"تهديد ولقاء ثم حب".. كيف تغيرت علاقة "ترامب وكيم" في 2018؟
كتب - هشام عبد الخالق:
شهدت العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون تقلبات كثيرة خلال العام الجاري، ولعل اللقاء الذي جمع بينهما في منتصف العام (في شهر يونيو) كان أبرز مراحل هذه العلاقة المثيرة للدهشة بين الزعيمين الكبيرين.
- بداية العلاقة:
في أول خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2017، هدد ترامب بـ "تدمير كوريا الشمالية بشكل كامل" مما جعل كيم جونج أون يرد عليه ويصفه بأنه "أمريكي مختل عقليًا" مشددًا على أنه "سيروضه بالنار"، وأنه سيدفع ثمن خطابه.
رد ترامب على تصريحات كيم جاء سريعًا، حيث أطلق عليه لقب "المجنون" الذي لا يهتم بشعبه، وبعد أسبوع في أكتوبر 2017 وصفه مرة أخرى بـ "رجل الصاروخ الصغير"، ومن ثم في نوفمبر من نفس العام وصف ترامب كيم بطريقة غير مباشرة بـ "الرجل القصير السمين".
في يناير الماضي، تباهى ترامب بأن زره النووي "أكبر وأقوى بكثير" من الزر النووي الخاص بزعيم كوريا الشمالية، وكان ذلك ردًا على تصريح لزعيم كوريا الشمالية يقول فيه إن "زره النووي موجود على مكتبه دائمًا".
- انفراجة:
في فبراير الماضي، أقيمت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في كوريا الجنوبية، وتخللت الدورة بعض الأحداث المثيرة للجدل مثل حضور شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم يو جونغ ومصافحتها لرئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن، وكذلك تواجد الابنة الكبرى للرئيس الأمريكي إيفانكا ترامب في حفل ختام الدورة.
في مارس، أعلن الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن، أن كوريا الشمالية مستعدة لنزع السلاح النووي كما أسر له كيم جونج أون شخصيًا. وهو ما أكده دونالد ترامب على حسابه الشخصي بموقع "تويتر"، وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز عزم الرئيس على لقاء كيم جونج أون.
قام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في مايو الماضي، بزيارة إلى كوريا الشمالية، بعد تخفيف وطأة النزاع بين البلدين ليعود ومعه 3 أمريكيين كانت بيونج يانج تحتجزهم في سجونها، ويلقى قرار الإفراج عن الأمريكيين الثلاثة استحسان الجميع ويشيد به ترامب والبيت الأبيض.
في اليوم التالي، أعلن ترامب عن مكان وموعد القمة التاريخية التي ستجمعه بزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، والتي تحددت على أن تكون في سنغافورة في الثاني عشر من شهر يونيو.
- إلغاء القمة وعودتها:
كان السبب الرئيسي في الإلغاء الأوليّ للقمة بين الزعيمين هو تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، الذي شبّه كوريا الشمالية بدولة ليبيا، مشيرًا إلى أنه سيتبع نفس النهج الذي تم اتباعه مع ليبيا عند نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية، ومن ثم أتت تصريحات نائب الرئيس مايك بنس مع شبكة "فوكس نيوز" والتي حذر فيها كوريا الشمالية من "اللعب" مع ترامب إذا ما التقيا في الشهر المقبل، وأن هذا سيكون خطئًا كبيرًا.
تشوي سون هوي نائبة وزير خارجية كوريا الشمالية انتقدت تصريحات بنس وبولتون، وقالت: إن "تلك التصريحات الجامحة والوقحة" لن تجبر بيونج يانج على الجلوس على طاولة المفاوضات، مضيفة أن بلادها "لن نتوسل إلى الولايات المتحدة من أجل الحوار أو نتعب أنفسنا باللجوء إلى إقناعهم إذا كانوا يرفضون الجلوس معنا".
رد ترامب جاء سريعًا وأعلن إلغاء القمة بينه وبين كيم، وبعث إليه برسالة قال فيها: "للأسف، استنادًا إلى الغضب الهائل والعداء المفتوح الذي ظهر في آخر تصريح لك، أشعر أنه من غير الملائم، في هذا الوقت، عقد هذا الاجتماع المخطط له منذ فترة طويلة".
وبعد ساعتين فقط من هذه الرسالة، قال ترامب، في تصريحات بالبيت الأبيض: إن "الجيش جاهز إذا لزم الأمر للرد على أي عمل أحمق أو طائش ترتكبه كوريا الشمالية"، موضحًا أنه تحدث مع وزير الدفاع جيمس ماتيس، وذكر أن كوريا الجنوبية واليابان مستعدتان أيضًا للرد.
بعد إلغاء القمة، صرح نائب وزير خارجية كوريا الشمالية، كيم كي جوان، بأن بلاده لا تزال مهتمة بالتفاوض مع الولايات المتحدة، وأنها مستعدة لحل المشاكل مع الولايات المتحدة في أي وقت وبأي شكل.
.@realdonaldtrump: "We're meeting with the Chairman on June 12th..." pic.twitter.com/b0sEBbTkPf
— The White House (@WhiteHouse) June 1, 2018
في الأول من يونيو، أعلن الرئيس ترامب أن القمة التي ستجمعه بكيم ستعقد في موعدها المحدد مسبقًا في 12 يونيو في سنغافورة.
- القمة وردود الأفعال:
في صباح الثاني عشر من يونيو التقى الرئيس دونالد ترامب بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، وتصافحا وتبادلا الابتسامات في بداية قمتهما التاريخية في جزيرة سنتوسا في سنغافورة.
عقد ترامب وكيم اجتماعا وحدهما استمر 41 دقيقة، قبل أن ينضم إليهما مسؤولون آخرون، وقال كيم وهو جالس إلى جانب ترامب "تشرفت بلقائك أيها الرئيس"، ليرد ترامب: "ينتابني شعور عظيم حقا. سنجري نقاشا رائعا وسنحقق نجاحا كبيرا. هذا شرف لي وسوف نقيم صداقة رائعة، ليس لدي شك في هذا".
بعد انتهاء اللقاء التاريخي أعلن الجانبان أنهما مستعدان لتجاوز جميع العقوبات والعمل معًا لحل مسألة نزع السلاح في شبه الجزيرة الكورية، وقال ترامب للصحفيين والمراسلين إن المحادثات بين الطرفين تمت بشكل أفضل من المتوقع.
وقع ترامب وجونج أون وثيقة مشتركة وصفها الرئيس الأمريكي بـ"الشاملة"، موضحًا أن عملية نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية ستبدأ سريعًا وتعهد بتوفير ضمانات أمنية لكوريا الشمالية، فيما تعهد كيم بنزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية.
واتفق الجانبان على أن تتبع القمة مفاوضات يقودها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومسؤول كوري شمالي رفيع المستوي.
وذكرت الوثيقة كذلك أن "ترامب وكيم يتعهدان بالتعاون لإقامة علاقات جديدة بين أمريكا وكوريا الشمالية، والتعاون لإحلال السلام والرخاء في شبه الجزيرة الكورية".
بعد انتهاء القمة صدرت ردود فعل كانت إيجابية من بعض الدول تعليقًا عليها، حيث رحبت كوريا الجنوبية بالقمة واعتبرتها "حدثًا تاريخيًا ينهي الحرب الباردة"، وذكرت الصين أنها تدرس تخفيف العقوبات عن كوريا الشمالية، فيما أعلنت ماليزيا أنها ستعيد فتح سفارتها في كوريا الشمالية.
في أوروبا، أشاد الاتحاد الأوروبي بالقمة واعتبرها "خطوة مهمة وضرورية" تتيح إمكانية تحقيق "النزع الكامل للأسلحة النووية" في شبه الجزيرة الكورية، وكذلك أشاد المسؤولون في كلًا من إيطاليا وأوكرانيا وبريطانيا وروسيا بالقمة.
رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونغ هنأ الزعيمين "ترامب وكيم" في رسائل منفصلة أرسلت إليهما بشأن النتائج الناجحة للقمة، وتمنى للبلدين النجاح في تنفيذ الاتفاقية الموقعة.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية أبدت استعدادها للمساعدة في التحقق من تطبيق أي اتفاقات مستقبلية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بشأن برنامج أسلحة بيونج يانج النووية ورحبت بنتائج القمة.
أمين عام الناتو ينس ستولتنبرج والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش رحبا بالقمة واعتبراها "حدثًا حاسمًا" من أجل السلام في العالم.
- بعد القمة (إشادة وتوتر):
في سبتمبر الماضي، بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أشهر على القمة التاريخية، وقف ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرة الثانية، ولكن تغيرت نبرة خطابه كثيرًا عند الحديث عن كوريا الشمالية، حيث قال: "سافرت هذا العام إلى سنغافورة للالتقاء وجهًا لوجه مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون. ومنذ ذلك الحين، رأينا بالفعل عددًا من الإجراءات المُشجِّعة التي لم يكن يتصورها إلا قليلون فقط".
ووصفت شبكة "سي إن إن" هذا التحول بـ "المذهل" نظرًا للهجة التي تحدث بها عن بيونج يانج في خطابه العام الماضي بالأمم المتحدة؛ إذ هدد بتدميرها بالكامل.
في إحدى جلسات مجلس الأمن الدولي في نهاية سبتمبر، حث وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو المجتمع الدولي على مواصلة فرض العقوبات على كوريا الشمالية حتى توقف برنامجها النووين قائلًا: "لا يمكن للعالم القبول بكوريا الشمالية المسلحة نوويا".
أعلن ترامب أنه "وقع في حب" الزعيم الكوري الشمالي في 30 سبتمبر، حيث قال أمام حشد من أنصاره: "لقد كنت عنيفا للغاية، وهكذا كان هو، ونحن نتبادل التهديدات.. لقد كتب لي رسائل جميلة، وهي رسائل رائعة.. ووقعنا في الحب".
التقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في أكتوبر الماضي بزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، وأعلن بومبيو، أن الولايات المتحدة وكوريا الشمالية اتفقتا على مواصلة المحادثات من أجل تحديد موعد ومكان انعقاد القمة الأمريكية الكورية الشمالية الثانية.
ووصف زعيم كوريا الشمالية، محادثاته مع بومبيو بأنها كانت "مثمرة ورائعة"، وقدم شرحًا مفصلًا لمقترحات حل قضية نزع السلاح النووي.
في نوفمبر الماضي، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا عن تطوير بيونج يانج لبرنامجها النووي، بناء على معلومات من تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (سي.إس.إي.إس) في واشنطن، الذي كشف أن كوريا الشمالية ماضية في تطوير برنامجها الخاص بالصواريخ الباليستية في مواقع لم يعلن عنها، وأن هناك ما يقدر بنحو 20 من قواعد تطوير الصواريخ الباليستية التي لم يكشف عنها.
بعد هذا التقرير، خرج الرئيس الأمريكي مدافعًا عن كوريا الشمالية ومنتقدًا الصحيفة، وكتب عبر تويتر: "إن تقرير "نيويورك تايمز" الخاص بتطوير قواعد للصواريخ في كوريا الشمالية غير دقيق، أنّنا على علم كامل بالمواقع الّتي تتمّ مناقشتها، ولا شيء جديد - ولا يحدث شيء بعيدًا عن الطبيعي".
مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، أعلن في نوفمبر الماضي أن ترامب من المحتمل أن يلتقي زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون من أجل قمة ثانية في أوائل عام 2019، ولكن ما زلنا نعمل على تحديد الزمان والمكان، ولم يقدم بنس تفاصيل بشأن ما الذي يعنيه هذا.
في ديسمبر الجاري، كتب ترامب في تغريدة: "يسأل العديد من الناس كيف نقوم بعملنا في مفاوضاتنا مع كوريا الشمالية. أجيبهم دائما إننا لسنا في عجلة من أمرنا"، موضحًا أن كوريا الشمالية لديها "إمكانات رائعة"، وأن زعيمها كيم جونج أون "يراها أفضل من أي شخص، وسيستغلها بشكل كامل لصالح شعبه".
فيديو قد يعجبك: