هل تفقد أمريكا مصداقيتها بسبب تغريدات ترامب؟
كتب - هشام عبد الخالق:
قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن الرئيس دونالد ترامب هاجم عددًا من الدول عبر تويتر خلال عامه الأول من الرئاسة، محرضًا المتظاهرين على الإيقاع بالحكومة الإيرانية، ومهددًا بضرب كوريا الشمالية، وداعيًا إلى تقليل المساعدات المقدمة للفلسطينيين، وقد بدأ عامه الجديد كما أنهى العام السابق.
وتابعت الصحيفة، أثبتت تغريدات ترامب عن العلاقات الخارجية أمرين: الأول، مدى انحرافه عن الطريقة التقليدية التي اتبعها الرؤساء سابقًا في علاقاتهم الخارجية وتعامله المنفرد مع الدبلوماسية، الثاني، عدم التزام ترامب بكلماته إلا في حالات نادرة، في الحقيقة، بعد انقضاء حوالي عام على رئاسة ترامب، مازال العالم يحاول أن يتبين ما إذا كان ترامب رجل أقوال وليس أفعال.
وأضافت الصحيفة أن الدول ما زالت غير واثقة هل تأخذ كلماته على أنها تعهدات سياسية، أم تتجاهلهم وهي مطمئنة من عدم وجود رد فعل، وإذا كانت تهديدات ترامب جوفاء، ماذا يعني هذا بالنسبة للمصداقية الأمريكية؟ ففي سلسلة من التغريدات يوم السبت الماضي، رد ترامب على الأسئلة المشككة في قواه العقلية واصفًا نفسه بـ "شخص عبقري".
كرر ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، بعضًا من تغريدات ترامب التي تظهر رغبته في القتال والحرب، وقال: "هذا هو قائدنا، فكّروا في الأمر"، وتابع هاس، في تغريدة على تويتر، كلمات الرئيس الأمريكي مهمة للغاية، لهذا تُعد تغريدات الرئيس جرس إنذار، فالمسألة ليست فقط السياسة المشكك فيها في بعض الأحيان، بل الحكم والانضباط المشكوك في صحتهما".
وقال هاس، خلاصة الأمر أنه يجب التعامل مع تغريدات الرئيس الأمريكي مثل البيانات التي يصدرها البيت الأبيض، خشية أن يتم تقليل قيمة ما يقوله الرئيس بعد ذلك.
وأضافت الصحيفة، قللت تغريدات ترامب من قيمة ما يقوله الرئيس بالفعل، مما دفع آر نيكولاس بيرنز، الدبلوماسي والسفير السابق لدى الناتو، الذي يدرس في جامعة هارفارد، للقول: "هذه تغريدات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك هي مهمة".
وقال بيرنز: "حتى عندما يكون ما يقوله الرئيس صحيحًا، مدافعًا عن المظاهرات الإيرانية، أو معارضًا للتجارب النووية الصاروخية، يستخدم بعض العبارات الزائدة أو بعض الاعتراضات التي تقوض المصداقية الأمريكية، ومن الصعب أن تفوز بها مرة أخرى، حيث يشاهد الجميع من حلفاء وأعداء رأيك في تلك الموضوعات".
وأشار بيرنز إلى قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، حتى لو تم تأخيره، فمثل هذا القرار كسر سنوات من التوافق السياسي الدولي، والذي دعا إلى أن يتم حل مشكلة القدس في مفاوضات السلام.
وتابع بيرنز أنه عندما تغير وضع مدينة القدس من جانب واحد، ولا تحصل على شيء من إسرائيل، وتغضب الفلسطينيين وتتحدى العالم ثم تخسر، فهذا مثال كارثي على قلة مصداقية الولايات المتحدة.
وقال مسؤول أوروبي بارز، طلب عدم ذكر اسمه، أن الوضع في القدس مزعزع للاستقرار، وأنه جاء في الوقت الذي لا يحتاجه الشرق الأوسط والعالم.
بالنسبة لكوريا الشمالية، وعلى الرغم من تهديدات ترامب على تويتر، إلا أن بيونج يانج لم ترتدع وواصلت إجراء تجارب صواريخها العابرة للقارات، ولم تُعطِ أي مؤشر على أنها ستوافق على نزع أسلحتها النووية مقابل إجراء محادثات مع واشنطن، ولكنها بدلًا من ذلك وافقت على إعادة فتح المفاوضات مع سيول.
باكستان تختلف قليلًا، حيث كتب ترامب في أول أيام العام الجديد عبر تويتر "الولايات المتحدة وبحماقة، أعطت باكستان أكثر من 33 مليار دولار من المساعدات في السنوات الـ 15 الأخيرة، في حين لم يعطونا سوى الأكاذيب والخداع"، ومتهمًا إياهم بتوفير ملاذ آمن للإرهابيين في أفغانستان.
لم يؤدِ مثل هذا الاتهام سوى لتأجيج الغضب في إسلام آباد، والذي أدى أن تمدح الصين الحرب الباكستانية ضد الإرهاب، ووافقت باكستان بعد ذلك على استخدام العملة الصينية في الصفقات التجارية، لتعزيز التجارة الثنائية بين البلدين.
وقال المحلل الأمني الفرنسي فرانسوا هيزبرج: "إن ما فعله ترامب، يدفع باكستان نحو علاقات ثنائية حصرية مع الصين".
ويعتقد البعض، أنه لا يجب أن تؤخذ تغريدات ترامب "بجدية"، ويقول دانيال هاميلتون، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير مركز العلاقات عبر الأطلسي في جامعة جونز هوبكنز، إن ترامب يستخدم مثل هذه التغريدات ووسائل التواصل الاجتماعي لتأمين قاعدته السياسية، وسواء كانت هذه التغريدات يتم إدراجها في السياسات الداخلية للدولة، فهذه قصة مختلفة تمامًا".
ويتابع هاميلتون، "لا نستطيع ببساطة تجاهل تغريدات ترامب الرئاسية، ولكن الهدف منهم ليس الإعلان عن الخطط السياسية اليومية، فترامب يعرف جيدًا تأثيرهم وتوقيتهم، وعندما ينشر تغريدة في الصباح، يعلم أن وسائل الإعلام سوف تعمل عليها طوال اليوم".
بيري فيمونت، السفير الفرنسي السابق لدى واشنطن ومساعد كبير سابق لمدير السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، قال: "قد لا يأخذ حلفاء الولايات المتحدة تغريدات ترامب على أنها تمثل الخطط السياسية الأمريكية، ولكنها مازالت تمثل ارتباكًا كبيرًا، وحتى في الأمثلة التي يتفق عليها الجميع - مثل الخطر الذي تمثله كوريا الشمالية - فنحن نواجه وقتًا صعبًا في تحديد السياسة الحقيقية لواشنطن".
وأضاف "هناك اختلافات واضحة بين القادة الأوروبيين حول قضايا التغير المناخي، التجارة الثنائية، والقدس، ولكن حتى القضايا التي نتفق عليها جميعًا مثل سوريا وأوكرانيا، نواجه صعوبة في تحديد موقف القيادة الأمريكية، وما الذي يتطلعون إليه".
وقالت الصحيفة: "في قضية إيران على سبيل المثال، يتفق العديد من الأوروبيين مع المظاهرات ضد الحكومة الإسلامية، ولكنهم يعتقدون أن دعم ترامب الكامل لهم على تويتر، يساعد المتشددين ويضر المعتدلين، حيث يتحد الأوروبيون سويًا محاولين الحفاظ على الحوار مع إيران وكذلك الصفقة النووية، والتي يقول البعض عنها أنها يجب تحسينها ولكن إبقاءها منفصلة عن القضايا الأخرى."
ليزلي فينجاموري، من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، قالت: "تشكل تغريدات ترامب كيفية الرد عليها، فإذا كانت فيما سبق موجهة نحو قاعدته الجماهيرية، فإنها تبدو الآن طريقة لترامب للصراخ نحو العالم، فبطريقة ما، ترامب مُتوقع، عاطفيّ، ضال، ولكنه ليس ثابت على مبدأ، ولا يستطيع أحد تجاهل تغريدات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية".
فيديو قد يعجبك: