خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: ماذا سيحدث لو رفض مجلس العموم صفقة تيريزا ماي؟
(بي بي سي):
يبدو أن البرلمان البريطاني يتجه نحو أزمة سياسية ليس لها مثيل في العصر الحديث.
في يوم الثلاثاء الموافق الحادي عشر من ديسمبر كانون ثاني، سيختتم مجلس العموم البريطاني خمسة أيام من المداولات بتصويتٍ على مقترح الحكومة بالموافقة على اتفاق الانسحاب من الاتحاد الأوروبي والإعلان السياسي المرافق.
ولكن في الوقت الراهن، يبدو وكأن رئيسة الوزراء تيريزا ماي تواجه مهمة عسيرة للغاية لتمرير هذا المقترح. وتتزعم ماي حكومة حزب المحافظين الذين لا تتجاوز أغلبيته ثلاثة عشر عضواً فقط. وإحباط تمرير هذا المقترح لا يحتاج سوى أن يصوت ضده سبعة فقط من أعضاء حزبها المتمردين.
ولكن وحسب أحدث الأرقام التي دقق فيها الباحثون في بي بي سي فقد أعرب ٨١ من أعضاء حزب المحافظين في البرلمان عن معارضتهم للاتفاق.
وأخذاً بالاعتبار اعتزام كل من حزب العمال والديمقراطيين الأحرار و الحزب الأسكتلندي الوطني SNP وربما حتى حزب الاتحاديين الديمقراطيين DUP التصويت ضد المقترح، فإن اتفاق الانسحاب سيجري نسفه في مجلس العموم.
وحتى يأتي يوم التصويت، ستصر ماي بشدة على أن الاتفاق يصب في المصلحة الوطنية وأنه السبيل الوحيد لضمان تحقيق خروج بريطانيا من الاتحاد. ولكن ما الذي سيحدث إذا رفض البرلمان الاتفاق؟
لا طريق للأمام؟
إنه السؤال الأهم في مجلس العموم حالياً ولكلٍ رأيه في المسألة. وزيرة العمل والمعاشات الجديدة آمبر روود قالت إن مجلس العموم "سيوقف الخروج بلا اتفاق". وقال وزير الخزانة في حكومة الظل العمالية جون ماكدونيل إنه "من الصعب حالياً التنبؤ بالنتيجة النهائية". أما جاستين غرينينغ عضو مجلس الوزراء سابقاً والذي يدافع الآن عن اجراء استفتاء ثانٍ، فقال إنه لا توجد أي أغلبية لرسم طريق للأمام. وقد يكون هذا صحيحاً، إلا أنه لا يحل المعضلة السياسية التي يواجهها النواب في حال تم رفض الاتفاق.
الخروج دون اتفاق
سيكون الوضع التلقائي في هذه الحالة هو ، بالقطع، أن تخرج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق. ووفقاً لكل من قانون الاتحاد الأوروبي وقانون الانسحاب البريطاني، فسيكون الخروج في الساعة الحادية عشرة ليلاً من يوم التاسع والعشرين مارس عام ٢٠١٩. وعندها يتم وقف تطبيق معاهدات الاتحاد الأوروبي على المملكة المتحدة.
وإذا رفض البرلمان اتفاق الخروج، فإن قانون الانسحاب البريطاني ذاته يحدد الخطوات التالية التي يتوجب على الحكومة اتخاذها.
سيكون أمام الحكومة ٢١ يوماً لتقديم بيان لمجلس العموم بشأن مقترحاته للمضي قدماً. وقتها سيكون أمام الحكومة سبعة أيام أخرى كي تطرح على البرلمان مقترحا بخطتها المقبلة أمام البرلمان للتصويت عليه.
ومع ذلك، لن تكون تلك فرصة أمام النواب لتعطيل "الخروج دون اتفاق" إذا كان هذا هو ما ترغبه الحكومة.
وقد لا يكون المقترح في تلك المرحلة قابلاً للتعديل كما أن رفضه لن يكون له ثقلاً قانونياً كافياً لمنع خروج بريطانيا من الاتحاد في مارس آذار المقبل. بدلاً من ذلك سيتعين على الحكومة وضع تشريعات جديدة أمام البرلمان وتأمين موافقة أعضائه إذا ما لم تكن راغبةً في "خروج دون اتفاق".
وكان النائب البارز بمحلس العموم السير ديفيد ناتزلر قد أخبر لجنة من أعضاء المجلس الشهر الماضي أن "لا وجود لاجراء في المجلس يمكنه تجاوز القانون، فالقانون يمكن تجاوزه بالقانون فقط".
المحاولة مرة أخرى
ولكن بالإضافة الى صرامة الموقف القانوني سيكون هناك واقعاً سياسياً محموما. المدة القصوى المحددة بثلاثة أسابيع بين رفض مقترح الحكومة وتقديم الوزراء للمقترح المطلوب للمضي قدماً ستشهد ظهور عدة سيناريوهات بديلة. فرئيسة الوزراء قد تقدم على محاولة ثانية لتمرير اتفاق الانسحاب في البرلمان. وقد قال السير ديفيد ناتزلر إن ذلك ممكن من ناحية الإجراءات مضيفاً أن "الكلمات قد تكون هي ذاتها ولكن الواقع سيكون، بديهياً، مختلفا". كما قد تمارَس الضغوط على الاتحاد الأوروبي لتغيير الإعلان السياسي بشأن العلاقة المستقبلية لتبديد مخاوف النواب.
استفتاء ثانٍ
ولكن مع الانقسام العميق في مواقف المعترضين في المجلس، هل سيشكل ذلك فارقاً كبيرا؟
الأهم من ذلك هو الذعر الذي سيعتري الأسواق وهو ما قد يؤثر على مواقف النواب.
بديل ذلك هو أن يبدي النواب فجأةً وبأعداد كبيرة تأييدهم لفكرة إجراء استفتاء شعبي ثان لكسر حالة الجمود في البرلمان وفتح الطريق أمام احتمال وقف عملية الخروج من الاتحاد.
في الوقت الراهن، تعهد ثمانية نواب محافظين و٤٤ من نواب حزب العمال علنياً بتأييد اجراء استفتاء ثان. ولكن ماي تصر بشدة على موقفها الرافض لإجراء استفتاء آخر كما أنه يصعب رؤية زعيم بديل جديد للمحافظين يتخذ موقفاً مغايرا.
لكن قيادة حزب العمال تقول إن كل الخيارات يجب أن تظل مطروحة على الطاولة (بما في ذلك استفتاء ثان) فيما يؤيد إجراء هذا الاستفتاء بقوة كل من الحزب الوطني الاسكتلندي وحزب الديمقراطيين الأحرار.
ولكن اجراء استفتاء ثان لن يحدث إلا إذا أعدت الحكومة تشريعات لتنظيم هذا الاستفتاء ووافق مجلس العموم عليها. وإذن لابد من تشريعات لإجراء الاستفتاء وفقاً لمحددات قانون عام ٢٠٠٠ للاستفتاءات والانتخابات والأحزاب السياسية. كما أن توصية اللجنة الانتخابية تقضي بوجود فترة ستة شهور بين إقرار التشريعات ويوم إجراء الاستفتاء.
ويمكن تقصير هذه المدة ولكن واقعياً لا يمكن أن يتسنى ذلك باختصار الكثير من الوقت. فوحدة الدستور UCL وهي مركز أبحاث متخصص في التغييرات الدستورية تقترح ٢٢ أسبوعاً. ولذا وكي يتسنى إجراء الاستفتاء لابد من تأجيل عملية الخروج وهذا سيتطلب موافقة الدول السبع والعشرين العضو في الاتحاد إلى جانب بريطانيا.
انتخابات عامة
ولكن ربما يكون هناك انتخابات عامة بدلاً من ذلك. وهذه هي النتيجة المفضلة لدى حزب العمال في حال تم رفض الاتفاق. ولكن وكما يقول د. جاك سايمون كايرد، من مركز بيرمنغهام لحكم القانون:" مع اقتراب موعد تطبيق المادة ٥٠ يصعب تصور أن ذلك سيمثل حلاً لمشكلة الجمود في البرلمان".
سيكون هذا عاملاً حرجاً في الواقع. وما لم تطلب الحكومة تمديد فترة التفاوض أي تأجيل عملية الخروج من الاتحاد، فإن الوقت المتاح أمام البرلمان والحكومة للاتفاق على طريق للمضي قدماً سيكون قليلا جدا والساعة لن تنتظر.
يوجد طريقان نحو إجراء انتخابات عامة. الأول من خلال قانون البرلمان محدود الفترة حيث يصوت ثلثا النواب لصالح إجراء انتخابات. وهذه هي الطريقة الأسرع حيث يمكن إجراء الاقتراع في وقت قريب قد يصل إلى خمسة وعشرين يوم عمل.
بديل ذلك أن يصوت النواب على حجب الثقة عن الحكومة. ويتطلب ذلك تأييد الأغلبية فقط بدلاً من اشتراط ثلثي النواب. ويمنح هذا فرصة أسبوعين لزعيم بديل يبرهن على أنه قادر على قيادة الأغلبية في مجلس العموم. وفي حال لم يحدث ذلك، يبدأ العد التنازلي لفترة الأيام الخمسة والعشرين لإجراء الانتخابات.
أي انتخابات سيتم إجراؤها ستكون وفقاً لحدود الدوائر الانتخابية الموجودة. أما الجديدة منها فيجب أن يوافق عليها مجلسا العموم واللوردات. وقد تم تجميد ذلك إلى ما بعد الخروج من الاتحاد.
التفاوض حول الخروج من دون اتفاق
فكرة أخرى ظهرت على السطح وهي "التفاوض على خروج من دون اتفاق" حيث تطلب بموجبها المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي تمديد عضويتها لمدة عام مقابل مبلغ مالي قبل أن تخرج وفقاً لبنود منظمة التجارة العالمية.
بعض المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد قد تروق لهم الفكرة إلا أن تأييد مجلس العموم لها قد يكون صعباً سواء بتصويت صريح أم لا لأنه يتوجب على البرلمان بلورة موقف. وكما تقول مادي ثيمونت جاك، من مركز أبحاث "مؤسسة لأجل الحكومة": "لدينا سيادة برلمانية وتوجد طرق واضحة أمام البرلمان للتعبير عن وجهات نظر سياسية قوية للغاية". وتضيف:"لا يمكنني تصور كيف يمكن للحكومة أن تجتاز برنامج تشريعي للخروج بدون اتفاق على سبيل المثال ما لم تحصل على دعم البرلمان".
ربما كان بإمكان ماي تحييد فرصة الهزيمة في مجلس العموم لو أنها توصلت إلى إجماع برلماني بشأن "البريكسيت" الذي خططت للتفاوض بشأنه بمجرد أن بدأت العملية.
بدلاً من ذلك، ها هي تواجه ثلاثة أسابيع حافلة وتصويت سيحدد مستقبل البلاد لسنوات عدة قادمة.
في هذا الوقت لا يبدو أن اتفاق الحكومة سيحظى بموافقة مجلس العموم الذي قد تتغير فيه الحالة المزاجية بسرعة في ظل حالة الهرج والمرج الراهنة.
فيديو قد يعجبك: