فرنسا: هجوم إلكتروني على حملة ماكرون.. حدث الآن ما كان يخشاه كثيرون
كتب - سامي مجدي:
كان أمر يخشاه كثيرون. تأخر قليلا لكنه حدث.
لطالما تحدث خبراء ومراقبون عن إمكانية تعرض الانتخابات الرئاسية الفرنسية لهجوم إلكتروني لصالح مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، التي وصلت إلى جولة الإعادة المقرر أن تبدأ بعد أقل من 24 ساعة.
في الليلة السابقة، وقبل ساعات من انتهاء الحملة الانتخابية رسميا، بثت وكالات الأنباء العالمية نبأ تعرض حملة إيمانويل ماكرون، المرشح المنافس لمارين لوبن، لهجوم الكتروني. الهجوم تضمن تسريب مئات الوثائق الداخلية الخاصة لحملة المرشح الوسطي الذي تشير استطلاعات الرأي إلى تصدره السباق إلى الإليزيه.
ولأشهر خشيت الطبقة السياسية الفرنسية والأوروبية المناهضة لموجة الشعبوية التي تجتاح العالم الغربي من وقوع هجوم على غرار الاختراق الإلكتروني لحملة مرشحة الرئاسية الأمريكية الديمقراطية هيلاري كلينتون، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في خسارتها أمام قطب العقارات النيويوركي، دونالد ترامب، القادم من خارج المؤسسة الحزبية الأمريكية.
وتعيش أوروبا والديمقراطيات الغربية على صفيح ساحن خشية فوز لوبن التي تعصف بالقيم الأوروبية والقيم الديمقراطية الغربية وتضرب في أساساتها. ذلك القلق من المؤكد أنه زاد مع ذلك الهجوم الإلكتروني الذي استهدف المرشح المفضل للاتحاد الأوروبي وجل الحكومات الغربية.
ماذا جرى؟
قالت حملة ماكرون يوم الجمعة إنها وقعت ضحية عملية اختراق إلكتروني هائلة ومنسقة أدت إلى تسريب مئات الوثائق الداخلية للحملة.
والبيانات التي نشرها ملف يطلق عليه "إمليكس" على موقع "باستيبين" الذي يتيح نشر المستندات المجهولة، بلغ حجمها 9 جيجا بايت. ولم يتضح على الفور من المسؤول عن نشر البيانات وما إذا كانت حقيقة أم لا.
ونشر موقع "ويكيليكس" رابطًا على موقع تويتر للدخول إلى الوثائق. وقال إنها "تتضمن عشرات الآلاف من الرسائل الإلكترونية، والصور، والمرفقات حتى 24 أبريل 2017."
وقال ويكيليكس إن الموقع ليس مسؤولا عن التسريب.
وأكدت حملة ماكرون في بيان أنها تعرضت لاختراق إلكتروني. وأضافت "كانت حركة إلى الأمام ضحية لعملية تسلل إلكتروني هائلة ومنسقة أدت إلى نشر معلومات داخلية مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي".
واتهمت الحملة منفذي القرصنة الإلكترونية بمحاولة إضعاف مكانة ماكرون قبل الجولة الثانية من الانتخابات، المُقررة يوم غد الأحد، أمام مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن.
وأضافت الحملة أن كل تلك الوثائق "قانونية"، لافتة إلى أن عملية القرصنة الكبيرة "غير مسبوقة في أي حملة انتخابية فرنسية"، حسبما أفادت وكالة فرانس برس في تقريرها في وقت متأخر الجمعة.
وأشار فريق حملة ماكرون إلى أن "أولئك الذين يتداولون هذه الوثائق يضيفون وثائق كاذبة كثيرة إلى وثائق حقيقية من أجل زرع الشك والتضليل".
ولفت إلى أن عملية التسريب جاءت "في الساعة الأخيرة من الحملة الرسمية" وأنه "من الواضح أنها مسألة زعزعة الاستقرار الديمقراطي مثلما حدث خلال الحملة الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة".
وتحدثت وسائل الإعلام عن أن الوثائق تضم رسائل للبريد الإلكتروني وبيانات مالية عن حملة "إلى الأمام"، التي وصفت الهجوم الإلكتروني بأنه محاولة لإرباك الانتخابات المتوترة.
وحذرت السلطات المسؤولة عن العملية الانتخابية في فرنسا، وسائل الإعلام من تناول محتوى تلك الوثائق بسبب فترة الصمت الانتخابي.
وتحقق هيئة مراقبة الانتخابية الفرنسية في الهجوم.
وقالت اللجنة التي تشرف على الحملة في بيان، إنها ستعقد اجتماعا اليوم بعد تسريب ليلة أمسالجمعة. وحذرت من أنبعض الوثائق المسربة "مزيفة" على الأرجح، وفقا لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية.
ورغم سعي اللجنة لتهدئة التغطية المحمومة للتسريب على وسائل التواصل الاجتماعي، أفادت أسوشيتد برس بأن أنصار اليمين المتطرف والأكاديميين والصحفيين تباروا حول مغزى ذلك التسريب.
وتساءل البعض عن عدد الوثائق الحقيقة التي تشمنها التسريب الهائل. فحملة ماكرون قالت إن هناك وثائق مزيفة مختلطة بأخرى حقيقية، دون أن تقدم أمثلة على ذلك.
روسيا
وقد يكون الارتباك الذي أحدثه الهجوم الإلكتروني هو المقصود بالضبط.
ويخشى مراقبون من أن تكون روسيا وراء الهجوم الإلكتروني لمساعدة مرشحة اليمين المتطرف لوبن التي التقت قبل أشهر مع زعيم الكرملين، فلاديمير بوتين.
وتجاهر لوبن بأنها ستعمل على رفع العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا في أعقاب ضمها شبه جزيرة القرم في مارس 2014.
وكان ماكرون تحدث في فبراير الماضي عن "هجمات متكررة" على الموقع الإلكتروني لحملته الانتخابية مصدرها أوكرانيا خصوصا، وكذلك نشر شائعات أو "تصريحات مهينة" له من قبل المواقع الإلكترونية الروسية العامة "سبوتنيك" و"روسيا اليوم" باللغة الفرنسية.
وردت "روسيا اليوم" و"سبوتنيك" يوم الجمعة على ذلك، وقالت إنهما تنويان ملاحقة ماكرون على تلك الاتهامات.
وقالت مرجريتا سيمونيان رئيسة تحرير الوسيلتين الإعلاميتين في تغريدة على تويتر "لم نعد نحتمل مثل هذه الاكاذيب، سنتقدم بشكوى امام القضاء"، بدون أن توضح الإجراءات التي ستقومان بها.
كما شكك بنجامان جريفو الناطق باسم ماكرون بشكل مباشر بالكرملين واتهمه "باختيار المرشحين" وخصوصا مارين لوبن زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف. لكن الكرملين نفى وبشكل قاطع هذه الاتهامات مؤكدا أنه "لم ينو يوما التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد،" بحسب فرانس برس.
"ما بعد الحقيقة"
ويرى بعض الخبراء أن الهجوم الإلكتروني يأتي في إطار واقع "ما بعد الحقيقة" (Post-Truth) الذي يمكن للأخبار المزيفة أن تحشد إلى جانب الحقائق الموضوعية.
ووفقا لمعجم أوكسفورد، اختار علماء اللغة في 2016 (Post-Truth) بصفته مصطلح العام. وعرفه المعجم بأنه "الظروف التي تصبح فيها الحقائق الموضوعية أقل تأثيرا في تشكيل الرأي العام من الشحن العاطفي والمعتقدات الشخصية". وظهر هذا المصطلح بشكل متزايد مع صعود دونالد ترامب في سماء السياسة الأمريكية وحملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكسيت).
وتنقل وكالة أسوشيتد برس عن لوسي دالجليش، عميدة مدرسة الصحافة في جامعة ميريلاند الأمريكية، "هل نحن في عالم جديد؟ بالتأكيد. وعندما نشر موقع ويكيليكس رسائل بريد إلكتروني مقرصنة من اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي وأحد كبار مستشاري هيلاري كلينتون، ذكرت "على الأقل أمامنا ترف من الوقت للتحقق من ذلك."
غير أن رد الفعل الصامت في بادئ الأمر على محتوى تسريب ماكرون يمكن أن يشير إلى أن الأوروبيين سوف يتصرفون بشكل مختلف عن الطريقة التي تصرف بها الأمريكيون، بحسب الوكالة.
"هل هم الأمريكان فقد من يكون لهم رد فعل على كل دورة للأخبار؟ سوف أكون فضولية أن أرى ما إن كان رد الفعل الفرنسي بطريقة شديدة الأوروبية وتتغاضى عن ذلك."
فيديو قد يعجبك: