لماذا فشلت خطة "الإفراج عن المعتقلين" في تحسين صورة نظام البشير؟
كتبت- رنا أسامة:
ما إن أعلنت السلطات السودانية، أمس الأحد، الإفراج عن "كافة" المُعتقلين السياسيين حتى احتشد العشرات من ذويهم أمام سجن كوبر في انتظار خروج أبنائهم وأقاربهم الذين تم توقيفهم يناير الماضي في تظاهرات مُندّدة بالغلاء.
مع خروج أول المعتقلين، ردد المحتشدون هتافات مثل "الثورة خيار الشعب".. وبعدها تراجعت حكومة البشير عن الإفراج عن "كافة" المُعتقلين، وقرّرت إخلاء سبيل 80 فقط مع الإبقاء على عدد من الصحفيين والناشطين وقادة الأحزاب السياسية، قيد الاعتقال، دون إبداء أسباب، وسط استهجان كبير من أُسر المُعتقلين.
ووجّهت السلطات السودانية، الأحد، الدعوة لوسائل الإعلام لحضور ما أسمته عملية "إطلاق سراح كل المعتقلين"، قبل أن تتراجع عن القرار. الأمر الذي دفع ذوي المُعتقلين الآخرين لتحويل الباحة الخارجية لسجن كوبر، شمال الخرطوم، إلى ساحة للاحتجاج والهِتاف ضد النظام الحاكِم، بحسب تقارير سودانية.
وربطت صحف سودانية بين قرار الإفراج عن المُعتقلين السياسيين وبين إعادة تعيين الفريق أول صلاح قوش، الذي يُعرف بـ"الرجل القوي في نظام البشير"، مديرًا عامًا لجهاز الأمن والمخابرات، على وقع حملة قمع تستهدف التظاهرات المُندّدة لارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ورجّحت صحيفة الراكوبة، في تقرير نُشر عبر موقعها الإلكتروني، الاثنين، أن يكون هذا القرار جاء مدفوعًا من قِبل قوش بغية تحسين صورة نظام الرئيس السوداني عمر البشير، لاسيّما جهازه الأمني، أمام وسائل الإعلام المحلية والإعلامية؛ إذ أن عملية "إطلاق سراح المُعتقلين" نقلتها عشرات المحطات الإخبارية على الهواء مباشرة.
أقارب المعتقلين هتفوا "الثورة خيار الشعب".. والحكومة تراجعت وأخلت سبيل 80 فقط
وبحسب الراكوبة، سمح قوش لوسائل الإعلام -في حالة نادرة- بتوثيق عملية إطلاق سراح المعتقلين، بعدما كان الأمر محصورًا-في الغالب العام- على الأجهزة الإعلامية الرسمية، أو محرري "مركز روان" التابع لجهاز الأمن، أو المركز السوداني للخدمات الصحفية الواجهة الإعلامية لجهاز الأمن، والمعروف اختصارا بـ(إس إم سي).
ومع ظهور أول مُعتقل خارج أبواب السجن، علت الهتافات المُناهضة للحكومة، وسط شعارات تُردِد "حرية.. سلام.. وعدالة، والثورة خيار الشعب"، " لا لا للغلاء"، الأمر الذي أفضل خطة قوش.
وفي هذا الصدد، نقلت الصحيفة عن نشطاء وصحفيين في الخرطوم، قولهم إن "المعتقلين وأسرهم تمكنوا من توظيف خطة قوش، في صالح الحراك الجماهيري المُناهض للحكومة، بعدما رددوا هتافات داوية تنادي بالحرية وإسقاط النظام، لحظة الإفراج عن المحتجزين من سجن كوبر، في ظل حضور محطات إخبارية نقلت الحدث على الهواء مباشرة".
ووفق تقارير سودانية، أطلق سراح 80 مُعتقلًا من القوى السياسة والناشطين والطلاب، معظمهم من قيادات في حزب الأمة القومي، بعد توقيفهم مطلع يناير الماضي، على خلفية احتجاجات ضد الغلاء.
الأمر الذي ناقض تصريحات مساعد الرئيس السوداني، عبدالرحمن الصادق المهدي، المُشرف على عملية الإفراج، والتي قال فيها إن "عدد الذين تم الإفراج عنهم يتجاوز 80 مُعتقلًا"، مُوضحًا أنه "سيتم الإفراج عن جميع المُعتقلين السياسيين والطلاب والسيدات فور اكتمال إجراءاتهم".
وذكر موقع سودان تريبيون، أن قائمة المُفرج عنهم حتى الآن تشمل الأمين العام لحزب الأمة سارة نقدالله، وعدد من قيادات الحزب بينهم الصادق الصديق المهدي وفضل الله برمة ناصر وعروة الصادق، إلى جانب نجلتيّ الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ، والصحفية أمل هباني، والناشطة ناهد جبرالله.
صحيفة سودانية: المعتقلون وأسرهم وظفوا خطة قوش في صالح الحراك المُناهض للحكومة
واعتبر الصادق في مؤتمر صحفي بسجن كوبر، الأحد، أن إطلاق سراح المعتقلين "رسالة من القيادة.. لها ما بعدها، ونحن ساعون لعلاج المرض وليس العرض وهو الخلاف السياسي الذى يؤدي للاعتقالات والاحتجاجات".
ورحّب نائب رئيس حزب الأمة المعارض، فضل الله برمة ناصر، بالإفراج عن نفسه. وقال في تصريحات صحفية إن "الخط القومي الوطني هو الحل الأمثل لقضايا الوطن". وأكد تمسكهم بالشرعية والدستور والقانون، مُعربًا عن أمله في إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.
كما سارع حزب الأمة لإعلان ترحيبه بالقرار ووصفه بالإيجابي، لكنه رأى فيه محاولة من النظام لممارسة "عملية تخدير تمتص السخط الشعبي".
وأضاف، بحسب بيان تلقّاه سودان تريبيون، أن "الأزمة السياسية والاقتصادية لم تنقضِ، بل زاد تعقيدها بسبب سياسات الفساد والاستبداد وغياب أفق الحل لدى النظام".
هذا ولم يشمل القرار كوادر الحزب الشيوعي بما في ذلك سكرتيره السياسي محمد مختار الخطيب، ومجموعة من قادة الحزب مثل محي الدين الجلاد، إلى جانب رئيس حزب الوسط الإسلامي الدكتور يوسف الكودة، ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، والناشط في حركة التغيير السودانية أمجد فريد.
كما خلت القائمة من بعض الصحفيين، بما فيهم كمال كرار والحاج الموز وأحمد جادين، الذين لا يزالون قيد الاعتقال.
وبدأت حملة الاعتقالات خلال تظاهرات اندلعت، يناير الماضي، بالقرب من القصر الرئاسي في العاصمة السودانية الخرطوم، تنديدًا بغلاء الأسعار، وسط شعارات "لا للغلاء" و"ضد الفقر.. ضد الجوع". فيما أطلقت الشرطة السودانية قنابل مُسيلة للدموع، وألقت القبض على عدد منهم.
ووقعت تلك التظاهرات، التي عُرِفت إعلاميًا بـ"احتجاجات الخبز"، بناء على دعوة من الحزب الشيوعي السودان الذي دعا إلى تنظيم موكب احتجاج سلمي وأخطر السلطات بذلك.
واندلعت مظاهرات مشابهة في أواخر عام 2016، بعد أن خفضت الحكومة دعم الوقود، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). وقمعت السلطات السودانية تلك التظاهرات، لمنع تكرار اضطرابات عنيفة، تلت قرارًا مماثلًا لتخفيض دعم الوقود عام 2013.
وقُتل عشرات الأشخاص في عام 2013، حينما سحقت قوات الأمن السودانية تظاهرات واسعة، وهو ما تسبب في إدانات دولية.
ويواجه الاقتصاد السوداني صعوبات منذ انفصال دولة جنوب السودان في عام 2011، والتي تحوي معظم ثروات البلاد النفطية.
فيديو قد يعجبك: