إعلان

قمة الكوريتين: هل تقود المحادثات التاريخية إلى سلام دائم؟

08:51 م السبت 28 أبريل 2018

(بي بي سي):
يمثل لقاء الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن مع نظيره الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، انطلاقة تاريخية، على الأقل من حيث شكل المصالحة الثنائية والأجواء العاطفية التي أحاطت بهما في كوريا الجنوبية.

لكن لا يزال ثمة سؤال مطروح وهو: هل يقدم الاتفاق الذي أعلن عنه في الاجتماع (إعلان بانمونغيوم الجديد للسلام والازدهار والتوحيد في شبه الجزيرة الكورية) مزيجا مناسبا من التدابير الملموسة لدفع الكوريتين والمجتمع الدولي على نطاق واسع نحو تحقيق سلام دائم؟

إن قرار كيم الجريء بزيارة أرض معادية ولو اسمياً، يعكس ثقة الديكتاتور الشاب بنفسه وفهم جيد لما يدور على المسرح السياسي وتوقيت أُختير ببراعة.

وأظهرت إشارته الذكية للرئيس مون، بأن يخطو مثله ولكن للشمال مثلما فعل تجاه الجنوب، طريقة ملهمة لتأكيد المساواة بين البلدين والزعيمين.

كما أنه، من خلال تجاوز الحدود بين البلدين، يلمع في الأفق هدف التوحيد بين الكوريتين وهو الهدف الذي سعى إليه البلدان.

أما بقية اليوم، فكان مليئا بالمشاهد الودية والأحاديث الجانبية بين الرئيسين في الهواء الطلق التي على ما يبدو أنهما تعمدا إلى إظهارها للعامة لإعطاء صورة ورواية قوية عن طبيعة العلاقات المقبلة بين الكوريتين.

وقد عززت المصافحات و الابتسامات العريضة وعناقهما رسالة مفادها أن الكوريين يحددون مستقبلهم بأنفسهم، في عملية تعويض لذكريات الماضي في شبه الجزيرة التي غالباً ما كانت تهيمن عليها مصلحة القوى العظمى الخارجية، سواء كان من الصين أو اليابان أو في الآونة الأخيرة، خلال الحرب الباردة، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقاً.

كانت التصريحات المشتركة التي أدلى بها الزعيمان أمام وسائل الإعلام الدولية لحظة مدروسة أخرى لكي يتحدى بها كيم التصورات المسبقة عنه.

وعلى سبيل المثال، ثقة كيم العالية بنفسه عند إعلانه للصحافة بشكل مريح أنه عازم على تطوير قضية السلام والمصالحة الوطنية، بدَّدت صورة الزعيم المتعجرف والمستبد والمتصلب في قرارته التي كانت في أذهان العالم.

وقد يرى المتشككون ذلك بمثابة انتصار دعائي بالنسبة لكيم، ومحاولة لتأمين التقدم النووي والصاروخي الذي حققته كوريا الشمالية بالفعل من خلال الدعوة إلى "نزع السلاح على مراحل" عن طريق التخفيف من توقعات التقدم الفوري، مع التأكيد على الحاجة للمفاوضات خطوة بخطوة.

ويعيد الإعلان المشترك إلى الأذهان، صدى الاتفاقات السابقة، بما في ذلك القمم السابقة التي عقدها الزعماء الكوريون في عامي 2000 و 2007، واتفاق المصالحة الثنائية واتفاق عدم الاعتداء في 1991

وقد برزت في اتفاقات سابقة، مهام خطط لإنشاء بعثات اتصال مشتركة، وإجراء حوار عسكري وبناء الثقة والتعاون الاقتصادي، وتوسيع الاتصال بين مواطني البلدين.

ومع ذلك، فإن إعلان الـ27 من أبريل أكثر تحديدًا في مقترحاته، حيث تعهد البلدان، على سبيل المثال، "بوقف جميع الأعمال العدائية ضد بعضها البعض على جميع الأصعدة، ويشمل ذلك براً وبحراً وجوا، وتوفير سلسلة من التواريخ الرئيسية للإنجازات المبكرة من الجانبين لمجموعة من تدابير بناء الثقة الجديدة.

ويشمل ذلك وقف "جميع الأعمال العدائية" بالقرب من المنطقة منزوعة السلاح بحلول الأول من مايو/أيار، وبدء المحادثات العسكرية الثنائية في نفس الوقت، والمشاركة المشتركة بين الكوريتين في بطولة الألعاب الآسيوية لعام 2018، وإعادة لم شمل الأسر بحلول 15 أغسطس/آب. ولعل الأهم من كل ذلك هو زيارة الرئيس مون إلى كوريا الشمالية بحلول الخريف من هذا العام.

ويبدو أن التزام القادة الكوريين بإجراءات مبكرة، وإن كانت تدريجية في اتجاه السلام، يحفز رغبتهم في تعزيز شعورهم بزخم وإلحاح لا يُقاوم.

كما دعا الإعلان إلى عقد محادثات حول معاهدة السلام في المستقبل تشمل الكوريتين، إلى جانب واحدة أو كل من الصين والولايات المتحدة.

إن منطق إلزام الأطراف الخارجية في جدول زمني محدد، قابل للتطوير تدريجياً، للتقدم في القضايا الرئيسية، يقلل من خطر نشوب صراع في شبه الجزيرة الكورية، الأمر الذي حرصت الكوريتان على تجنبه، وهو الأمر الذي طالما تخوفتا منه في الماضي.

إن اللعب من أجل كسب الوقت خيار قابل للتطبيق، علماً أن الرئيس مون في بداية رئاسته التي تدوم خمس سنوات، وهو متناقض بشكل واضح مع الوضع إبان قمتي عامي 2000 و 2007

وبالتالي، يستطيع مون الاعتماد على الاجتماعات المتكررة مع كيم، ويبدو أن الرجلين مهتمان بشكل حقيقي بتعزيز حوارهما وإحراز التقدم.

كما أن تصريحات كيم في القمة لصالح سياسات الهوية حجة قوية أيضاً، نظراً لتركيزه على " أمة واحدة ولغة واحدة ودم واحد "، ورفضه المتكرر لأي صراع مستقبلي بين الكوريتين، وتركت تلك التصريحات اثراً إيجابياً على المجتمع الكوري الجنوبي الذي يتعاطف تقليديا مع الحديث عن الثقة بالنفس، بالرغم من أن القومية ليست بالضرورة القصوى عندهم.

ويستحيل الهروب من أهمية الولايات المتحدة الحاسمة في هذا الخصوص بالرغم من التركيز على الكوريتين اللتين ستحددان مستقبلهما. وستكون قمة ( ترامب- كيم) المتوقعة في مايو/أيار أو أوائل يونيو/حزيران، حاسمة في اختبار مدى إخلاص التزام الشمال بالتسوية السلمية.

ومن المرجح أن يكون التزام بيونغيانغ المعلن "بنزع السلاح النووي" مختلفًا تمامًا عن مطلب واشنطن في ﻧﺰع شامل للسلاح النووي وقابل للتحقق وغير قابل للرجوع عنه.

ولن تكون قمة (ترامب - كيم) مجرد وسيلة لقياس الفجوة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية فيما يتعلق بهذه القضية، بل ستكون فرصة مهمة لقياس مدى سعي الولايات المتحدة لتطوير استراتيجيتها الخاصة التي تعمل على تقليص الخلافات مع كوريا الشمالية.

لقد سمح الرئيس مون بذكاء مراراً لترامب بالاختراق في العلاقات بين الكوريتين، ربما معترفاً بأن تعزيز غرور الرئيس الأمريكي هو أفضل طريقة لتقليل مخاطر الحرب وإبقاء ترامب في حوار مع الشمال.

ومهما كانت النتائج الجوهرية بعيدة المدى لقمة "بانمونغيوم" ، فقد أظهر الحدث على نحو لا يُستهان بمدى الفطنة السياسية والدبلوماسية والرؤية الاستراتيجية لكلا الزعيمين الكوريين.

كما أن أحداث يوم 27 من أبريل، هي تذكير بأن الشخصية والقيادة هي مكونات أساسية في إحداث التغيير التاريخي، مما يسمح أحيانًا للقوى الصغيرة نسبيًا بتحسين مصالحها على الرغم من المصالح المتنافسة للدول الأكبر والأكثر نفوذاً.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان