أزمة الحريري ومحتجزو الريتز.. أحداث زلزلت المنطقة
كتبت- هدى الشيمي ورنا أسامة:
شهد نوفمبر الماضي وقوع مجموعة من الأحداث زلزلت المنطقة، بدأت بإطلاق المتمردين الحوثيين في اليمن، المدعومين من إيران، صواريخ بالستية على العاصمة السعودية الرياض. في تلك الليلة، أعلن الملك سلمان بن عبدالعزيز، تشكيل لجنة لمكافحة الفساد، اعتقل على إثرها عشرات الأمراء والمسؤولين السعودين الحاليين والسابقين ورجال الأعمال، من بينهم الأمير متعب بن عبدالله، رئيس الحرس الوطني السابق، والملياردير الأمير الوليد بن طلال، والشيخ صالح كامل.
قالت مجلة "نيويوركر"، في تقرير مطوّل على موقعها الإلكتروني، إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، استدعى في الوقت نفسه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى الرياض.
"تدهور العلاقات"
وذكرت المجلة الأمريكية أن العلاقات بين الحريري وبن سلمان تدهورت بسبب حرب الأخير بالوكالة مع إيران، موضحة أنه بعد تدخل السعوديين والإماراتيين في اليمن، منذ 3 أعوام، سارت الأمور بشكل خاطئ، فما يزال الحوثيون يسيطرون على العاصمة، ويقوم أفراد القوات الخاصة الإيرانية وقوات حزب الله بتدريب مقاتلين متمردين جُدد. وما زاد الأمر سوءًا هو تهريب الإيرانيين الأسلحة والصواريخ للحوثيين، والتي استخدموها في قصف المملكة.
وفي محاولة للتصدي للصواريخ التي تستهدف المملكة. أغلق السعوديون والإماراتيون الموانئ اليمنية، ما تسبب في حدوث أزمة انسانية كبيرة. وأدت الحرب إلى مقتل عشرات الآلاف من المواطنين، ومواجهة مئات الآلاف لخطر المجاعة والاصابة بالكوليرا.
على مدار سنوات عديدة، تقول نيويوركر، إن حكومات السعودية وأمريكا تعاونت لبناء جيش لبناني قوي. وفي عام 2016، بعد عام من تولي بن سلمان منصب وزير الدفاع، جمد مساعدات عسكرية بلغت قيمتها 3 مليارات دولار إلى لبنان.
قال مسؤول أمريكي سابق للمجلة، إن "بن سلمان وجد في نهاية الأمر أن منح بيروت هذه المبالغ، إهدار للمال ومضيعة للوقت".
وأضاف "شعر أن كل دولار تحصل عليه لبنان كان يدعم حزب الله".
وفقا لنيويوركر، فإن السعودية أملت أن يتمكن الحريري من مواجهة حزب الله، لاسيما وأنه سنيّ وسياسي مُحنّك، تولى رئاسة وزراء لبنان منذ عام 2009 وحتى عام 2011، عندما سافر إلى العاصمة الفرنسية باريس، هربًا مما تردد عن تخطيط حزب الله لاغتياله.
إلا أن الحريري لم يكن قادرًا على مواجهة حزب الله، حتى بعد الجهود التي بذلها بن سلمان لدفعه إلى أخذ موقف أكثر صرامة.
"نقطة تحول"
وكانت نقطة التحول في مطلع نوفمبر الماضي. وبينما أطلق المتمردون الحوثيون الصواريخ الباليستية على المملكة، كان علي ولايتي، المسؤول الإيراني رفيع المستوى في لبنان لمقابلة الحريري.
ووفقا لمسؤول أمريكي سابق، فإن ولايتي أخبر الحريري أن إيران تنوى الاستمرار في تعزيز وجودها بالمنطقة. وبعدها انتشرت صور للمسؤول اللبناني وهو مبتسم بجانب ولايتي.
أغضب اللقاء بن سلمان، بحسب المسؤول الأمريكي الذي قال للمجلة، إن ولي العهد السعودي شعر بأنه عليه فعل شيئًا ما.
وعن احتجاز الحريري في الرياض، قالت المجلة إن رئيس الوزراء اللبناني كان يتوقع، عندما استقل طائرته لمقابلة بن سلمان، أن يجد في انتظاره استقبالا حارًا.
وتنقل المجلة عن أحد مساعدي الحريري قوله بإن: "سعد كان يفكر في أن كل مشاكله مع ولي العهد ستنتهي"، وعوضًا عن ذلك وجد الشرطة في انتظاره في مطار الرياض، وعزلوه عن مساعديه وحراسه، وأخذوا منه هاتفه المحمول، واحتجزوه، ثم أعلن الحريري استقالته في خطاب مُتلفز عُرض على قناة العربية السعودية، اتهم فيه إيران بنشر الفساد والدمار في المنطقة.
وقال مسؤول استخباراتي أمريكي سابق مُقرب من البيت الأبيض، إن ولي العهد حصل على "الضوء الأخضر" لعزل الحريري. وهذا ما نفاه مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية.
وفي نهاية الأمر. تقول نيويوركر إن خطة بن سلمان فشلت بعد نزول اللبنانيين في مظاهرات تُندد باحتجاز الحريري في الرياض. وبعد أسبوعين من وصوله، قال مسؤول في حزب الله للمجلة إن "لبنان بأكمله اتحد وراء الحريري".
وبعد عدة أيام من عودته إلى بلاده. التقى مُراسل نيويوركر بالحريري في بيروت. ورفض رئيس الوزراء اللبناني التعليق عما حدث في السعودية. وقال: "بن سلمان كان مُحقًا. وما يحاول فعله هو الصواب".
"مثار جدل"
ومنذ أصبح بن سلمان مثار جدل في وسائل الإعلام الغربية، بدأ خطته المنهجية للقضاء على المُعارضين المُحتملين لحكمه. وأشارت المجلة إلى أن هذه الخطة تمثّلت في فرض الشرطة السعودية حملة ضد ما تبقى من الجماعات الصحفية المُستقلة والمؤيّدة للإصلاح في البلاد، واعتقال نشطاء حقوق الإنسان، والمنظمين المؤيدين للديمقراطية، والصحفيين البارزين.
يقول جمال خاشقجي، صحفي سعودي هرب مؤخرًا إلى الولايات المتحدة، للنيويوركر: "معظم رجال الدين الذين جرى اعتقالهم ليسوا من رجال الدين المتشددين بل من المُصلحين؛ لأنهم يتمتعون بشعبية".
بعد فترة وجيزة من تعيينه وليًا للعهد، طلب بن سلمان من البنوك السعودية والغربية مُساعدته في تجميع معلومات عن الوضع المالي لأغنى رجال المملكة. في 4 نوفمبر، أمر الشرطة في جميع أنحاء البلاد باعتقال العديد من الأمراء، بينهم أكثر من 10 من أفراد العائلة المالكة، على خلفية مزاعم بالفساد.
ترى المجلة أن هذه الخطوة مثّلت "اعتداءً غير مسبوق على الطبقة السعودية الأكثر نفوذًا"، التي عملت على إثراء نفسها بالرشاوي والاختلاس، مُستغلة في ذلك روابطها مع العائلة المالكة.
وحذّر بن سلمان من أن "أي شخص متورط في الفساد لن يفلت من العقاب، سواء كان أميرًا أو وزيرًا أو أيًا كان. إذا كانت هناك أدلة كافية ضده، سيُحاسب".
"محتجزو الريتز"
احتُجّز حوالي مائتي موقوف إلى فندق "ريتز كارلتون" بالعاصمة السعودية، الرياض. قال علي شهابي، مدير مركز أبحاث موالي للسعودية في واشنطن، للنيوركر: "جميع المُحتجزين سار عليهم البروتوكول ذاته: طُلّب منهم خلع ملابسهم وارتداء زيًا موحدًا، وخضعوا لفحص طبي، حيث سُئلوا إذا كانوا يتناولون أي عقاقير موصوفة. ثم تم نقلهم إلى غرف عليها حراسة، حيث أزيلت الأبواب، والمرايا وأي شيء آخر يُمكن استخدامه لإيذاء أنفسهم".
وأضاف الشهابي، الذي قالت المجلة إنه تحدّث إلى العديد من "مُحتجزي الريتز": "كان بإمكانهم مشاهدة التلفزيون وطلب خدمة الغرف، لكنهم فقط لا يستطيعون الرحيل". بعد ذلك، بدأ استجواب الموقوفين وتوجيه اتهامات وأدلة تُدينهم، تبعها مرحلة "مفاوضات التسوية" التي زعمت المجلة أنه كان يتم التوصل خلالها إلى تسويات مالية مع الموقوفين -تحت الإكراه- وعندما يدفع الموقوف قيمة التسوية ويوقع على اتفاق "غير مُعلن"، يكون له مُطلق الحرية في المغادرة.
يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين للنيويوركر: "لم يكن هناك أي إجراء قانوني من أي نوع، لا محاكم ولا قضاة ولا أوامر قضائية، ولا شيء من هذا القبيل". وأضاف أن "العديد من الأثرياء السعوديين الذين لم تطالهم حملة مكافحة الفساد سارعوا لتحويل أموالهم خارج البلاد".
ووفقًا لمصدر سعودي مُطلع، توفي علي القحطاني، وهو جنرال متقاعد في الجيش، بسبب نوبة قلبية بعد تعرضه للتعذيب أثناء استجوابه في فندق ريتز. (الأمر الذي نفته الحكومة السعودية لاحقًا). ونقل المصدر عن أحد المُحتجزين، إن عمرو الدباغ، وهو مسؤول كبير سابق في هيئة الاستثمار السعودية، تعرض لصدمات كهربائية في الفندق. أفاد البعض من داخل الريتز كارلتون، بأن بعض حُراس المحتجزين كانوا يتحدثون إلى بعضهم البعض بالإنجليزية، الأمر الذي أثار احتمالية أن يكون بن سلمان قام بتجنيد أجانب لمساعدته، وفق المجلة.
فيديو قد يعجبك: