبعد دخول حزبه الاشتراكي الديمقراطي في ائتلاف موسع مع الحزب الديمقراطي المسيحي بزعامة ميركل، تبوأ شتاينماير منصب وزير الخارجية إضافة إلى نائب للمستشارة ما بين 2007 و 2009. في عام 2009 رشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي شتاينماير لمنافسة ميركل على منصب المستشارية، لكن الحزب خسر الانتخابات، واعتبر البعض أن ذلك كان بسبب بعد شتاينماير عن الجمهور.
شتاينماير كان و ما يزال شخصا بسيطا وغير متكلف، لكنه في المقابل يُظهر في الأدوار المعقدة في الدبلوماسية الدولية درجة عالية من المثابرة والنظرة الثاقبة.
في عام 2013 تولى شتاينماير مجددا منصب وزير الخارجية في الائتلاف الحكومي الذي تشكل بعد الانتخابات العامة ودخل فيه حزب الاشتراكي الديمقراطي مجددا شريكا مع حزب ميركل. إلى جانب هانزـ ديتريش غينشر (الحزب الديمقراطي الليبرالي) يعتبر شتاينماير من أكثر الشخصيات التي تركت بصماتها المؤثرة في السياسة الخارجية الألمانية في العقود الأخيرة.
شتاينماير الإنسان
ولد شتاينماير الخامس من يناير/كانون الثاني 1956م في دورتموند بولاية شمال الراين ـ وستفاليا، أبوه كان نجارا. متزوج من القاضية بالمحكمة الإدارية إلكا بودنبيندر، ولديهما ابنه تدرس حاليا بالجامعة.
عرف الرأي العام الألماني الجانب الآخر من شتاينماير، أو بتعبير أدق شتاينماير الإنسان، في عام 2010 حينما تفرغ من عمله كرئيس للكتلة البرلمانية لحزبه لغرض العناية بزوجته المريضة، وتبرع لها حينها بإحدى كليتيه. هذا الأمر، بغض النظر عن دوافعه الشخصية، أكسبه احتراماً واسعاً داخل الرأي العام الألماني.
فيديو قد يعجبك: