سليمة مُراد.. قصة مطربة يهودية دُفنت بمقابر المسلمين
كتبت- هدى الشيمي:
سلّطت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الضوء على قصة المطربة العراقية الراحلة سليمة مراد، التي كُرّمت الأسبوع الماضي في مهرجان القدس الدولي للعود.
وقالت الصحيفة في تقريرها المنشور عبر موقعها الإلكتروني، الثلاثاء، إن "مراد كانت تعتلي المسرح بالطريقة ذاتها في كل مرة، بانحناءة صغيرة وابتسامة كبيرة، مُرتدية ثوبًا بلا أكمام، تُغني بلا أي معاناة فتنساب الكلمات من فمها بسلاسة ساحرة".
الأمر الذي جعلها واحدة من أشهر المطربات في العراق، ومنحها الكثير من الألقاب منها "مُطربة العراق الأولى" و"صوت بغداد".
تُشير الصحيفة الإسرائيلية إلى أن حياة المغنية الراحلة، المولودة في عام 1901، تبدو أشبه بأفلام هوليوود؛ فهي امرأة عراقية يهودية شابة باتت أحد أهم المطربات في بلدها وفي العالم العربي.
وذكرت أن مراد شاركت في حفلات بأماكن راقية، وكانت من أولات المطربات العربيات اللاتي تسافرن إلى لندن وباريس، فأصبحت مغنية عظيمة لا تقل مكانتها عن كوكب الشرق أم كلثوم وليلى مُراد، والتي كانت يهودية الأصل أيضًا.
ولفتت هآرتس إلى أن الرئيس العراقي صدّام حسين منع ذكر أسماء اليهود في بلاده، ومع ذلك عاد تراثهم إلى الظهور مرة أخرى بعد سقوطه عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
والآن، كما تقول هآرتس، فإن مُراد وغيرها من المواهب اليهودية الموسيقية باتوا مادة خصبة للدراسة في المعاهد والجامعات العراقية المتخصصة في الموسيقى والفن، وكذلك في الأفلام والمسلسلات العراقية؛ فمنذ عدة سنوات عرض التليفزيون في بغداد مسلسل درامي يحمل اسم "سليمة" يستعرض لمحات من حياة مُراد في 14 حلقة.
فنانة استثنائية
ونقلت هآرتس عن المُلحن والمنتج الموسيقي المخضرم يائير دلال، قوله إنها "فنانة استثنائية تمكنت من تغيير شكل الغناء والموسيقى في العراق".
ويوضح دلال (63 عامًا)، الذي حضر حفل تكريم مراد، أن الموسيقى في العراق كانت مقتصرة على الأغاني التراثية القديمة، فلم يبذل أحد أي مجهود لتأليف أو تلحين أغاني حديثة.
ويقول إن الأخوين الكويتي (صلاح وداوود)، وهما مؤلفان وملحنان يهوديان، قاما بكتابة أغاني حديثة غنتها سليمة مُراد، فأحدث الثلاثة طفرة في عالم الموسيقى العربية.
ازدهرت مسيرة مُراد الفنية في الثلاثنيات، وتعرفت على المطرب الشهير ناظم الغزالي، المسلم الذي يكبرها بـ15 عامًا، ووقعا في الحب وتزوجا وبقيا معًا طول فترة حياته، حتى مات فجأة إثر إصابته بأزمة قلبية، فأصيبت باكتئاب شديد ورفضت الغناء والخروج من منزلها.
اليهود والموسيقى العراقية
من بين الأسباب التي جعلت اليهود يهيمنون على المشهد الموسيقي في العراق وقتذاك، بحسب هآرتس، كانت مدرسة الموسيقى اليهودية للأطفال المكفوفين في بغداد، التي أسسها يوسف زعرور، لاعب القانون الشهير، والتي تتلمذ فيها عدد كبير من العازفين الموهبين، وتخرج منها الكثير من الموسيقيين الناجحين، والذين هاجر أغلبهم إلى إسرائيل بعدما اسقطت الحكومة العراقية الجنسية عنهم لاجبارهم على الرحيل إلى دولة الاحتلال.
إلا أن مُراد لم تغادر العراق ولم تتركها أبدًا، وبقت فيها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة عن عمر يناهز 68 عامًا بعد أن صبت كل اهتمامها على إدارة الملهى الليلي الذي فتحته بالاشتراك مع زوجها ناظم الغزالي.
يقول دلال إنها كانت تعتبر نفسها "مواطنة عراقية من الدرجة الأولى"، أحبت العراق بشدة ولم ترغب في الرحيل أبدًا لاسيما وأنها كانت تتعامل مع الأمر باعتباره خيانة، فمن سيغني للبلد إذا غادرته؟.
ودُفنت مراد، بعد أن وافتها المنيّة عام 1974، بجانب زوجها ناظم الغزالي في مقابر مُسلمة، بحسب هآرتس.
فيديو قد يعجبك: