تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة الصحفي الفلسطيني الذي قتلته إسرائيل
كتبت- رنا أسامة:
"يوم الجمعة الماضي، تناول ياسر مُرتجى، 31 عامًا، الفطور، مودعًا أسرته، وهمّ إلى العمل"، هكذا استهلّت الكاتبة ياسمين السيد مقالها في مجلة "ذا نيويوركر" الأمريكية، تروي فيه اللحظات الأخيرة في حياة الصحفي الفلسطيني الذي قُتِل برصاص الاحتلال الإسرائيلي خلال تغطيته المواجهات التي اندلعت قُرب الحدود الشرقية لقطاع غزة.
انضم مُرتجى، متزوج وأب لرضيع لديه 15 شهرًا، إلى الصحفيين الآخرين في تغطية التظاهرات الفلسطينية التي خرجت من القطاع تطالب بعودة أراضيهم المُحتلة من قِبل إسرائيل منذ عام 1948. وأثناء تصوير فيلم وثائقي عن المظاهرات، ارتدى سُترة زرقاء كُتِب عليها بحروف كبيرة واضحة، كلمة (صحافة) على الصدر. في الظهيرة، أُصيب في بطنه ونُقِل إلى مستشفى محلي، حيث توُفي بعد 12 ساعة.
كان مُرتجى واحدًا من بين 5 صحفيين فلسطينيين أُطلِق عليهم الرصاص يوم الجمعة الماضي، وفقًا للجنة حماية الصحفيين التي دعت إلى إجراء تحقيق كامل في وفاة مُرتجى. وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي أن قواته لم تُطلق النار- عمدًا- على الصحفيين، وقال إن الحادث سيتم مُراجعته، يقول الصحفيون الفلسطينيون إن عدد الجرحى يُظهِر أن القنّاصة الإسرائيليين استهدفوا الصحفيين عمدًا.
وتمضي الكاتبة في حكي التفاصيل قائلة: "يوم الاثنين، تحدثت هاتفيًا إلى أحد أصدقاء مُرتجى القُدامى، وهو صحفي مُساهم يُدعى رشدي السرّاج، تواجد معه عندما أصيب بجروح قاتلة"، مُشيرة إلى أن الاثنين بدءا شركة إعلامية منذ 5 سنوات تعمل مع مختلف المؤسسات الإخبارية الدولية لتقديم تغطيات عن غزة.
واستعرضت الكاتبة نص الحوار الذي دار، بالعربية، بينها وبين السرّاج حول مُرتجي: "كُنا نُجهّز أنا وياسر فيلمًا وثائقيًا عن مسيرة العودة التي بدأت قبل أسبوع ونصف. فكّر ياسر في صنع فيلم وثائقي عنه واختار بعض الشخصيات المُشاركة في المسيرة: ممرضة وطبيبة وطالبة في الثانية عشرة من العمر، وجميعهم انضموا إلى الاحتجاجات".
وتابع: "صباح الجمعة، بدأنا التصوير وسجّلنا صلاة الجمعة بالقرب من الحدود. بعد الصلاة مباشرة، فوجئنا عندما بدأ الجنود الإسرائيليون بإطلاق الرصاص علينا، وإحداها أصابت ياسر في بطنه للأسف. سقط على الفور، هرع الناس نحوه وسمعت صرخات المُحيطين تُردد: أصيب صحفي..أصيب صحفي. مضيت نحوه مُسرعًا لأكتشف أنه ياسر، صديقي".
وأكمل:"كان مستيقظًا طوال الطريق إلى المستشفى. وبدا أنه كان يعاني الكثير من الألم. وقال: بطني، ما مدى سوء إصابتي؟ هناك الكثير من الألم. ساقي مُخدّرة".
وذكر السرّاج أن مُرتجى توفي حوالي الواحدة والنصف صباح السبت الماضي. "لقد كنت هناك. لم أُبارح المُستشفى قط. قضيت أنا وشقيقه وأحد أصدقائنا الوقت بأكمله هناك. بعد ذلك توالى أفراد أسرته في المجيء تِباعًا، شعرنا أن حالته بدأت تتحسّن، فغادر بعضنا لنيل قسط من الراحة وعادوا في الصباح، على أمل أن يزداد تحسّنًا، لكن وافته المنية"، يحكي صديقه.
ويعتقد السرّاج أن مقتل مُرتجى لم يكن من قبيل الصُدفة وأنه كان مُستهدفًا. وعزا ذلك إلى 3 أسباب؛ أولها أنه كان يرتدي خوذة وسُترة واقية مكتوب عليها بوضوح كلمة صحافة.
وثانيها أن الجيش الإسرائيلي تفاخر قبل يومين من الحادث، على تويتر، بأن جنوده يعرفون أين تُطلق كل رصاصة يُصوّبوتها. وثالثها، في نفس اليوم الذي قُتِل فيه مُرتجى أصيب 4 أو 5 صحفيين، بعضهم في ساقه وآخرين في ذراعه، بالرغم من أنهم جميعًا كانوا يحملون لافتات موقّعة بكلمة "صحافة".
"أعرفه منذ كنا أطفالاً. اعتدنا أن نخرج كثيرًا للتنزّه ورغبنا في أن نكون صانعي أفلام، الأمر الذي دفعنا لتأسيس شركة إعلامية عام 2012. كان أكثر من أخ بالنسبة لي". يقول السرّاج، موضحًا أن مُرتجى لم يدرس الصحافة أو الإخراج السينمائي، بل درس المُحاسبة، لكنه علّم نفسه بنفسه.
وأضاف: "دأبنا على الاعتقاد بأن هناك درجة معينة من الاحترام تُمنح للصحفيين، بين حرية وتمتّع بالقوانين الدولية التي نسمع عنها في جميع أنحاء العالم. لكن الاحتلال الإسرائيلي كسر جميع المعاهدات الدولية، واستهدف الصحفيين في كل مكان في الحرب في 2014 و2014. والآن، مرة أخرى، في 2018، مع وفاة ياسر. في كل مرة، هناك إصابات ووفيات بين الصحفيين".
ولفت إلى أن أي شخص يعيش في غزة يعلم أن حياته مُهدّدة بالخطر، وأنه بين عشيّةٍ وضُحاها قد يجد نفسه مُستهدفًا، مدنيًا كان أو صحفيًا أو حتى أجنبيًا أو أحد العمال الدوليين. "الكُل في خطر"؛ لذا حينما ذهب مُرتجى لتغطية المواجهات لم يستبعد أن تستهدف قوات الاحتلال أي شخص في المنطقة. "لكننا اعتقدنا أن هناك على الأقل قدسية للصحفيين. لكن من الواضح اليوم أنه لا يوجد احترام لحقوق الإنسان أو أي شيء مقدس"، يقول السرّاج.
فيديو قد يعجبك: