2009 والآن.. احتجاجات إيران في الميزان
كتبت- هدى الشيمي:
قالت وكالة أسوشتيد برس إنه منذ حوالي تسعة أعوام، تصاعدت وتيرة الغضب في إيران، وخرجت حشود ضخمة في مسيرات بشوارع العاصمة طهران وغيرها من المدن الكُبرى، يطالبون بالتغيير، في أول اضطرابات كبيرة تشهدها البلاد منذ قيام ثورة عام 1979 التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي.
وأوضحت الوكالة في تقرير نشرته الأربعاء أن الإصلاحيين أشعلوا فتيل الغضب في البلاد، ونددوا بنتيجة انتخابات 2009، والتي فاز فيها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وما لبثت إلى أن تحولت الاحتجاجات إلى مظاهرات ضد الاضطهاد السياسي والفساد المنتشر في البلاد، وعُرفت بعد أشهر قليلة باسم "التحرك الأخضر".
وبحسب الوكالة، فإن المُرشد الأعلى أية الله خامنئي أثبت في النهاية أن نظامه وحشي، واستطاع عن طريق الحرس الثوري الإيراني ومليشيا "الباسيج" التصدي للمتظاهرين، فأطلقوا الرصاص على المسيرات، وشنّوا حملة اعتقالات واسعة النطاق، وقتُلوا العشرات، وسجنوا وعذبوا كثيرين، ووُضع قادة الحركة تحت الإقامة الجبرية.
الآن تشهد إيران احتجاجات مشابهة لتلك التي حدثت عام 2009، إلا أن هذه المرة تبدو المظاهرات أكثر عفوية. بدأت الاحتجاجات الخميس الماضي في مدينة مشهد ثاني أكبر المدن الإيرانية، ضد ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية، والوقود، وتسببت في مقتل حوالي 21 شخصًا، واحتجاز المئات.
استعرضت أسوشيتيد برس ملامح التشابه والاختلاف بين "التحرك الأخضر" والاحتجاجات الحالية، في محاولة لتوقع ماذا سيحدث فيما بعد.
من هم المتظاهرون؟
في عام 2009، تضخمت المظاهرات وزاد أعداد المشاركين فيها في غضون أيام، ليتحولوا من المئات إلى الآلاف، وركزوا جهودهم في المدن الأساسية الكُبرى، وعلى رأسها طهران، تبريز، أصفهان وشيراز.
أما الاحتجاجات الحالية فانطلقت في المدن والولايات متوسطة الأهمية، وعدد المتظاهرين أقل، وحتى الآن لم تصدر احصائيات بأعدادهم الحقيقية، إلا أنهم لم يزيدوا عن المئات، وفي بعض المناطق ألف أو ألفين، إلا أن الاحتجاجات انتقلت إلى مدن ومناطق أكثر من تلك التي وقعت بها عام 2009.
رفض النظام
ربما تكون الأسباب الحقيقية لبدء الاحتجاجات الحالية هي سوء الأحوال الاقتصادية والفساد، إلا أن المحتجين أعلنوا صراحة، وبعد فترة وجيزة رفضهم للنظام الحكام، ورددوا هتافات مناهضة للرئيس الإيراني حسن روحاني وخامنئي، ولم يعد الأمر يقتصر فقط على المطالبة بإجراء اصلاحات.
في عام 2009، كانت طلبات المتظاهرين الأساسية هي إعادة الانتخابات بين نجادي والإصلاحي مير حسين موسوي، وبقت مطالبهم سياسية، ودعا بعضهم إلى إنهاء نظام حكم خامنئي، ثم أكد قادة الحركة أنهم لا يهدفون إلى إسقاط النظام.
وتُظهر مقاطع فيديو متداولة الآن المتظاهرين يرددون عبارات مثل "الموت للديكتاتور"، ويطالبون بإنهاء نظام الملالي الحاكم، ويتحدون المرشد بشكل مباشر، لأول مرة، منذ عام 1979.
القيادة
تولى السياسيون الإصلاحيون قيادة التحركات عام 2009، ومن أبرزها قادتها كان الرئيس السابق محمد خاتمي، والرئيس الموقوف موسوي، وغيرهم من السياسيين البارزين الذين دعوا إلى الانفتاح على العرب، والحصول على المزيد من الحريات، ما أعطى الاحتجاجات قاعدة ارتكز عليها المتظاهرون، وساهم ذلك في زيادة عددهم.
أما الآن، فلم يتضح من هو قائد هذه المظاهرات والتي انتشرت في كل مكان تقريبا، ويؤكد الناشطون ومؤيدو المظاهرات أن الاحتجاجات تحتاج إلى قائد، وأن التحركات الحالية ما زالت تفتقر إلى قيادة.
الإصلاحيون والمتشددون
في عام 2009، كان المتشددون هم المسؤولون عن السلطة، وتسببت سياسات أحمدي نجاد في حشد المعارضة، أما روحاني الذي يُنظر إليه باعتباره مُعتدل إلى حد ما، وصل إلى السلطة بأصوات الإصلاحيين.
يشعر بعض الأشخاص الذي منحوا روحاني أصواتهم أنه فشل في تنفيذ وعوده بتحقيق الإصلاحات الاقتصادية، رغم توقيعه اتفاق نووي مع الدول الست الكُبرى عام 2015.
وإذا شعر عدد أكبر من المواطنين بخيبة الأمل من النظام الحالي، فستزداد حدة المظاهرات وربما تتجاوز احتجاجات 2009، وفي المقابل، يتردد البعض في المشاركة في الاحتجاجات ويروا أن تفاقم الوضع سيقود إيران إلى المجهول، وأنه من الأفضل أن يحققوا مكاسب تحت حكم روحاني.
تويتر سابقا.. والآن تليجرام وواتساب
أصبحت ندى أغا سلطان أيقونة لاحتجاجات عام 2009، بعد مقتلها برصاص القوات في طهران، وتداول ناشطون مقطع فيديو مقتلها على تويتر، والذي كان الأكثر استخدامًا في البلاد وقتذاك.
كانت وسائل التواصل الاجتماعي وقتذاك، حديثة الولادة، إذ أطلق تويتر قبل ثلاثة أعوام من بدء الاحتجاجات، وفيسبوك انطلق قبله بفترة وجيزة، وامتلك حوالي مليون إيراني هواتف ذكية ذلك الوقت.
إلا أن الأوضاع تغيرت كثيرا الآن، إذ يملك حوالي 48 مليون إيراني هواتف ذكية، أي ما يزيد عن نصف مُعدّل تعدادها السكاني. وزادت أعداد مُستخدمي تطبيقات التواصل الاجتماعي، ولم يعد يقتصر الأمر على تويتر فقط، بل أصبحوا يستخدمون تطبيقات المراسلة واتساب وتليجرام، واستخدموا التطبيق الأخير في تنظيم المسيرات وحشد المواطنين.
المشهد العالمي
أصبح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عنصرا غير متوقع في المظاهرات الحالية، وانتقد ترامب موقف خليفته باراك أوباما من احتجاجات 2009، ووصفه بـ"الضعيف"، لاسيما وأن معارضي الرئيس السابق انتقدوه على عدم دعم المتظاهرين آنذاك، ومساعدتهم على الإطاحة بالنظام.
إلا أن ترامب يواجه نفس التساؤل الذي واجهه قبله أوباما وهو: "إلى أي مدى تستطيع أمريكا التأثير على ما يجري في إيران؟"، وحتى الآن قال الكثير من المحللين إن التقارب بين الرئيس الأمريكي والمتظاهرين سيؤثر سلبا على الاحتجاجات ويُسيء إلى المتظاهرين الإيرانيين.
فيديو قد يعجبك: