في قرية آل العبد.. كيف تُنزل إسرائيل "العقاب الجماعي" على الفلسطينيين؟
كتبت-إشراق أحمد:
اليوم 21 يوليو 2017. أسبوع ولازال يعكف المقدسيون على الصلاة خارج حرم الأقصى، يرفضون وضع الاحتلال لبوابات إلكترونية تُقيد دخولهم إلى مسجدهم. الأجواء ملتهبة. ثلاثة شهداء في القدس وعشرات الإصابات والاعتقالات. "جمعة الغضب" وصف الداعون لنصرة قبلة المسلمين الأولى، فيما كان السخط في نفس عمر العبد قد بلغ المدى، بينما يتقدم بخطوات واثقة نحو مستوطنة حلميش الإسرائيلية، وينفذ عملية أسفرت عن مقتل 3 مستوطنين، وإنزال الاحتلال –في المقابل- عقابًا جماعيًا بأهل قريته "كوبر" الفلسطينية.
صباح اليوم التالي، 22 يوليو، في غضون الثالثة فجرًا، فجع سكان قرية كوبر –شمال مدينة رام الله وسط الضفة الغربية- بسيارات عسكرية وجرافات تقتحم المنطقة، تتجه نحو منزل عبد الجليل العبد، عنوة توقظ قوات الجيش الإسرائيلي من فيه، كبلوا جميع الأسرة، حتى شقيقه ذي الاحتياجات الخاصة وأخته ذات الـ14 عامًا، وعاثوا في البيت تدميرًا لمحتوياته، وأرادت هدمه لولا تصدي أهل "كوبر"، لتبدأ سلسلة العقاب الجماعي ليس لآل العبد لكن لأهل القرية جميعها كما يقول خليل العبد، عم منفذ عملية حلميش –مستوطنة شمال غرب رام الله.
قرابة 14 يومًا أغلقت فيها قوات الاحتلال مداخل ومخارج القرية "ما كان حدا يطلع على شغله أو يجيب شيء"، في اليوم الثاني فقط شهدت "كوبر" إصابة 15 شخصًا وفق بيان الهلال الأحمر الفلسطيني، فضلاً عن اقتحامات لمنازل المنطقة ألفها أهل القرية، وطالما كانوا لها بالمرصاد، فلم يكن فعل الغلق بعد عملية حلميش جديد، لكن التصدي كان على قدر فعل الاحتلال من القوة، "نص ساعة تغلق القوات الطرق والشباب بيفتحوها تاني وترجع تتسكر تاني وهكذا طيلة الأيام" حسب قول "خليل" لـ"مصراوي".
في السادس عشر من أغسطس المنصرف، نفذت قوات الاحتلال قرار هدم منزل أسرة عمر العبد، واعتقلت الأب عبد الجليل العبد، والأم ابتسام، والأشقاء خالد ومنير وكذلك العم إبراهيم العبد، وأطلقت سراح الشقيق المعاق والشقيقة القاصر "الصورة غير واضحة حتى الآن الاحتلال بيحاول يلصق بهم تهمة أنهم كانوا يعلموا باللي قام به عمر" يقول العم، بينما يسخر من أمر المحتل، إذ نشر الشاب ذو التاسعة عشر عامًا وصيته على فيسبوك قبل قرابة ساعة ونصف من تنفيذ العملية "يعني إسرائيل بكل أجهزة مخابرتها ما كانت تعرف والعالم كلها عرفت أن عمر راح ينفذ عملية".
هدمت الجرافات منزل آل العبد، وتركت عليه لافتة مكتوبة بالعربية موجهة لسكان قرية كوبر، ممضية باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، وأما محتواها فيُقر أن الهدم نتيجة عملية الطعن، فضلاً عن التهديد لمن يساند من ذلك الفعل، وتم ختم الرسالة بقول "امتنعوا عن مساندة الإرهاب حفاظًا على املاككم وسلامتكم". وكان وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شطاينتس قال في 4 يوليو 2016 "يجب أن يدرك سكان القرى التي يخرج منها منفذو هجمات أنهم سيدفعون الثمن جميعًا"، وذلك بعد أن اتخذت الحكومة قرارات منها التحقيق مع عائلات منفذي العمليات في إذا ما حرضوا أبنائهم على ذلك.
تبلغ سياسة إسرائيل العقابية حد احتجاز جثامين منفذي العمليات في حالة استشهادهم فيما يعرف بـ"مقابر الأرقام"، ويشتد حدوث مثل تلك الأفعال فور عمليات الطعن أو التي تصيب أماكن تواجد الكيان الإسرائيلي، وهو ما يعتبره ناهض زقوت مدير مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق "أشد أنواع العقاب" الذي تستخدمه إسرائيل منذ احتلال الأراضي الفلسطينية.
ورصد مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق عام 2016، تصعيد سلطات الاحتلال لاعتدائها ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، إذ دمرت ما يقارب من 1023 منزلًا ومنشأة، بالإضافة إلى إخطارا لأكثر من 657 بناية ومنها بيوت عدد من الشباب الذين نفذوا عمليات ضد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، بالإضافة إلى زيادة الحواجز العسكرية المقيدة لحرية التنقل إلى 472 حاجزًا كما يقول "زقوت" مدير المركز.
وتتبع تقرير لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان "بتسليم" سياسة إسرائيل في "العقاب الجماعي"، وذكر التقرير المنشور في يناير 2011 إن الاحتلال انتهج عمليات هدم بيوت منفذي العمليات واقتحام القرى وغيرها منذ عام 1967 وحتى 2005ـ، وشهد أعلى معدل لها في الانتفاضة الثانية عام 2000، إذ أن نصف البيوت التي هدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي كانت في تلك الفترة كانت مجاورة للبيت الذي سكن فيه منفذ العملية، فيما غابت في الفترة بين عامي 1998 و2001 نظرًا لعودة إدارة عدد من المناطق في الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية وفق رصد التقرير الحقوقي.
http://www.btselem.org/arabic/punitive_demolitions/statistics
وحسب "بتسليم" تشمل سياسة الهدم كل ما تصفه إسرائيل بأعمال عنف ضدها، بداية من العمليات الانتحارية التي تخلف خاسر فادحة في صفوف الاحتلال وحتى المحاولة "الفاشلة"، ويمتد ذلك لهدم بيوت المتهمين بالضلوع في تنفيذ العمليات من تخطيط أو ارسال أو معونة. وفي رصد منذ الانتفاضة الثانية وحتى العام الحالي 2017، ذكر التقرير الحقوقي الإسرائيلي، أنه في الفترة من 2001 إلى 2005 هدمت إسرائيل 664 بيتًا بهدف العقاب، وشهد عام 2002 أعلى معدلات الهدم بلغت 252 منزلًا وفقد 1402 شخص لمكان سكنهم.
وتوقفت إسرائيل عن العقاب الجماعي بعد عام 2005، حين قام وزير الدفاع حينها شاؤول موفاز بتبني توصيات اللجنة العسكرية للتوقف عن تلك السياسة باعتبارها "ليست وسيلة مجدية لردع الفلسطينيين"، لتظهر بحدة مرة ثانية "في صيف 2014 بعد خطف وقتل ثلاثة طلاب مدرسة دينية على مفترق جوش عتسيون"، لكن عدد المنازل التي رصد المركز الحقوقي بلغ 4 منازل، فيما شهد العام الماضي 2016 هدم 23 منزلا بأمر عسكري وبيتين يحملا صفة الجيران، أما 2017 حتى الأن فتم رصد هدم منزلاً واحدًا وفق آخر تحديث في 8 أغسطس المنصرف.
"لا يوجد قانون محدد تستند عليه سلطات الاحتلال في ممارساتها العقابية" يقول "زقوت" الباحث الحقوقي الفلسطيني، مشيرًا إلى أن ما تتذرع بقانون الطوارئ الصادر فترة الانتداب البريطاني عام 1945 والذي رفضته الحركة الصهيونية حينها حسب قوله، لكنها طبقته بعد الاحتلال، 1945 بالإضافة إلى الأوامر العسكرية التي يصدرها الحاكم العسكري "وهي أوامر عشوائية تعتمد على الموقف لا قانون ثابت" كما يقول مدير مركز عبد الله الحوراني، الذي حال كثير من المراكز الحقوقية لا يملك سوى رصد وتوثيق انتهاكات الاحتلال وإيصالها للإعلام
فيديو قد يعجبك: