تقرير باحث أمريكي: السعودية شريك مهم لأمريكا وذات أهمية استراتيجية حيوية
واشنطن (د ب ا)
اهتم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي بزيارة الرئيس دونالد ترامب المرتقبة للمملكة العربية السعودية. ونشر مؤخرا تقرير لأنتوتى كوردسمان أستاذ كرسي أرليه بورك في الشؤون الاستراتيجية بالمركز، أكد فيه على أهمية السعودية كحليف أكثر قربا للولايات المتحدة و كشريك مهم لها في التعامل مع إيران، ومع الإرهابيين والحركات المتطرفة العنيفة، وفي تأمين تدفق النفط والغاز إلى الاقتصاد العالمي؛ حيث تمثل السعودية مصلحة استراتيجية حيوية.
وأوضح كوردسمان أن الرئيس ترامب سوف يتمتع ببعض المزايا عندما يبدأ أول جولة خارجية له بزيارة الرياض ، حيث أن السعودية كانت ترى أن إدارة باراك أوباما السابقة كان موقفها ضعيفا فيما يتعلق بالأمن، وكانت أكثر تركيزا على الاختلافات المتعلقة بحقوق الإنسان. كما كانت هناك شكوك لدى السعودية بالنسبة لالتزام أوباما بالحفاظ على وجود قوى للقوات الأمريكية في الخليج، وبالنسبة لدعمه للسعودية في مواجهتها مع إيران، وفيما يتعلق بقدرته على كبح دور إيران في العراق، وسورية، ولبنان. وعلى العكس من ذلك يرى السعوديون أن الرئيس ترامب أكثر تركيزا على الأمن، وأكثر استعدادا للعمل بصورة حاسمة، وأكثر التزاما بكبح جماح إيران.
ويقول كوردسمان إن الرئيس ترامب بعث في الوقت نفسه بإشارات مختلطة إلى السعوديين. فوزير الخارجية تيلرسون، ووزير الدفاع ماتيس ، ومستشار الأمن القومي ماكماستر كلها شخصيات يعرفها السعوديون ويثقون بها، لكن هناك بعض أفراد فريق البيت الأبيض يتحدثون عن ضرورة الحد من جهود الأمن القومي الأمريكية في الخارج؛ كما يثير شعار" أمريكا أولا" الذى ينادى به ترامب قضايا تتعلق بالتزامات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ومن جهة أخرى يؤكد الرئيس ترامب بقوة على ضرورة تحمل حلفاء الولايات المتحدة قدرا أكبر من عبء شراكاتهم الأمنية مع الولايات المتحدة .
كما أنه ينظر إلى بعض الشخصيات حول الرئيس وفي مجلس الأمن القومي على أنها معادية للإسلام بصورة تفوق معاداتها للإرهاب، وما زال السعوديون يشعرون بالقلق إزاء كشف الكونجرس عن جزء من تقرير رسمي كان محظورا في السابق وتمت كتابته عام 2012 مما أدى إلى مناقشات جديدة حول الدور السعودي في أحداث 11 سبتمبر. ورغم أن سياسات ترامب المتعلقة بالتأشيرات والهجرة لم تستهدف السعوديين، يشعر كثير من السعوديين وغيرهم من العرب بالقلق من أن هذه السياسات تعتبر عموما معادية للعرب ومعادية للإسلام.
ويرى كوردسمان أن الكثير من الأمور سوف يعتمد على كيفية تفاعل ترامب شخصيا مع كبار أفراد العائلة الملكية وغيرهم من كبار الشخصيات السعودية أثناء زيارته، ومدى الطمأنينة التي سيبثها في النفوس بشأن التزامات الولايات المتحدة تجاه الحرب ضد الإرهاب خارج الولايات المتحدة، واستعداده لنشر القوات الضرورية لكبح جماح إيران. كما يعتمد الكثير على مدى استعداد الرئيس ترامب لمعاملة السعوديين كشركاء حقيقيين فيما يتعلق بالقضايا الأمنية وللتعامل مع الدول التي تمثل مشكلات خطيرة مثل سورية ، والعراق، واليمن.
وأضاف كوردسمان أن الكثير أيضا سوف يعتمد على تصورات السعوديين لاستعداد ترامب للتعامل مع السعودية كما هي، وليس السعي لتغييرها، وعلى مواقفه الشخصية تجاه السعوديين والإسلام.
ويذكر الباحث الأمريكي أن هناك عدة مجالات يبدو أن ترامب لم يقم بالاطلاع عليها بصورة ملائمة؛ إذ يتعين أن يعرف الحقائق الكامنة في تقييم الجهود الخاصة بمشاركة السعودية في الأعباء، ودورها في قيادة الجهود العسكرية للدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ويؤمل أن يوضح مستشارو الرئيس له بانه رغم المصاعب الاقتصادية التي مرت بها السعودية نتيجة انخفاض أسعار النفط، فإنها ما زالت تتحمل عبئا من أعلى أعباء الأمن القومي في العالم.
ويقدر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن أن ما انفقته السعودية على الأمن في عام 2016 والذى يبلغ 0ر56 مليار دولار يجعلها رابع أكثر الدول إنفاقا في هذا المجال في العالم، ويقل ما انفقته بواقع 2 مليار دولار فقط عن إجمالي ما أنفقته روسيا.
ويشير تقرير كوردسمان إلى أن إدارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية تقدر أن عائدات الصادرات النفطية السعودية انخفضت من 247 مليار دولار في عام 2014 إلى 130 مليار دولار فقط في عام 2015. ويمثل هذا انخفاضا نسبته 27 في المئة في عام واحد فقط. وتوضح التقديرات الإجمالية لإدارة معلومات الطاقة الخاصة بدخل الأوبك أن السعودية شهدت انخفاضا آخر بلغت نسبته حوالى 16 في المئة في عام 2016، ومع ذلك تتوقع إدارة معلومات الطاقة أنه من المحتمل أن يعود دخل الصادرات السعودية للارتفاع في عام 2017 إلى مستوى أعلى قليلا من مستوى عام 2015.
ويرى كوردسمان أن الرئيس ترامب ليس فقط في حاجة لأن يدرك أن السعودية تقوم بأكثر مما هو مطلوب منها حسب أي معايير معقولة، وإنما يتعين عليه أيضا أن يعرف أن نجاح خطة الإصلاح السعودية 2030 مهمة لتحديث المجتمع السعودي والحفاظ على المعدل المطرد للتحديث والإصلاح السعودي.
ويظهر التقرير أن الاستقرار السعودي يعتبر مظهرا مهما للغاية بالنسبة للأمن الإقليمي، إذ أن أي حالة من حالات عدم الاستقرار بالسعودية يمكن أن تحول دون توفيرها للأمن والاستقرار الفعال حول الأماكن المقدسة ، فضلا عن كونها تهديدا كبيرا فيما يتعلق بالإرهاب، وتهديدا خطيرا للسلام والتنمية في كل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم الإسلامي.
وقد يكون معدل الإصلاح في المملكة بطيئا بصورة شديدة في بعض الأحيان، لكنه في أحيان أخرى يتحرك بسرعة مذهلة. والمهم هو أن الإصلاح يتحرك على نحو دائم تقريبا بمعدل يؤدى إلى أن تكون السعودية مستقرة نسبيا رغم حقيقة أن حكامها ونخبتها المتعلمة يقودون شعبا محافظا للغاية، حسب قول كوردسمان.
وقال كوردسمان أن الرئيس ترامب قد يحتاج أيضا إلى الاطلاع على مدى أهمية استقرار السعودية وقدرتها على الحفاظ على شراكاتها الأمنية مع الولايات المتحدة بالنسبة لأمن الولايات المتحدة نفسها . ورغم كل المناقشات الأخيرة حول الدور السعودي في أحداث 11 سبتمبر.
أوضحت التقارير السنوية لوزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب أن السعودية قامت بدور رئيسي في معركة الولايات المتحدة ضد الإرهاب منذ عام 2003.
واتخذت السعودية زمام المبادرة في تحدى إيران واحتوائها، وفي حشد الجهود الأمنية للدول الخليجية الأخرى. كما تربطها علاقات وثيقة بالأردن والمغرب، واقترحت خطة أمنية للسلام مع إسرائيل.
وذكر كوردسمان أنه من المؤكد تقريبا أن دور السعودية في اليمن سوف يكون من الموضوعات التي سيناقشها الرئيس ترامب اثناء زيارته، وتحتاج الولايات المتحدة إلى أن تكون حساسة تجاه حقيقة أن وجود دولة يمنية معادية يمثل تهديدا محتملا خطيرا، وأن القوات السعودية تعزز القوات العسكرية العربية التي تردع إيران وتجعل السعودية حليفا مهما محتملا في أي صراع مع إيران.
وأشار التقرير إلى أن المملكة تعتبر أحد كبار المشترين للأسلحة الأمريكية بطرق أسفرت عن وجود قوات قادرة بصورة كبيرة على العمل مع قوات أخرى، ويمكنها العمل عن قرب مع الولايات المتحدة.
وقد واصلت السعودية هذه المشتريات رغم خططها الإصلاحية وأزمة العائدات النفطية. وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في 20 يناير 2017 أن السعودية ما زالت أكبر مستهلك للمبيعات العسكرية الخارجية الأمريكية.
وقال كوردسمان أنه كما توضح وزارة الخارجية، فإن الولايات المتحدة تضع حاليا اللمسات الأخيرة لأكبر صفقة عسكرية دولية في التاريخ للسعودية ، تبلغ قيمتها حوالى 4ر29 مليار دولار.
وذكر كوردسمان إن الرئيس ترامب قد يحتاج أيضا إلى اطلاعه على المستوى المستمر لاعتماد الولايات المتحدة على المساعدة السعودية في تأمين التدفق المستقر لصادرات البترول، والغاز ومنتجاتهما من الخليج.
واختتم كوردسمان تقريره بالقول بأنه سوف يكون لأى تخفيضات كبيرة في القوات الأمريكية في المنطقة- أو فقدان السعودية كشريك استراتيجي- تأثيرات أخرى. إذ سيتضاءل الطابع العالمي الحقيقي لنفوذ الولايات المتحدة وقوتها في الباسيفيكي بدرجة كبيرة للغاية.
كما سوف يزداد نفوذ الصين على الاقتصاديات الأسيوية الأخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية بصورة كبيرة ، وسوف يكون للزيادة المحتملة في التوتر بين الصين والهند- والتضاؤل في موقف الهند النسبي- تأثير واسع النطاق على توازن القوى في جنوب آسيا والمحيط الهادئ.
فيديو قد يعجبك: