"خرج ولم يعد": موسى الصدر... ذهاب إلى ليبيا بلا عودة
كتبت – سارة عرفة:
لم يكن الإمام موسى الصدر ولا أتباعه يعلمون أن زيارته إلى ليبيا في سبعينات القرن الماضي ستكون بلا عودة أو أثر.
بات اختفاء الإمام لغزا حير كثيرين طيلة تلك العقود، حتى أن الانتفاضة الليبية في 2011 التي أطاحت بالزعيم الليبي معمر القذافي وحكمه لم تنجح في حل ذلك اللغز كما حلت لغز السياسي الليبي منصور الكيخا الذي اختفى في تسعينات القرن الماضي وظهرت جثته في 2012 في مكان تابع لاستخبارات القذافي.
اقرأ ايضا:
"خرج ولم يعد": رزان ورفاقها.. خمس سنوات من المصير المجهول
"خرج ولم يعد": خاشقجي.. صديق "بن لادن" الذي حيّر اختفاؤه العالم
ذهب الصدر إلى ليبيا في أغسطس 1976 بدعوة من القذافي لحضور عيد ثورة الفاتح من سبتمبر. قضى خمسة أيام في ضيافة العقيد. غير أنه في 31 أغسطس من ذلك العام اختفى عن الأنظار بعد أن خرج برفقة الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين من فندق الشاطئ في العاصمة الليبية.
لم يعرف مصير الصدر ورفيقيه حتى كتابة هذه السطور.
النشأة
ولد الصدر في مدينة قم الإيرانية في 4 يونيو 1928 لعائلة من أصول لبنانية يتوزع أفرادها ما بين العراق وإيران، معقل الطائفة الشيعية.
اسمه موسى صدر الدين إسماعيل الصدر، درس الحقوق والعلوم الشرعية في العاصمة الإيرانية طهران. كان الصدر أول "معمم" يتلقى العلوم الحديثة في جامعة طهران التي تخرج منها سنة 1953، بحسب الموقع الخاص بالصدر.
انطلق الصدر بعد ذلك إلى مدينة النجف العراقية في جنوب غرب العاصمة بغداد. أكمل دراسته الشرعية هناك تحت رعاية وإشراف المرجع الشيعي الإمام محسن الحكيم الطباطبائي.
بعد أن قضى عدة سنوات في النجف، عاد أدراجه إلى قم. هناك أسس واخرون مجلة "مكتب إسلام" وتولى رئاسة تحريرها، وهي تعد أول مجلة ثقافية إسلامية صدرت في الحوزة العلمية في مدينة قم.
لبنان
استمر الصدر في قم حتى مبلغ الثلاثينات من عمره، ثم انتقل إلى لبنان ليصيح أعلى قيادة دينية شيعية في ذلك البلد الصغير القابع على شواطئ المتوسط.
كان انتقال الصدر إلى لبنان في 1959 بناءً على طلب من أسرة المرجع الشيعي اللبناني آن ذلك عبد الحسين شرف الدين الذي انتقل إلى رحاب ربه في 1957، تاركا وصية طلب فيها أن يخلفه الصدر.
لم يكن من المرجع الشيعي الإيراني آنذاك حسين البروجردي إلا أن يمتثل لموصية نظيره اللبناني، وطلب من الصدر الذهاب إلى لبنان.
اتخذ الصدر من مدينة صور الساحلية ذات الأغلبية الشيعية التي تبعد نحو 70 كيلومترًا جنوب العاصمة بيروت، مستقرًا له، وقد منحه الرئيس اللبناني آنذاك فؤاد شهاب الجنسية اللبنانية.
انتخب الصدر في 1969 رئيسًا للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ودعا إلى توحيد الشعائر الدينية بين المذاهب الإسلامية (السني والشيعي)، كما سافر في جولات خارجية إلى أفريقيا وأسيا وأوروبا وشارك بفعالية في مؤتمرات إسلامية عديدة.
لم يكن الصدر بعيدا عن القضية الفلسطينية، إذا حذر في ستينات القرن الماضي من الخطر الصهيوني المتزايد وأكد دعمه للمقاومة الفلسطينية لتحرير الأرض المغتصبة.
ولما كانت الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني متكررة، دعا الصدر في 1970 إلى الوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي وطالب بتسليح مواطني الجنوب وتدريبهم للدفاع عن أرضهم والصمود. وأسس مع زعماء الطوائف اللبنانية الأخرى "هيئة نصر الجنوب" للوقوف في وجه العدوان الإسرائيلي.
الاختفاء أو الإخفاء
عندما اجتاح الاحتلال الإسرائيلي لبنان في 1978، انطلق الصدر في جولة عربية التقى خلالها بعض الزعماء العرب لبحث كيفية مواجهة العدوان الإسرائيلي.
كانت ليبيا من بين تلك الدول العربية التي شملتها جولة الصدر. وصلها في 25 أغسطس بدعوة رسمية من الزعيم الليبي وقتها معمر القذافي، وكان يرافقه الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين.
في ظهر 31 أغسطس، انقطع الاتصال بالصدر ورفيقيه، وبات مصريهم مجهولا حتى الآن.
قالت السلطات الليبية إن الصدر غادر طرابلس متجها ورفيقه إلى إيطاليا. ورغم أن حقائب الشيخ محمد يعقوب وجدت في أحد فنادق العاصمة روما إلا أن السلطات القضائية في إيطاليا ولبنان كذبا المزاعم الليبية بعد تحقيقات مطولة ونفت دخول أي من الثلاثة (الصدر ويعقوب وبدر الدين) موانئ إيطاليا البحرية والبرية والجوية.
حمل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان القذافي المسؤولية عن "إخفاء الصدر ورفيقيه." وفي أغسطس 2008، وجه القضاء اللبناني اتهاما إلى الزعيم الليبي بالتحريض على "خطف" الصدر بما يؤدي إلى "الحث على الاقتتال الطائفي."
في 2011، أكد الرائد عبد المنعم الهوني، شريك القذافي بثورة الفاتح من سبتمبر، في مقابلة مع صحيفة الحياة اللندنية، أن الصدر "قتل خلال زيارته الشهيرة إلى ليبيا" وأنه دفن في منطقة سبها في جنوب البلاد، دون أن يقدم أية أدلة تدعم مزاعمه.
ونقلت تقارير صحفية لبنانية في 2015 عن هنيبغل، ابن القذافي، قوله إن عبد السلام جلود، الرجل الثاني في نظام القذافي والمرجح تواجده في إيطاليا حاليا، هو من دبر اختفاء أو إخفاء الصدر. وقال من يملك الرواية الكاملة لقضية الصدر شقيقاه، المسجون فى ليبيا سيف الإسلام القذافي، والمعتصم الذي قتل مع والده على يد مسلحين ليبيين في أغسطس 2011.
وزعم ابن القذافي أن أبيه بريء من خطف الصدر ورفيقيه، وإن حمله مسؤولية مدنية كون من دبر العملية مسؤول رسمي في نظامه.
فيديو قد يعجبك: