"البكاء على من بقى".. تفاصيل يوم "الشهداء" في غزة "والغناء" في القدس
كتب – محمد الصباغ:
في السادس من ديسمبر الماضي، وقبل فترة لا تقل عن ستة أشهر، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة تعترف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وأكد على نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى المدينة المقدسة.
إعلان نددت به الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بشكل واضح إلا القليل منهم وبالطبع بينهم أمريكا وإسرائيل، واعتبرت فلسطين أن القرار بمثابة انسحاب أمريكي من دور الوساطة في عملية السلام لأنها بهذا القرار اتخذت جانب الإسرائيليين على حساب الشعب الفلسطيني والمواثيق الدولية التي تعتبر أن وضع القدس لا يجب أن يُقرر إلا بعد التوصل إلى اتفاق سلام دائم بين الطرفين.
ترامب قال في خطاب تاريخي من البيت الأبيض إن "هذه الخطوة تأخرت وإن إسرائيل لها الحق في أن تختار عاصمتها والاعتراف بذلك شرط لتحقيق السلام." وأشار إلى أن هذا القرار سوف يصب في مصلحة عملية السلام التي أصابها شلل منذ عقدين من الزمن.
مرت الأشهر وهدأ الغضب المؤقت الذي اندلع في دول عربية وإسلامية وفي فلسطين أيضًا، لكن سرعان ما عاد الأمر بعد الإعلان عن مسيرات العودة الكبرى بداية من يوم 30 مارس الماضي والموافق ليوم الأرض.
جمعة وراء جمعة ومسيرات وراء مسيرات على نقاط التماس مع الاحتلال الإسرائيلي. واجهها جيش الدولة العبرية بالرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز.
وعلى مدار الأسابيع الأخيرة وحتى اليوم الاثنين والذي تم فيه افتتاح السفارة الأمريكية في القدس المحتلة رسميًا، استشهد 104 شخصًا وأصيب حوالي عشرة آلاف آخرين، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
ومن الجدير بالذكر أن يوم افتتاح السفارة الأمريكية شهد "المذبحة" الأكبر من الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين العُزّل على حدود قطاع غزة، حيث استشهد 55 شخصًا أي أكثر من نصف الضحايا منذ 30 مارس الماضي.
وفي وقت كان أكثر من 300 ضيفًا بمبنى السفارة الأمريكي الجديدة في القدس المحتلة يحتفلون ويرقصون، ويلقون الكلمات الحماسية، كان الدماء تسيل على حدود قطاع غزة برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وكشفت وزارة الصحة في قطاع غزة، عن تفاصيل الضحايا من الشهداء والجرحى في صفوف الفلسطينيين جراء الاحتجاجات التي واجهها جيش الاحتلال الإسرائيلي بالرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز.
ومن المنتظر أن يعقد مجلس الأمن جلسة طارئة غدًا الثلاثاء حول المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة. وجاء ذلك بعدما طالبت الكويت بعقد اجتماع للمجلس لبحث العنف المتواصل على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل.
"آخر أقوال الشهداء"
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت حملة إلكترونية ضد نقل السفارة ومن أجل التأكيد على أن "القدس عاصمة أبدية لفلسطين"، ونشرت بعض الحسابات ما كتبه عدد من شهداء فلسطين اليوم.
ونقلت وسائل إعلامية محلية فلسطينية آخر ما كتبه الشهيد فادي أبو صلاح، وهو القعيد الثلاثيني الذي استشهد برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي ليعيد إلى الأذهان جريمة مشابهة للاحتلال بحق الشهيد القعيد الآخر إبراهيم أبو ثريا.
استشهد أبو ثريا برصاص الاحتلال في ديسمبر الماضي وبعد أيام قليلة من إعلان ترامب أن القدس عاصمة إسرائيل.
كتب فادي أبو صلاح على حسابه على موقع فيسبوك قبل وفاته: "اللهم عجل في لقائي بك ولا تجعلني عبء ع الدنيا وعلى أحد فيها..".
أما الشهيد الآخر "أحمد الشوا" فكتب على حسابه بموقع فيسبوك قبل ارتقائه رصاص قناصة جيش الاحتلال على حدود غزة: "إنما البكاء على من بقى وليس من ارتقى...".
وثالث الشهداء اللذين انتشرت كلماتهم الأخيرة قبل الرحيل كان أحمد العديني الذي كتب أمس الأحد "غداً يوم الملحمة. غداً نصنع مجدنا 14 آيار، ولا عذر لمن أدرك الفكرة وتخلى عنها".
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة كشفت عن أماكن الإصابات في أجساد الضحايا، وكان منها 709 إصابة في الرقبة والرأس، و62 في الظهر والصدر، و161 في الأطراف العلوية، و52 في البطن والحوض، و1055 في الأطراف السفلية.
"يوم العار العظيم"
وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تنكيس الأعلام والحداد على أرواح الشهداء الفلسطينيين، لمدة 3 أيام بداية من يوم غدٍ.
واعتبر خلال كلمته اليوم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد وسيطاً في عملية السلام، كما طالب العالم باتخاذ موقفٍ "بعد هذه المجازر التي ترتكب ضد شعبنا".
وقال عباس إن ما تم افتتاحه في القدس المحتلة اليوم ليس سفارة ولكنه "بؤرة استيطانية أمريكية في القدس"، مضيفًا أن "أمريكا لن يقبل منها أن تتحدث عن الصفقة".
وأدانت دول عربية كثيرة العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين وعلى رأسهم مصر والسعودية وطالبوا إسرائيل بوقف عدوانها ضد الفلسطينيين العُزّل.
بينما نددت الخارجية الإيرانية بنقل السفارة الأمريكية، ووصفت ما يجرى بـ"يوم العار العظيم". وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن "النظام الإسرائيلي ذبح عدد لا يحُصى من الفلسطينيين بدم بارد، وهم يحتجون في أكبر سجن مفتوح في العالم".
ومن جانبه حمّل البيت الأبيض حركة حماس الفلسطينية مسئولية ما وصلت إليه الأوضاع في قطاع غزة، وذلك بعد يوم دموي شهد استشهاد 55 شخصًا على الأقل برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ورفض الدعوات المطالبة لإسرائيل بضبط النفس في تعاملها مع المتظاهرين على حدود قطاع غزة.
وأكد رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن نقل السفارة الأمريكية من مدينة تل أبيب إلى القدس المحتلة يوم عظيم في التاريخ، وأثنى على شجاعة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والوفاء بتعهداته.
وقال، خلال مراسم حفل افتتاح السفارة في القدس: "إنه ليوم عظيم، إن الرئيس الأمريكي صنع التاريخ".
وتابع: "أنتظر هذه اللحظة منذ طفولتي، ففي أحد الأيام وأنا صغير حاولت الذهاب إلى القدس فأخبرتني أمي بأني لا أستطيع الذهاب إلى هناك لأن القناصة قد يقتلوني".
فيما اعتبر مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، أن إطلاق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار على المتظاهرين في قطاع غزة يظهر استهتارا مروعا بحياة البشر.
وأفاد المركز بأن إسرائيل كانت تعرف مسبقا عن مظاهرات اليوم، وكان لديها متسع كاف من الوقت لإيجاد وسائل لمجابهتها غير النيران الحية.
وأشار (بتسيلم) إلى أن لجوء جيش الاحتلال - مرة أخرى - إلى إطلاق النيران الحية اليوم كحل وحيد يطبقه في الميدان يدل على استهتار مروع بحياة البشر من قبل كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين.
ودعا المركز إلى وقف قتل المتظاهرين الفلسطينيين فورا، وقال "إذا لم يصدر المسؤولون أوامر كهذه إلى الجنود في الميدان على هؤلاء الجنود رفض الانصياع لأوامر مخالفة بوضوح للقانون والامتناع عن إطلاق النيران".
فيديو قد يعجبك: