فورين بوليسي: ترامب ترك داعش لأردوغان والأخير يريد دماء الأكراد
كتب - هشام عبد الخالق:
نشر الكاتب الأمريكي ستيفن كوك مقالاً تحليليًا، كشف فيه عما قال إنه دليل كذب النظام التركي برئاسة رجب طيب أردوغان بشأن محاربة تنظيم "داعش".
ويقول الكاتب، الذي يعمل باحثًا في دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية -وهي خلية تفكير أمريكية مستقلة- إن "تركيا تحولت في غضون أشهر قليلة من عدو للولايات المتحدة إلى شريك، وسيزور الرجل الذي اتهمه الرئيس رجب طيب أردوغان بشن (حرب اقتصادية) ضد بلاده تركيا في 2019" في إشارة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد توجيه دعوة رسمية من أردوغان له. هذا فضلاً عن التواصل الهاتفي بين الزعيمين لمرتين خلال 10 أيام فقط.
ويوضح الكاتب، في مقال له بمجلة "فورين بوليسي"، أن تذويب الجليد المفاجئ بين الدولتين جاء بشكل مباشر بقرار الرئيس دونالد ترامب، الذي أمر بسحب القوات الأمريكية من سوريا، تاركًا أردوغان -الذي سبق وقام بكل ما في وسعه لتعقيد القتال ضد تنظيم داعش في سوريا- لإنهاء كل شيئ وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
ويضيف الكاتب: "على الرغم من أن الولايات المتحدة وتركيا ظاهريًا قاما بتصحيح خلافاتهما، إلا أن مصالحهما في سوريا مختلفة على أرض الواقع".
ويتساءل: هل يمكن لأردوغان أن يوفي بالتزاماته الظاهرة؟ ويجيب بنفسه قائلاً: "ليس من الواضح أنه سيفعل ذلك، لكن ليس لأن تركيا ليست قادرة"، دون أن يشير إلى السبب الحقيقي.
ووفق الكاتب، فلا أحد متأكد من أسباب قرار ترامب المفاجئ بالانسحاب من سوريا وإعلان أن المهمة تم تحقيقها في 19 ديسمبر الجاري. إلا أنه رجح أن يكون السبب مزيج من رغبة رئاسية لترامب وشكوك الرئيس التي أعرب عنها سابقًا بشأن الجنود الأمريكيين المتمركزين في الخارج.
ويقول الكاتب إنه بغض النظر عن ذلك، فإن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا سيؤدي فعليًا إلى إنهاء العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية، التي يتمثل المكون الأساسي لها في وحدات حماية الشعب الكردية.
وكان أحد أهم أسباب الانقسام الأمريكي التركي الدعم العسكري الأمريكي لقوات حماية الشعب الكردية، والتي كانت تراها واشنطن أكثر قوة عسكرية على الأرض السورية يمكن الوثوق بها، بينما كان الأتراك يرونها أساس حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" الذي تصنفه أنقرة وواشنطن معًا منظمة إرهابية.
ويقول الكاتب: "ترتبط تحركات وأفعال الرئيس الأمريكي بشأن سوريا وتركيا بطريقة غريبة بسياسته تجاه إيران، وهناك أشخاص داخل الإدارة يعتقدون أن التخلي عن وحدات حماية الشعب والموافقة على بيع صواريخ باتريوت للأتراك، يعيد تركيا مرة أخرى إلى العلاقة الجيدة مع الولايات المتحدة".
ويضيف أن هذا التجديد في العلاقات الأمريكية التركية يؤدي بدوره إلى جعل أردوغان شريكًا راغبًا في احتواء إيران؛ إذ أن أحد مبررات وجود القوات الأمريكية في سوريا كان صد طهران، خاصة في وقت لم يكن الأتراك شركاءً حقيقيين للولايات المتحدة في هذا الجهد، بل وساعدوا الجمهورية الإسلامية في تجنب جزء كبير من العقوبات في فترة رئاسة باراك أوباما.
ويقول الكاتب إن المسؤولين الأتراك لا يعتبرون إيران تهديدًا؛ فبالنسبة لهم، طهران فرصة اقتصادية وتوفر نفوذًا دبلوماسيًا عند التعامل مع الولايات المتحدة. وعندما كان هناك الكثير من التوتر بين أنقرة وواشنطن في عهد أوباما، كان أردوغان وغيره من كبار المسؤولين الأتراك يظهرون في طهران وهم يثنون على القيادة الإيرانية ويوفرون غطاءً لأنشطتها النووية.
وبحسب الكاتب، فإن أسلوب تركيا في الضغط على أمريكا عبر إيران لا يزال مستمرًا، إذ أنه وقبل بضعة أسابيع فقط، تم التقاط صور لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو وهو يبتسم ويمسك بيد نظيره الإيراني جواد ظريف في إسطنبول، ما يثير الغموض بشأن الاعتقاد السائد أن مغادرة الولايات المتحدة سوريا ستدفع الأتراك إلى الانقلاب على إيران.
ترامب لم يذكر كيف تفكر إدارته في إيران بعد الانسحاب من سوريا، لكنه فضل التركيز على هزيمة داعش. ووفقًا للبيت الأبيض في البداية، فإن قوات أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم هُزمت، وبالتالي لم يكن هناك سببًا للبقاء في سوريا -وهي حجة شرعية- ولكن عدّل الرئيس هذا الادعاء بعد ذلك، معلنًا أن تركيا ستنهي المهمة التي بدأتها القوات الأمريكية ووحدات حماية الشعب وتتأكد من عدم عودة التنظيم مرة أخرى للظهور.
ويقول الكاتب إن التعاون مع تركيا ضد تنظيم داعش ليست فكرة سيئة؛ فأنقرة لديها ثاني أكبر جيش في حلف الناتو وجميع أنواع الأسلحة عالية التقنية. ومع ذلك، فإن الحكومة التركية كانت في أحسن الأحوال غير متحمسة لقتال تنظيم داعش، وعندما حاولت الإدارة الأمريكية برئاسة باراك أوباما البحث عن حلفاء ضد التنظيم الإرهابي في صيف عام 2014، قال الأتراك حينئذ إن أفضل طريقة لحل المشكلة هي تغيير النظام في دمشق.
وأعلنت أنقرة وقتئذ أن لديها أولويات أخرى- لا سيما محاربة الحركات الكردية الانفصالية. وبعد مرور عام، وافقت على الاهتمام بتنظيم داعش ولكن لم تنضم إلى القتال على أرض الواقع. وكانت ساحة المعركة مكونة من وحدات حماية الشعب ومستشاريها الأمريكيين، وهذا دليل على كذب تركيا بشأن محاربة داعش، وفق الكاتب، الذي تساءل: هل من المفترض أن نثق الآن بأردوغان والتزامه بمحاربة التنظيم الإرهابي حتى النهاية؟ هذا ما هو إلا كذبة كبيرة سواء من الرئيس التركي أو الأمريكي.
ويقول الكاتب إن تركيا لطالما لم يشغلها سوى تدمير منطقة الحكم الذاتي الكردية في سوريا، التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية وذراعها السياسي حزب الاتحاد الديمقراطي، وإنه بالنسبة لأردوغان، فإن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا يزيل العقبة الرئيسية أمام تدمير وحدات حماية الشعب، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن تركيا ستهتم بإنهاء تنظيم داعش بقدر اهتمامها بتهديد كردستان لأمنها.
ووفق الكاتب، قد تحول تركيا انتباهها إلى تنظيم داعش بعد الانتهاء من الحرب ضد "بي كا كا" -والتي أعلن مسؤولون أتراك أن الحرب ضدهم لن تكون سهلة- وسيكون هذا تحولاً إيجابيًا.
ويقول الكاتب إن الاتفاق بين ترامب وأردوغان على مغادرة القوات الأمريكية سوريا يظهر جليًا، لكنه لسببين مختلفين بين كل منهما؛ إذ يريد ترامب عودة قواته لأنه يعتقد أن ذلك يصب في مصلحة الولايات المتحدة، ويريد أردوغان نفس الشيئ رغبة منه في تحقيق مصالح بلاده هناك.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول: "نتيجة ذلك، سيراق الكثير من الدم السوري والكردي والتركي.. من الممكن أن تنسحب الولايات المتحدة من سوريا لكن تسليم تركيا كل شيئ ليس أمرًا جيدًا".
فيديو قد يعجبك: