نيويوركر تُلخص كفاح المرأة في قصة "رانيا".. أن تكوني سيدة عاملة في مصر
كتب - سامي مجدي:
اهتمت مجلة "نيويوركر" الأمريكية بالتقدم الذي أحرزته المرأة المصرية في مجال العمل وكذلك جهود الحكومة في تطبيق المساواة بين الجنسين في أماكن العمل في السنوات الأخيرة.
استهلت المجلة العريقة، أمس الخميس، تقريرها المطول الذي كتبته ليزلي تشانغ، التي تؤلف كتابًا عن المرأة العاملة في مصر، بقصة عاملة في مصنع نسيج في محافظة المنيا جنوب القاهرة.
العاملة تدعى رانيا وعمرها 22 سنة وترتدي الحجاب وهو ما يجعل وجهها عبارة عن دائرة صغيرة حتى أنها تبدو أصغر من عمرها. وهي كانت متزوجة لكنها تعيش منفصلة عن زوجها منذ أن بدأت العمل في مصنع دلتا للنسيج في مدينة المنيا قبل ثماني سنوات.
حققت رانيا تفوقًا في عملها في مصنع النسيج حتى باتت مشرفة جودة فيه بعد أن دربتها إحدى الخبيرات الأجنبيات اللاتي استعان بهن المصنع.
يطلقون على "رانيا" لقب "ست بميت راجل"، وحصلت على جوائز شهرية عديدة نظرًا لتفانيها في العمل.
تقول كاتبة التقرير إن رانيا تتحرك في طابق الإنتاج في المصنع وكأنها في بيتها.
في صيف 2016، دعا المسؤولون التنفيذيون في الشركة إلى اجتماع في المصنع للموظفين، وأعلنوا أنهم يخططون لتوظيف أول مدير إنتاج محلي (من مصر) في المصنع، يمكنه الإشراف على مجموعة من عشرة خطوط تجميع. كان هذا المنصب في السابق حكرًا على الرجل الأجنبي، لكن جميع من حضر الاجتماع وجهوا أنظارهم على الفور إلى رانيا.
يقول التقرير إن الرئيس التنفيذي للشركة في مصر، إيان روس، أبلغ رانيا قبل الاجتماع بأنهم يدرسون توليها هذا المنصب. وحذرها من ألا تفتعل مشكلات مع المشرفين الآخرين، الذين كانت تكافح ضدهم في بعض الأحيان.
ردت رانيا ببرود: "أنا لا أفتعل أية مشكلات... " لكن في داخلها كانت تشعر بالفرح والفخر. وبداخلها تصميم على أن تثبت للجميع أنها بإمكانها أن تكون أول مديرة إنتاج في مصنع صغير مصر.
قالت "نيويوركر" إن مصر حققت بعض التقدم نحو المساواة بين الجنسين في السنوات الأخيرة، مضيفة أن البنات والأولاد يلتحقون الآن بالمدارس بأعداد متساوية، وأعداد الخريجات من الجامعات المصرية تفوق أعداد الخريجين. كما أن النساء يتزوجن في سن أكبر من ذي قبل ولديهن أعداد أقل من الأطفال عما كان عليه الأمر قبل عقدين من الزمن.
غير أن هذه المكاسب، لم تدفع المرأة إلى سوق العمل. تقول المجلة إنه في مقابل كل امرأة مصرية تعمل هناك أربعة باقيات في العمل؛ إذ ظلت نسبة المرأة في قوة العمل في مصر ثابتة طوال عقدين من الزمان، من بين تلك المجموعات تلك اللاتي يحملن شهادات جامعية: فأعدادهن في قوة العمل قد انخفض.
تورد "نيويوركر" دراسة للبنك الدولي في 2004. في الدراسة يُقدر البنك أنه إذ عملت النساء في الشرق الأوسط بنفس المعدلات التي يعمل بها أقرانهن في أجزاء أخرى من العالم، فإن متوسط دخل الأسرة سيرتفع بنسبة تصل إلى 25 في المئة، وهو ما يكفي لانتشال العديد من الأسر من الفقر. ومع ذلك، قدر البنك أيضا أنه عند المعدل الحالي للزيادة في توظيف الإناث، فإن الأمر سيستغرق في المنطقة مائة وخمسين عاما للحاق ببقية العالم.
تتحدث المجلة عن المورث الشعبي في منطقة الشرق الأوسط الذي يقف ضمن العوائق العديدة أمام فكرة عمل المرأة. تقول "نيويوركر" إن مقاومة عمل المرأة في أجزاء كثيرة من المنطقة تتركز على فكرة كرامة الرجل؛ فعندما تخرج المرأة إلى العمل، ففي الغالب ينظر إلى ذلك الأمر على أن زوجها لا يهتم بها.
وأشارت المجلة إلى أن الزواج ينطوي على مسؤوليات واضحة ومتكاملة؛ فالرجل يدعم زوجته ويعيلها، وهي بدورها تطيعه. كما أن المرأة التي تترك بيتها أو تعمل بدون اذن زوجها تعد "ناشز"، ويضيع حقها في دعم زوجها لها مالياً وفقًا للقانون المصري.
هناك عوائق أخرى أمام المرأة الراغبة في العمل؛ فالكثير من النساء يترددن في السفر بعيدًا عن المنزل في وسائل النقل العام خوفًا من التحرش الجنسي، ولا يرغبن في قضاء الأيام في أماكن عمل صغيرة أو محلات تجارية حيث الاتصال وثيق مع زملاء العمل من الذكور والغرباء، بحسب "نيويوركر".
تقول المجلة إن النساء يفضلن مغادرة العمل في وقت مبكر حتى يصلن بيوتهن في وقت مناسب لطهي الطعام. يقول راجل أسعد، الخبير الاقتصادي في جامعة مينيسوتا الأمريكية، ويدرس العمل والتطوير، إن الأمر "لا يتعلق بالأجر، بل بظروف العمل. لو تم تحسين ظروف العمل فالنساء على استعداد للعمل بأعداد كبيرة. لكن إذا لم يتم ذلك، فهناك قلة على استعداد للعمل".
لفتت المجلة إلى أنه في ستينات وسبعينات القرن الماضي عندما ضمنت سياسات الحقبة الناصرية توظيف كل خريجي الجامعات، انضمت المرأة إلى القوة العاملة بالملايين. لكن القطاع العام، الذي لا يزال يوظف نصف القوة العاملة من النساء - كإداريات ومدرسات وممرضات وقائمات بأعمال كتابية – يتقلص منذ عقدين من الزمان. والقطاع العام الذي يتطلب في العادة ساعات عمل أطول وعوائد ومميزات أقل، لا يحبذ عمل المرأة.
وتُشير المجلة إلى كلا من الصين والهند، حيث بنت الدولتان قطاعات تصنيع تهمين عليها العاملات. إلا أن الوضع مختلف في مصر؛ فالصناعات صاحبة النمو الكبير، مثل النفط والسياحة والإعمار والنقل، كلها تحت شبه هيمنة من الرجال.
من بين المصاعب التي تواجه المرأة المصرية التي تريد النزول إلى سوق العمل، إقناع الأهل برغبتها تلك. تقول كاتبة التقرير إن جميع النساء تقريبا اللائي التقت بهن في مصنع الدلتا للنسيج كان علينهم إقناع الأب أو الزوج حتى يسمح لها بالعمل هناك، مضيفة أنه لو أن امرأة شعرت بالتعب أو مرت بيوم سيء فهناك في الأغلب في منزلها من سيقول لها اتركي من العمل.
"ما الذي يمكن أن تفعله المرأة عندما لا يكون القانون أو الحكومة من يقف في طريقها ولكن الناس الذين يحبونها أكثر هم من يفعلون ذلك؟"، تحدثت الكاتبة أيضا عن مظالم المرأة المصرية خاصة في الصعيد والريف، من خلال سرد قصة رانيا التي تزوجت في السادسة عشر من عمرها من شخص يدعى ياسر بضغط من أبيها. رغم أنها لم تكن تحبه، لكنها وجدت في الزواج فرصة للهروب من زوجة ابيها التي تزوجها بعد أن طلق أم رانيا التي لم تحضر زفاف ابنتها، إذ تقول العادات والتقاليد أن المرأة المطلقة لا تدخل بيت طليقها.
أنجبت رانيا طفلين. ولم يكن زواجها سعيدًا إذ كانت بين الحين والآخر تعود إلى منزل أبيها لأشهر غاضبة من زوجها. تزوج ياسر من امرأة أخرى غير رانيا. اسمها أسماء وتعيش في الطابق الثاني من نفس المنزل. تقول رانيا إن الأمر كان "صعبًا"، لكنها عادت من أجل طفليها.
وفي مرة من المرات التي كانت فيها في منزل أبيها بدأت رانيا العمل في مصع دلتا للنسيج.
تحدثت "نيويوركر" عن شركة دلتا المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي-أمريكي ومقرها الرئيسي في تل أبيب وهي تصنع الملابس والقطع الداخلية لعلامات تجارية مثل تومي هالفيجير وكالفين كلاين. تقول المجلة إن الشركة أسست أول مصنع لها في مصر عام 1996، في إشارة إلى الصداقة العربية - الإسرائيلية.
على مدى سنوات؛ نما الاستثمار وبات هناك ستة مصانع للحياكة والصباغة والتقطيع والخياطة. لكن بناء الصداقة بين العرب وإسرائيل كان أصعب، بحسب المجلة. فرغم أن مصر وقعت على معاهدة سلام مع إسرائيل في 1979، إلا أن معظم الناس العاديين في مصر يعارضون إسرائيل. لذا الفرع المصري من مصنع دلتا خفض من نسبة اليهود فيه، ولا يعرف الموظفون من يملكه أو أن المصنع منعت الموظفين من الحديث عن مالكه.
تطرقت "نيويوركر" أيضا إلى مصر القديمة التي كانت تشتهر بالحرية الممنوحة للمرأة الفرعونية. يقول المؤرخ الإغريقي هيرودوت: "ليس المناخ المصري هو وحده المميز في تلك البلاد والنيل المختلف في سلوكه عن بقية الأنهار الأخرى، لكن المصريين أنفسهم... بالضبط عكس الممارسات الشائعة للبشر. على سبيل المثال، المرأة تذهب إلى الأسواق والتجارة، بينما يجلس الرجال في المنزل وينسجون".
كما أن المرأة المصرية منذ أربعة آلاف سنة كان لها نفس الحقوق القانونية كما الرجال، وكانت تتمتع بحريات أكثر بكثير مما تمتعت به المرأة في أي مكان اخر في العالم القديم. فالمرأة المصرية كان بإمكانها العيش مستقلة والتوقيع على زواجها وشراء وبيع الأراضي وتقديم دعوى قضائية أو دعوى طلاق، وتترك ممتلكاتها لم ترغب.
وتظهر جدران المعابد الفرعونية المرأة وهي تنسج الملابس وتبيع الخضروات في الأسواق. كما أن المرأة يمكن أن تكون حاكمة مثل حتشبسوت التي قادت مصر في فترة الازدهار في القرن الخامس قبل الميلاد، ونفرتيتي التي شاركت زوجها أخناتون في الحكم.
تقول المجلة إن الكثير من تلك الحقوق والحريات ضاعت هباء مع وصول اليونانيين واستعمارهم مصر القديمة في القرن الرابع قبل الميلاد.
أيضًا في صدر الإسلام، الذي جاء إلى مصر سنة 640، كانت مكانة المرأة بارزة، كما أن القرآن أكد على المساواة بين الرجل والمرأة في القيمة الروحية وفي الالتزامات، لكن هناك أمور أخرى لم يساوي فيها مثل شهادة الرجل التي تعادل شهادة امرأتين، والأنثى التي ترث نصف الذكر.
غير إنه بمرور الزمن بات ينظر إلى المرأة على أنها في درجة أدنى من الرجل. وظهرت ممارسات مثل الحجاب والفصل بين الجنسين، بحسب المجلة.
تحدثت المجلة أيضا عن الاقتصاد المصري في العصر الحديث حيث قيدت الكثير من الحريات التي كانت ممنوحة للمرأة. وقالت إن اقتصاد التصنيع الحديث، الذي كان يهدف إلى تصدير المنتجات إلى أوروبا، أدى إلى تدمير الصناعات المنزلية التي كانت تشغل الكثير من النساء. وسمح فقط للرجال فقط في المصانع التي تستخدم الطاقة البخارية وتلقي التدريب على الآلات المتقدمة.
وقالت "نيويوركر" إن الاستعمار –الفرنسي ثم البريطاني- دفع المجتمع في اتجاه محافظ. ومُورست عادات الحجب والعزلة على نطاق أوسع، كما أن تدوين قوانين الأسرة اختصر الحقوق التي كانت تتمتع بها المرأة في وقت سابق. وفي الوقت المناسب، تم محو التقاليد الحيوية والمتباينة لمشاركة المرأة في الحياة العامة، حتى بات الناس يفترضون النساء كن دائماً يعشن تحت قيود شديدة.
تشير المجلة إلى أن المجتمع المصري محافظ في أغلبه -وهناك شكوك في العالم الخارجي وتأثيراته-، فالمرأة التي تخرج إلى العمل عليها أن تثبت لأسرتها أنها بنت مطيعة وربة منزل ممتازة ومسلمة ورعة. وجاءت ثوة يناير 2011 بلحظة انتصار للمرأة، إذ احتج الرجال والنساء معا، لكنهم فشلوا في إحداث التغيير في المؤسسات المحافظة، وعلى رأسها العائلة المصرية. فما زال الآباء يفضلون أبنائهم الذكور، وعلى المرأة أن تطيع زوجها حتى إن اختلفت معه. قد تخرج المرأة إلى العالم، وتجد عملاً، وتكسب المال، وتطور مهارات لم تتخيلها أبدًا. ولكن قد لا تتغير قوتها ووضعها في المنزل على الإطلاق إذا لم تقدر عائلتها هذه الأمور.
تقول فاطمة متولي، التي تدير منظمة غير حكومية محلية للمرأة، "كنساء، لا نشعر أبدا بالاستقلالية إلا إذا خرجنا للعمل. نشعر بأن لنا قيمة ومكانة اجتماعية. وأن لدينا خيارات في الحياة."
تحكي نيويوركر أيضا عن مناقشة حامية بين مدير الموارد البشرية في المصنع، محمد حنفي، والعاملات الجدد. كان حنفي يستعرض شروط العمل: ثماني ساعات في اليوم منها نصف ساعة راحة لتناول الغداء، والعمل ستة أيام في الأسبوع براتب يبدأ بـ650 جنيها مصرياً في الشهر. وتوفر الشركة وسيلة انتقال مجانية وتأمين صحي.
وصفت الكاتبة النقاش الساخن بين حنفي العاملات الجدد الذي طرحوا السؤال تلو الاخر حتى بات من الصعب تخيل أن أولئك النسوة جلسن في بيوتهن كل تلك الفترة.
سألت امرأة ترتدي حجابًا أسود: "لو أن امرأة لديها أطفال في الحضانة، كيف تغادر منزلها في السادسة والنصف صباحا؟"
ردت "فاطمة" أن "على كل واحدة أن تدبر حياتها وتدير وقتها،" وسط حالة من الجدال حول توقيت بدء العمل.
من بين الأسئلة الأخرى التي طرحت في النقاش:
• هل سنتلقى رواتب خلال فترة التدريب؟
• ماذا عن المعاملة؟ لأن بعض الناس يعاملوننا بشكل سيء.
•بعضنا لم يعمل من قبل. لو أن واحدة منا لم تكن تعرف كيفية لضم إبرة الخياطة، هل ستصرخون في وجهها؟
•ماذا لو كنت حامل في الشهر السادس؟
تحدثت الكاتبة مع ربة منزل تدعى نادية محمود، وعمرها 21 سنة، وترتدي النقاب وهي التي طرحت سؤال الحمل. لدى نادية طفل في الثالثة من عمره وليس لديها أي خبرة في العمل، لكنها مصممة على العمل لدى "دلتا". قالت السيدة "سوف أحاول أن أقنع زوجي الليلة، ثم أعمل حتى أضع طفلي".
قالت الكاتبة إن أحدًا من الرجال لم يحضر الاجتماع، لكن هؤلاء الرجال هم من بيدهم قرار خروج زوجاتهم وبناتهم إلى العمل.
لقراءة النص الأصلي... اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: