باحث أمريكي: أبي زيد سفيرا لأمريكا في السعودية في مهمة صعبة لكن ليست مستحيلة
القاهرة (د ب ا)
بعد فترة طويلة من اعتماد الولايات المتحدة على كريستوفر هينزيل للقيام بأعمال السفير الأمريكي في المملكة العربية السعودية، وهو المنصب الذي ظل شاغراً منذ أن غادره جوزيف ويستفال في يناير عام 2017 ، تم مؤخرا تعيين الجنرال المتقاعد جون أبى زيد سفيرا لها في المملكة، ومن المقرر أن يتولى مهامه بشكل رسمي بعد موافقة مجلس الشيوخ.
ويعتبر تعيين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأبى زيد اختيارا للرجل المناسب في المكان المناسب؛ فهو يتمتع بخبرة عسكرية كبيرة، فقد كان الرجل الثاني في القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط أثناء غزو العراق عام 2003، كما أنه حاصل على ماجستير في دراسات الشرق الأوسط من جامعة هارفارد، وذكرت تقارير أنه أعد خلال دراسته في جامعة هارفارد أطروحة عن سياسات السعودية الدفاعية، كما يقال أنه يتحدث اللغة العربية بطلاقة .
ويقول الباحث الأمريكي انتونى كوردسمان، استاذ كرسى ألريه بورك في الشؤون الاستراتيجية بمركز الدراسات الاسترتيجية والدولية في واشنطن إنه من الممكن أن تكون خلفية أبى زيد العسكرية رصيدا أساسيا لتعزيز مصداقيته في التعامل مع القضايا المهمة للغاية التى يتعين على الولايات المتحدة التعامل معها في الوقت الراهن. على أي حال فإن مهمته صعبة ولكن يمكن أن لا تكون مستحيلة.
وذكر كوردسمان في تقرير نشره مؤخرا مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية على موقعه الإليكترونى أن أبي زيد في حاجة لمنحه الأولويات المناسبة والمهام الملائمة لكى يقوم بدوره بشكل فعال، وأن هذا الأمر يتطلب تغييرات مهمة في تصرفات كل من شركاء أمريكا العرب الاستراتيجيين والولايات المتحدة نفسها. وأكد على أن التغيرات في العلاقات الأمريكية السعودية سوف تكون دائما هى أساس النجاح.
وأشار كوردسمان إلى أن القضية المباشرة الأكثر صعوبة الآن هى الوضع بعد مقتل جمال خاشقجى؛ حيث اتخذت الولايات المتحدة موقفا واضحا تجاه هذه القضية، وتجاوزت التركيز على بحث المسؤولية عن القتل، ومحاولة استغلال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القضية لخدمة المصالح الاستراتيجية لبلاده بطرق تتجاهل ما ارتكبته تركيا من جرائم مماثلة أو أقسى منها.
وأضاف أنه يتعين على الولايات المتحدة في تعاملها مع السعودية الآن، التركيز على استغلال القضية للضغط على السعودية لتحقيق تحسينات في جهودها الخاصة بالأمن، ومحاربة الإرهاب، والجهود التي تحمي حقوق الإنسان وحكم القانون، وعدم الإساءة للمعارضة السياسية المشروعة.
ويرى كوردسمان أن هناك حاجة لأن يدعم ترامب ووزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان السفير أبي زيد في وضع نهاية لمقاطعة السعودية والإمارات العربية والبحرين لقطر وهى خطوة من شأنها أن تخدم الحاجة الأوسع نطاقا لتحقيق الإصلاح في المنطقة، وكذلك المصالح الاستراتيجية لكل من الولايات المتحدة وكل الدول الخليجية العربية.
من ناحية أخرى، يقول كوردسمان إن السعودية في حاجة لأن تقبل حقيقة أن المعارضة والانتقادات المشروعة قد تكون في الغالب متحيزة ومحرجة بصورة ظالمة، وأساسها الأيدولوجي محل شكوك، ولكن هذه الأمور أيضا صمامات رئيسية للتنفيس السياسي والاجتماعي وبدائل للتطرف والعنف.
ويؤكد كوردسمان على أن ابى زيد سوف يحتاج إلى دعم في صورة ضغط أمريكي قوي على كل الدول المعنية لإنهاء المقاطعة، وإيجاد شكل ما للوحدة الحقيقية بين الدول الخليجية العربية؛ وهي خطوة مهمة إذا أراد أبى زيد القيام بمهمته الأمنية الأكثر أهمية. فالولايات المتحدة تحتاج لشركاء أمنيين فعالين في التعامل مع كل من إيران والتطرف العنيف، ويتطلب هذا قيادة سعودية فعالة تحقق الوحدة وتحترم احتياجات الدول الأخرى.
فيما يتعلق بمجلس التعاون الخليجي قال كوردسمان أن المجلس يواجه الآن تحديات جديدة مهمة وفي حاجة لامتلاك دفاع ودعم صاروخي فعال ومتكامل، ومواجهة تهديدات إيران للملاحة في الخليج وبالقرب منه، وكذلك تطوير أساليب أكثر تكاملا لمحاربة الإرهاب، وهذا يتطلب مساعدة أبى زيد للسعودية من أجل تغيير موقفها تجاه مجلس التعاون الخليجي، والتعاون الأمني الخليجي.
وهذا يعني أنه يتعين على السعودية أن تعترف بأن التركيز على علاقاتها مع الإمارات العربية المتحدة، وليس كل الدول الخليجية العربية، يؤدي كثيرا لعزلة السعودية بقدر ما يقويها.
ويقول كوردسمان أن أبى زيد سوف يواجه تحديا مهما وهو إيجاد سبل للتعاون مع القيادة السعودية لتوحيد صفوف الدول الخليجية العربية في التعامل مع إيران، والتوقف عن توفير الفرص لإيران لتوسيع نطاق دورها ومصالحها في المنطقة؛ حيث أن إيران تستغل التصرفات العربية الخاطئة التى تفتقر للوحدة؛ ومن أمثلة ذلك، ما يحدث في لبنان وسورية، والعراق، والبحرين، واليمن، ومقاطعة قطر.
ويرى كوردسمان انه ليست هناك في الوقت الحالى أي وسائل سهلة لكبح النفوذ الإيراني في لبنان، وسورية، والعراق، ولكن من الممكن للعمل الأمريكي والخليجي العربى الموحد، الذى تقوم فيه السعودية بدور قيادي، أن يتمثل في خطط مساعدات مشروطة لسورية واليمن، وفي تواصل قوي بقيادة السعودية مع العراق، وتعاون خليجي عربي مع مصر والأردن، وضغط موحد للحد من النفوذ الروسي، ومحاولة فعالة على نطاق مجلس التعاون الخليجي لردع وإحتواء إيران.
وأكد الباحث الأمريكي على ضرورة استغلال الوحدة الخليجية العربية، والمساعدات المدنية المشروطة المرتبطة بجهود من جانب الولايات المتحدة والبنك الدولى، وعدم الاعتماد على تقديم الأسلحة فقط في التعامل مع المصاعب التى تعانيها دول عربية مثل العراق، وسورية، واليمن؛ حيث أوضحت المؤسسة العسكرية الأمريكية في حالة بعد أخرى أنه ليس هناك حل عسكري محض للتعامل مع خطر التطرف والتوترات المدنية والصراعات داخل دول المنطقة.
من ناحية أخرى ذكر كوردسمان أن هناك أخطاء ترتكبها الولايات المتحدة في التعامل مع السعودية والمنطقة تحتاج قيام السفير أبى زيد بدور مهم لتصحيحها؛ ومن أهمها فشلها في إظهار التزامها المستمر تجاه دول الخليج العربية وغيرها من الشركاء الاستراتيجيين. ومن ناحية أخرى، فإن تهديد ترامب بسحب القوات الأمريكية من المنطقة يضاعف من شكوك دولها تجاه الالتزام الأمريكي.
ويرى كوردسمان أن هناك خطأ رئيسيا آخر وهو عدم اهتمام الولايات المتحدة بحقيقة أن التقدم في الجانب المدنى من عمليات الإصلاح والاستقرار في الدول الخليجية العربية هو على الأقل مهم تماما مثل التقدم في الجانب الأمني والعسكري.
وتعتبر خطة الاصلاح الاقتصادي السعودية " 2030" مثالا مهما؛ إذ يعتبر النجاح في خلق فرص العمل، وتحديث وتنويع الاقتصاد، وتحقيق إصلاحات اجتماعية أساسية أمر مهم للاستقرار السعودي طويل الأمد.
ولكن ليس هناك أى شىء واقعى بالنسبة للمشكلات التى تعتزم الخطة معالجتها. وكان الفشل في التعامل مع مثل هذه المشكلات هو السبب وراء الاضطرابات في أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريفيا منذ عام 2011، والتى أدت إلى تأجيج الصراعات الأهلية في سورية، والعراق، والبحرين، واليمن.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى النظر إلى أبعد من تأكيدها الحالى على القوات العسكرية وقوات محاربة الإرهاب، وأن تفعل كل ما هو ممكن لمساعدة السعودية على إنجاح خطتها الإصلاحية. ويشمل هذا الدعوة إلى إصلاح اجتماعي حقيقي، حيث سوف يكون الإصلاح المدني السلاح الرئيسي ضد الإرهاب والتطرف في انحاء المنطقة.
وذكر كوردسمان في تقريره أن هناك أمرا يتعين على السفير أبى زيد التعامل معه وهو التأكيد في الآونة الأخيرة على الحجم الهائل لمبيعات الأسلحة الأمريكية لدول الخليج، وباعتباره سفيرا قويا لدى السعودية يمكنه إقناع ترامب بأن التركيز على المستويات المرتفعة لمبيعات الأسلحة لا يفيد المصالح الاستراتيجية الأمريكية في حقيقة الأمر، وغالبا ما يعنى المزيد من مبيعات الأسلحة الأمريكية انخفاضا في الاستقرار والأمن في المنطقة.
فيديو قد يعجبك: