انتخابات العراق.. مرشحون يمارسون ضغوطاً على النازحين!
بغداد (دويتشه فيله)
المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية العراقية انطلقت باقتراع منتسبي الجيش والأمن وعراقيي المهجر، فيما ينقسم النازحون في داخل البلاد من مشارك فيها ومقاطع لها نظراً لأوضاعهم السيئة التي وصفوها "بالموت البطيء".
على الرغم من إلزام الحكومة العراقية نفسها، بإعادة النازحين وتهيئة البيئة الانتخابية الملائمة قبيل إجراء الانتخابات التشريعية، وفقا للتعديل الأخير على قانون الانتخابات الذي قدمه مجلس الوزراء وصوت عليه البرلمان، إلا أن نحو 450 ألف نازح لا يزالون في المخيمات الموزعة بين كردستان العراق والعاصمة بغداد فضلا عن المحافظات المحررة مؤخراً.
حياة مع وقف التنفيذ
ما يقاسيه النازحون من ظروف معيشية قاسية يلخصه خالد الجبوري أحد الفارين من المعارك التي حصلت في مدينة الموصل في حديث لـدويتشه فيله عربية بوصف "موت بطيء"، وفي أحسن حالاته يقول الجبوري " حياة مع وقف النفيذ".
المخيم الذي يسكنه خالد الجبوري (42 عاما) مع أربعة من أطفاله وزوجته، و44 عائلة أخرى، والذي يسمى بمخيم حي الجامعة جنوب غربي العاصمة بغداد، لا شيء معبد فيه سوى الشارع الذي يفصل بين جانبي "الكرفانات" التي تأوي هذه العوائل، والتي تتحدث عن غياب شبه تام للخدمات الصحية والغذائية، إذ يوضح الجبوري: "لا يتوفر لدينا سوى ما تأتي به المنظمات الاغاثية الدولية والفرق الطوعية المحلية، وبعض المساعدات الطبية والغذائية من قبل وزارة الهجرة والمهجرين"، مستدركاً: "لكن ذلك في الآونة الاخيرة قل، واستبدلت الحملات التطوعية بحملات المرشحين للانتخابات".
ومنذ بدء الحملة الدعائية للانتخابات العراقية في يوم 14 نيسان الماضي، والمئات من المرشحين يتسابقون على مخيمات النازحين وتقديم الإغراءات المالية لهم على شكل "هدايا" او "سلات" غذائية، للظفر بأصوات الناخبين من بينهم.
الجبوري، وعلى الرغم من أنه يمتلك بطاقة الناخب التي احتفظ بها مع وثائقه الثبوتية، عند هروبه من سيطرة تنظيم "داعش" على مدينته في الجانب الايمن للموصل إبان معارك تحريرها، بيد أنه لن يذهب للمشاركة في هذه الانتخابات لما يرى أن "المشاركة تعني اعطاء صوتي لمن ساهم في وصولي وعائلتي الى هذا الحال. نريد العودة الى مدننا وبناء منازلنا المهدمة وتوفير الخدمات أولا. الانتخابات ليست اولويتنا. أولويتنا تكمن في العودة الى الحياة".
ومع أن مروان الدليمي (39 عاما) يعيش في المخيم ذاته مع الجبوري، إلا أنه يعتزم الذهاب والمشاركة في الانتخابات، "لأنها سبيلي لتغيير الوجوه التي تسببت بدخول داعش الى الموصل وتهجيرنا انا وعائلتي"، حسب تعبيره.
الدليمي لم يذهب الى مراكز تحديث سجلات الناخبين، بل اعتمد على بطاقة الناخب السابقة التي استخدمها للمشاركة في انتخابات 2014، بعد ان اعلنت مفوضية الانتخابات انها ستعتمد كلا البطاقتين الجديدة والسابقة، في عملية الاقتراع.
مشاركة شاملة للنازحين
أما المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فقد كشفت عن إجراءات تتيح لجميع النازحين التصويت في الانتخابات المقبلة، حسبما أوضح الناطق الرسمي باسمها كريم التميمي في حديثه مع دويتشه فيله عربية مضيفا: "هناك أربع حالات مختلفة للنازحين في المحافظات التي شهدت نزوحا وهي محافظات كركوك ـ نينوى ـ صلاح الدين والأنبار، حيث تتضمن الحالة الأولى النازحين المتواجدين في إقليم كردستان، وهؤلاء سيكون تصويتهم لمحافظاتهم الأربعة، وكل حسب محافظته التي نزح منها من خلال استخدام بطاقاتهم الانتخابية الإلكترونية سواء أكانت بايومترية أو قصيرة الأمد التي استخدمت في الانتخابات السابقة، موضحا أن التصويت سيكون في مراكز اقتراع خاصة للنازحين في محافظات الإقليم الثلاثة.
تصويت "مشروط"
أما الحالة الثانية، فيقول التميمي، إن الناخب الذي فقد بطاقة الناخب، ولم يحدث معلوماته بايومتريا، فأنه ومن اجل التصويت يحتاج إلى جلب إحدى الوثائق الثبوتية الرسمية التي تثبت هويته وهي (هوية الاحوال المدنية، شهادة الجنسية العراقية أو جواز سفر ساري المفعول) فضلاً عن البطاقة التموينية التي تدل على محافظته او بطاقة السكن، مشيرا الى أن هذه الحالة تخضع للتصويت المشروط التي تشمل النازحين المتواجدين في مخيمات النزوح أو خارجها.
وفي ما تخص الحالة الثالثة، فإنها تخص النزوح الداخلي في المحافظات (الحركة السكانية) فقد عرفها التميمي بأنهم النازحون المتواجدون في محافظات النزوح ونتيجة العمليات العسكرية أو أعمال تطهير المدن من مخلفات الحرب، فأنهم لن يستطيعوا العودة الى مناطقهم الأصلية، وبحسب التميمي فإن هذه الفئة تصوت باستخدام بطاقاتهم الانتخابية البايومترية أو قصيرة الأمد في مراكز اقتراع تفتح بالقرب من مناطقهم الأصلية وكذلك سوف يسمح لهم فقط التصويت في مراكز اقتراع الحركة السكانية داخل المحافظة.
اما الحالة الرابعة وهم النازحون الذين حدثوا بياناتهم وحصلوا على بطاقة الناخب البايومترية (طويلة الأمد) التي تحمل الصورة فستتم عملية تصويتهم في مراكز اقتراعهم في المحافظات المتواجدين فيها وتذهب اصواتهم الى محافظات النازحين منها.
450 ألف نازح ينتخبون في مخيماتهم
الامر لا يقتصر فقط على آلية التصويت، كما يرى مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون، الذي طالب في حديثه مع دويتشه فيله عربية، لجان الرقابة التي ستشرف على الانتخابات بعدم السماح للمرشحين أو مراقبي الكيانات السياسية بترغيب أو ترهيب النازحين في يوم التصويت بغية تغيير قناعاتهم في اختيار من يريدون.
سعدون اوضح أن شبكة الرصد في المرصد العراقي لحقوق الإنسان كشفت عن أن النازحين الذين يحق لهم التصويت يعيشون منذ أسابيع ضغوطاً نفسية كبيرة بسبب استمرار توافد المرشحين للانتخابات على المخيمات التي يعيشون فيها، مشيرا الى أن إحصائيات المركز ومعلوماته تؤكد بان الناخبين الذين سيدلون بأصواتهم في الانتخابات التشريعية المقبلة من داخل مخيمات النزوح يبلغ عددهم 450 ألف ناخب.
ومن بين اولئك النازحين، يقول سعدون إن "291 ألف نازح حدثوا بياناتهم بايومترياً بينما الـ197 ألف الآخرين سيعتمدون على بطاقاتهم التي اعتمدوها في انتخابات عام 2014"، مشيرا الى ان "نازحي الموصل في المخيمات يشكلون النسبة الأعلى من النازحين الناخبين، حيث بلغ عددهم 181 ألف ناخب".
مشاركة فاعلة
ومع كل ذلك، فإن أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د. احمد الميالي يتوقع مشاركة فاعلة للنازحين في الانتخابات، ويقول إن النازحين في هذه الانتخابات سيشاركون بفعالية، رغم وجود مقاطعة من بعضهم، لافتا الى أن ما يميز تصويتهم في هذه الانتخابات هو "أن هذه الشريحة لن تصوت تحت عناوين طائفية، بل الاتجاه الإنساني بات يحدد ملامحها بشكل ينسجم مع التحرك الوطني".
ويشدد الميالي على أن "ملف النازحين يحتاج الى تركيز أكثر لما له من ثقل في العملية الانتخابية، لأن مخرجات النازحين ستكون مهمة وأصواتهم ليست محسومة لطرف ما".
فيديو قد يعجبك: