شبح "الإغلاق الحكومي" يهدد أمريكا في أكتوبر القادم (تقرير)
كتب - علاء المطيري:
قالت مؤسسة جولدن ساكس المالية، إن فرص إغلاق الحكومة الأمريكية في العام المالي الجديد وصلت إلى نسبة 50 %، بسبب الخلافات بين البيت الأبيض وقادة الكونجرس على اعتماد ميزانية العام المالي الجديدة.
وتابعت المؤسسة المالية العالمية، في تقرير لها، الخميس الماضي: "نعتقد بأن الحكومة الفيدرالية ستواجه إغلاقًا قصيرًا في ظل السياسات المثيرة للجدل التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب بهدف توطيد أركان حكمه"، مشيرة إلى أنه يقوم بذلك رغم حاجته للديمقراطيين الذين لا يمكن تمرير الموازنة الجديدة دون موافقتهم.
وذكرت شبكة "إيه بي سي نيوز" الإخبارية الأمريكية في الـ18 من الشهر الجاري أن نسبة توقع إغلاق الحكومة الأمريكية ارتفعت من 30 % في يونيو الماضي، إلى 50 % وفقًا لتوقعات جولدن ساكس الأخيرة.
ولفتت الشبكة إلى أن محللو وول ستريت يتساءلون عما إذا كانت قدرة البيت الأبيض على تمرير أجندته المالية قد ضعفت؛ بعد أحداث شارلوستوفيل وطريقة تعامله معها؛ إضافة إلى رحيل كبير مستشارين الاستراتيجيين، ستيف بانون.
وتتناول الأسواق المالية آفاق قدرة ترامب إجراء إصلاحات ضريبية وتبني سياسات مالية في الانفاق على البنية التحتية وإصلاح النظام الصحي، وفقًا للشبكة التي لفتت إلى حديث اقتصاديين كبار عن تجدد تساؤلات أخرى حول قدرة الكونجرس على رفع سقف الدين بطريقة منظمة بدون البيت الأبيض".
وكان مكتب الميزانية بالكونجرس ذكر في تقرير يوم 29 يونيو الماضي أنه يجب على الكونجرس أن يرفع سقف الدين العام في الفترة من بداية إلى منتصف أكتوبر لتفادي التخلف عن سداد مدفوعات القروض الحكومية، وفقًا لـ"رويترز".
ويبدأ العام المالي في أمريكا في الأول من أكتوبر وينتهي في 30 سبتمبر من كل عام.
ووفقًا لتقرير "جولدمان ساكس" فإن إغلاق الحكومة الفدرالية لن يستمر طويلاً لأن الكونجرس سوف يمرر تشريعات سريعة لزيادة سقف الدين الحكومي. وفي ذات الفترة يصل حجم الاقتراض الحكومي إلى أعلى مستوياته، وفقًا لمكتب الميزانية بالكونجرس، وهو ما يعني أنه إذا لم يقدم الكونجرس على رفع سقف الدين فإن الحكومة لن تكون قادرة على سداد ديونها.
خطر يتزايد
ويتزايد خطر إغلاق الحكومة الفيدرالية في أكتوبر القادم لأن كلا الحزبين الرئيسيين في أمريكا لم يستطع الوفاء بوعوده لرفع سقف الدين العام قبل نهاية، سبتمبر القادم، كحد أقصى.
فكل من الديمقراطيين والجمهوريين بالكونجرس عرضة لأن يقفوا في طريق رفع حد الاقتراض الحكومي خلال الشهر القادم، وفقًا لتقرير نشرته مجلة "واشنطن إكزامينر" في 8 أغسطس الجاري، وهو ما يزيد فرص حدوث مشاكل حقيقية لقادة مجلسي النواب والشيوخ الذين يحاولون القيام بتلك الخطوة. هذا إضافة إلى أن الأعضاء المحافظون في كلا المجلسين يصرون على أن زيادة سقف الدين يجب أن يرافقها إصلاح الإنفاق الحكومي وهو ما لم يتغير هذا العام.
ويقول محللون من مؤسسة الخدمات المالية الأسترالية "ويستباك" إن الولايات المتحدة تواجه خطر الإغلاق الحكومي بصورة كبيرة، وأنها ستواجه خلل في آداء موظفيها خلال سبتمبر وأكتوبر القادمين، بسبب الخلاف حول رفع سقف الدين وتمرير قرار تمويل الإنفاق الحكومي لتجنب الإغلاق في 1 أكتوبر القادم.
سبب الأزمة
ولفت تقرير لموقع العملات الأجنبية "fxstreet" أن الموافقة على رفع سقف الدين وتمرير الإنفاق الحكومي عملية يمكن تمريرها في حالة وجود حكومة موحدة، لكن حالة الاستقطاب التي تخطت الحدود المعتادة وفشل المشرعين في الاتفاق حول إصلاحات النظام الصحي.
ويبدو أن إدارة ترامب تجاهلت المعايير المعمول بها داخل الكونجرس التي تقول أنهم يسيطرون على حزب الشاي الذي يملك 35 مقعد من مقاعد الجمهوريين داخل مجلس النواب وأنهم لن يصوتوا لرفع سقف الدين إلا إذا صاحبه إصلاحات في نظام الإنفاق الحكومي، وهو ما يعني أن كل ما يملكه الجمهوريين من أصوات فعلية بمجلس النواب هو 200 صوت من أصل 435 صوتًا.
ويرى خبراء اقتصاديون ومحللون ماليون أن "إغلاق الحكومة الفيدرالية" سيكون له آثار سلبية على اقتصادها، لكنه ليس مؤشر على بداية انهيار أو انتهاء هيمنة الاقتصاد الأمريكي على العالم.
مدحت نافع: مخاطر متوقعة لكنها تؤثر سلبًا على الاقتصاد الأمريكي
يقول الدكتور مدحت نافع، خبير الاقتصاد والتمويل، إنه لا يمكن تناول قضية إغلاق الحكومة الفيدرالية بمعزل عن الأجواء السياسية في أمريكا، مشيرًا إلى أن السياق العام في أمريكا مشحون بعدد من الظواهر السلبية أهمها الانسحابات المستمرة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو مؤشر سلبي على الاقتصاد الأمريكي.
وأضاف لمصراوي: "يمكن للإدارة الأمريكية أن تتحكم في تداعيات الانسحابات في المجالات الأخرى لكن التداعيات الاقتصادية ربما يصعب السيطرة عليها لأنها تتعامل مع اقتصاد مفتوح وهو ما يزيد من خطورة تلك الاضطرابات.
وأوضح نافع أن ترامب تدخل في الموازنة بشكل يهدف إلى تخفيض الانفاق الاجتماعي وهو ما يؤثر على شبكة الأمان الاجتماعي بشكل أساسي وينعكس سلبًا على الجهود المبذولة لاعتماد الميزانية الجديدة. وأضاف: "حتى الإصلاح الضريبي الذي تم يصب في مصلحة الشركات وليس الأفراد، إضافة إلى أن برنامج الإصلاح الصحي الذي اقترحه بديلاً عن برنامج "أوباما كير" للتأمين الصحي، لا يصب في مصلحة المواطن البسيط.
وتابع: "معدلات النمو الأمريكية أقل من المتوقع وهي قريبة مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وهذا يعني أن هناك حالة من حالات التباطؤ في النمو الاقتصادي التي عندما يتم الربط بينها وبين الاضطرابات داخل الإدارة الأمريكية يمكن أن تخلق حالة من عدم اليقين في الاقتصاد الأمريكي.
وشدد نافع على حدوث مزيد من الاضطرابات التي يشهدها المواطن الأمريكي والمستثمر الأجنبي، تقود إلى انسداد في عملية صنع القرار والذي يعد الجانب المالي واعتماد الميزانية جزء منه، مشيرًا إلى أن تعرض الاقتصاد الأمريكي لمخاطر سيؤثر على الاقتصاد العالمي بالكامل.
لكن نافع أوضع أن الإغلاق الحكومي يمثل مخاطر متوقعة يتم حسابها، لكنه ليس أمرًا مفاجئًا، مشيرًا إلى أن السبب في حدوثه هو ضخامة الاقتصاد الأمريكي، حالة فريدة لكنها متوقعة ويتم حسابها وكيفية التعامل معه كمخاطر ثم التعامل معه كأزمة.
وأضاف: "لكن الخطر مضاعف في هذه الحالة بسبب الاضطرابات السياسية التي تواجهها إدارة ترامب".
فخري الفقي: الإغلاق الحكومي ليس مؤشرًا لانهيار الاقتصاد الأمريكي
وأوضح الدكتور فخري الفقي، المستشار السابق لصندوق النقد الدولي، إن هذا الإغلاق ليس المرة الأولى ولكنها تتكرر وقد تتفاوت، لديهم موازنة برامج وليس قيود، وهو ما يفرض توقف الانفاق في حالة عدم اعتماد الميزانية الجديدة بعد بداية العام المالي الجديد الذي يبدأ في أكتوبر من كل عام.
وتابع لمصراوي: "حدوث الإغلاق في النظام ديمقراطي مثل أمريكا لا يمثل خلل لأنها دولة مؤسسة ولا يعطي إشارة لانتهاء الهيمنة الأمريكية أو انهيار الاقتصاد لأن التناطح بين الحزبين الكبيرين يصب في مصلحة الدولة"، مضيفًا: "عندما يحتدم الخلاف بين الحزبين ويصل إلى 1 أكتوبر في هذه الحالة يكون هناك إغلاق تام للحكومة الفيدرالية، مشيرًا إلى أن فترة الإغلاق تتراوح بين 3 أيام و3 أسابيع، وهو يخص الموظفين في الحكومة الفيدرالية حيث يذهبوا إلى منازلهم دون أجر لحين بداية الميزانية الجديدة".
لكنه لفت إلى أن هذا الأمر لا ينطبق على ميزانيات الولايات حيث أن لكل منها ميزانية خاصة بها ولا تتأثر بإغلاق الحكومة الفيدرالية، مشيرًا إلى أن التأثير الأكبر يكون في واشنطن العاصمة التي يوجد بها مقر الحكومة الفيدرالية، ويشمل الخدمات التي يمكن الاستغناء عنها لأيام مثل مكاتب البريد لكنها لا يشمل المستشفيات والأمن والخدمات الأساسية.
ولأن الإغلاق تم 19 مرة في السابق، فإن هذا الأمر يطرح التساؤل حول أسبابه، يقول الفقي، مشيرًا إلى أن السبب الأول هو وجود تفاوت في توجهات الحزبين (الديمقراطي والجمهوري). فالديمقراطيون لديهم توجهات كبيرة للبعد الاجتماعي. وفي 2013 حدث أوباما والجمهوريين لهذا السبب ولم يتم الموافقة علي الميزانية إلا بعد إغلاق الحكومة 5 أيام من شهر أكتوبر.
أما الحزب الجمهوري فيميل للقطاع الخاص وهم ضد أي توسع في الانفاق الحكومي على المسائل التي لا تعتبر مجدية، ويعتقد دونالد ترامب أنه يمكنه استبدال برنامج أوباما كير وإيجاد بديل آخر أقل تكلفة وهو ما يرفضه الديمقراطيون الذين يعتبرون هذا البرنامج من أفضل الانجازات لإدارة أوباما".
وأوضح الفقي أن توقف النشاط الحكومي يكلف الاقتصاد الأمريكي الكثير خاصة فيما يتعلق بتأخير بعض الخدمات وحالة ارتباك شديدة جدًا على النشاط الاقتصادي، مضيفًا:" بعض الأجهزة تحسب تكلفة عدد أيام الإغلاق كخسائر مادية".
وتابع: "توقف الأنشطة يعطي الانطباع للآخرين بكبر حجم الخلاف في الداخل الأمريكي وقد يؤثر على صورة أمريكا في العالم وما يتبع ذلك من آثار سلبية على اقتصادها"، لكن الكيان الأمريكي ديناميكي متجدد يصحح نفسه بصورة مستمرة. وفي أمريكا يوجد لا مركزي بدرجة كبيرة جدًا وهو ما يمكن البلديات والأجهزة الحكومية من الاستدانة دون الارتباط بالحكومة الفدرالية. وفي بعض الأحيان يكون هناك فائض مالي يمكن استخدامه للإنفاق خلال وقت الإغلاق، على حد قول الفقي.
فيديو قد يعجبك: