اليمن بلا "أمل".. أيقونات الحرب والمرض في البلد الذي لم يعد سعيدًا
كتب – محمد الصباغ:
طالما كانت كلمة اليمن تُتبع بالسعيد، البلد الذي حصل على هذا اللقب منذ آلاف السنين حيث كانت الكتب العربية القديمة تطلق على أرض اليمن "العربية السعيدة".
أطلق هذا اللقب بسبب الحضارات القديمة المتتابعة على أرضه، والتي كانت دُرّة الجزيرة العربية، لكن الأوضاع تغيرت وباتت الأزمات جاثمة على جسد الأمة اليمنية.
الحرب الأخيرة بدأت في مارس 2015، لتبدأ معاناة 1.8 مليون طفل سنويًا من سوء التغذية، بينهم 400 ألف حالاتهم تهدد بإنهاء حياتهم كل يوم، بحسب ما ذكرته وكالة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).
اليمن بات يعاني من أكثر الأزمات الإنسانية إلحاحا في العالم، وعلى شفا مجاعة هي الأسوأ منذ عقود. ويعيش في اليمن 28 مليون نسمة.
وبدأت الحرب في اليمن منذ مارس 2015، بعدما سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء وأزاحوا الرئيس المعترف به دوليًا عبدربه منصور هادي، ليتدخل على إثر ذلك تحالف عربي بقيادة السعودية لإعادة هادي إلى السلطة.
ومن يوم إلى آخر تظهر أيقونة يمنية سواء صورة لفتاة عظامها تبرز من جيدها، أو لأطفال مصابين في قصف جوي خلال رحلتهم إلى المدرسة، ولكن سرعان ما تختفي لتظهر أخرى تعبر عن الأوضاع في الدولة الممزقة.
قدمت "يونيسيف" رعاية علاجية لأكثر من 244 ألف طفل باليمن تحت سن الخامسة، وبحسب بيان للمنظمة، فأغلبهم يعانون من تغدية حادة وذلك بداية من العام الجاري فقط.
كما قدمت المنظمة الأممية علاج من نقص عناصر غذائية محددة لأكثر من 317 ألف طفل تحت سن الخامسة أيضًا. وبحسب بيان للسيدة ليز جراندي منسقة الأمم المتحدة للشئون الإنسانية في اليمن، فإن أطراف النزاع ملزمون بفعل ما يمكن من أجل حماية المدنيين والبنية التحتية وضمان وصول المساعدات.
ونستعرض في السطور التالية عدد من الأطفال اليمنيين الذين هزت صورهم العالم في الآونة الأخيرة، وباتوا أيقونات للحرب والمأساة الإنسانية في اليمن الذي كان سعيدًا...
"ماتت أمل"
وفي الأيام الماضية، انتشرت صورًا لطفلة يمنية أخرى هي أمل، التي بدت كالهيكل العظمي بملامح هزيلة. تدهورت صحية الطفلة صاحبة السبع سنوات خلال حياتها مع أسرتها بمخيم للاجئين، قبل أن تنتهي حياتها يوم الخميس.
قالت والدة أمل حسين، لصحيفة نيويورك تايمز، باكية خلال مقابلة هاتفية: "قلبي مكسور .. كانت أمل مُبتسمة دائمًا.. الآن أنا قلقة على أطفالي الآخرين".
كانت أمل مستلقية على سرير مع والدتها بمركز صحي في مدينة أسلم الواقعة على بعد 90 ميلاً شمالي غرب العاصمة صنعاء.
الممرضات في محاولة للحفاظ على حياتها كن يسقينها الحليب كل ساعتين، ولكنها كانت تتقيأ بانتظام وتعاني من الإسهال.
جلست الطبيبة المسؤولة، إلى جوارها في السرير وهي تمسح شعرها وجلدها الذي بدا مثل "العصا"، وقالت الطبيبة لنيويورك تايمز وهي تمسك يد أمل "انظر لا لحم. عظام فقط".
وكانت والدة أمل أيضًا مريضة، حيث تعافت من حمى الضنك التي سببها على الأرجح البعوض الذي يتكاثر بالمياه الراكدة في مخيمهم.
وعنها قال يرْت كابالاري، مدير اليونيسف الإقليمي في الشرق الأوسط لشمال أفريقيا، إن "أمل" ليست الطفلة اليمنية الوحيدة التي عانت هذا المصير. بل هنالك 30 ألف طفل في اليمن يموتون كل سنة من جراء سوء التغذية كأحد أهم الأسباب من وراء ذلك.
"سارة"
قال المدير الإقليمي لليونيسيف بالشرق الأوسط، أنه التقى بأطفال آخرين مرضى يهددهم مصير أمل، وقال: "حصل لنا الشرف أنا وجولييت (مديرة الإعلام الإقليمي في مكتب اليونيسف للشرق الأوسط وشمال أفريقيا) بلقاء الكثير من الأطفال خلال زيارتنا إلى اليمن. قابلنا آدم وعبد القدوس وسارة ورندا وغيرهم".
صرح أيضًا بأنه كان يرغب في تكرار زيارات لمستشفيات أخرى لكن هناك صعوبة في الوصول إليها.
وتابع: " أخبركم بأنني كنت أفكر بالأطفال الذين رأيناهم هنا... على سبيل المثال سارة".
وأشار إلى أن سارة نصف مشلولة نتيجة للدفتيريا، وهو مرض يمكن منعه بسهولة إذا حصل الأطفال على اللقاحات في الوقت المناسب.
لكن، لسوء الحظ، لم تحصل سارة على اللقاح في الوقت المناسب وأصيبت بعدوى الدفتيريا ليصبح نصف جسدها مشلولا.
كيف كانت تعيش سارة في المستشفى، وحولها كان القتال مستعرًا، هكذا سأل المسئول الأممي، وقال: "تخيلوا ما الذي تستمع إليه هذه الفتاة".
بحسب يونيسيف أيضًا فنصف أطفال اليمن دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية المزمن، بالإضافة إلى 1.1 مليون إمرأة حامل ومرضعة، أي عندما يلدن أطفالهن يعلمن أن معدل الولادة سيكون قليل.
آلاء وخاتم الفراولة
تبلغ آلاء من العمر ست سنوات، من بين ملايين الأطفال الذين يعانون بسبب الحرب في اليمن الذي طالما أطلق عليه لقب السعيد.
ترقد الطفلة في المستشفى وتتغذى عبر أنبوب يتم إطعامها من بواسطته، حيث لا تملك أسرتها المال الكافي لشراء الطعام ليبقيهم أصحاء.
وبحسب "يونيسيف" يعاني في اليمن، 1.8 مليون طفل من سوء التغذية الحاد. وصرح مدير المنظمة "كابالاري" أن اليمن اليوم هو جحيم للأطفال، "ليس فقط لـ50 – 60% من الأطفال بل لكل طفل وطفلة في اليمن".
ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في تقرير لها عن الطفلة، قول والدتها رحمة، أنها باعت كل ما تملك من مصوغات من أجل إطعام الأسرة.
وأضافت الأم: "كل ما أريده هو إيجاد عمل لأبقي أطفالي على قيد الحياة".
ارتبط بالطفلة خاتم الفراولة لأنه كل ما تمتلكه، كان هدية من جدتها وبات أغلى ما تملك رغم أنه بلاستيكي.
"أطفال الحافلة"
في أغسطس الماضي، كان عدد من الأطفال اليمنين يحتفلون داخل حافلة في شمالي اليمن. وفي مقطع فيديو للأطفال ظهروا سعداء وأحد الآباء يشير إلى طفله مودعًا إياه.
لكن الوضع اختلف سريعًا، وأدرك الوالد أن الوداع كان الأخير بعدما لقي أغلب الأطفال مصرعهم بسبب تعرض الحافلة لقذيفة من طيران التحالف العربي.
وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، أن من بين ضحايا الغارة التي استهدفت الحافلة في محافظة صعدة، 29 قتيلا من الأطفال دون سن الـ15 عاما.
وقال التحالف العربي إنه تم فتح تحقيقًا في الواقعة، ووصف ما حدث لحافلة الأطفال بأنه "أضرار جانبية".
كما أشار إلى أن السعودية كانت تستهدف في الغارة قاذفات صواريخ في مدينة صعدة التي تقع شمالي اليمن وقريبة من الحدود السعودية.
وقال البيان: "سوف نحقق في كل حادث في اليمن يثار حوله أي إدعاء، ونحاسب المتسبب به".
بين الحرب وتبعاتها على الدولة من خراب وتدمير، يقف أطفال اليمن على حافة الموت، وبحسب آخر بيان رسمي ليونيسيف فلا مفاجأة بأن هنالك طفل يموت كل 10 دقائق من أمراض يمكن الوقاية منها بسهولة.
فيديو قد يعجبك: