مركز "ستراتفور" الأمريكي: هل تعيد السعودية النظر في علاقتها بالإسلام؟
كتب - عبدالعظيم قنديل:
أورد معهد "ستراتفور" الأمريكي للدراسات تقريرًا حول الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية داخل المملكة العربية السعودية وارتباطها بإعادة النظر في دور "الدين الإسلامي" بالحياة العامة داخل المجتمع، مشيرًا إلى أنه يمثل جزء من حملة إعداد المملكة للمستقبل.
وقال المعهد الأمريكي إن إعادة النظر في دور الدين داخل المجتمع السعودي باتت استراتيجية استخدمها الأسرة الحاكمة لمصلحتهم مرات عديدة من قبل، ومع ذلك، فإن الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان لا ينويان تغيير القيم الأساسية لبلادهما بشكل جوهري.
كما أشار التقرير إلى أن الإصلاحات الجارية ستساعد في تحقيق أهداف النخبة الحاكمة السعودية، والتي تتمثل في تركيز السلطة بيد الحكومة، والحد من تأثير الطبقة الدينية، واسترضاء الشعب، فضلًا عن الحد من تأثير الجماعات المتطرفة جنبًا إلى جنب مع طمأنة الحلفاء الأجانب والشركاء التجاريين بأن المملكة العربية السعودية ليست ملاذًا للإرهاب.
ويؤكد المعهد الأمريكي أن تغيير الطرق التي يمارس بها السعوديون الإسلام في الحياة العامة، إلى جانب الإصلاحات الأخرى، هي جزء من الاستراتيجية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة من أجل مواكبة مستجدات القرن الحادي والعشرين. ومثل هذه التغييرات الأخرى، ستحاول تحقيق مجموعة من الأهداف الإستراتيجية للنظام الملكي.
وبحسب التقرير، تحاول المملكة العربية السعودية تغيير صورتها في الداخل والخارج، حيث كشف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن حزمة من الإصلاحات، بما في ذلك إجراءات لفتح دور السينما في البلاد، والسماح للنساء بقيادة السيارة والحد من سلطة الجماعات الدينية المتشددة داخل البلاد. كما أعلن عن خطط لتخليص المدارس والجامعات من الفكر الإسلامي المتطرف.
"أداة إستراتيجية"
ولفت المعهد الأمريكي إلى أن "الدين الإسلامي" كان محور تاريخ وسياسة المملكة العربية السعودية، حيث تحالفت أسرة آل سعود مع أتباع محمد بن عبد الوهاب للتغلب على الانقسامات القبلية والإقليمية التي طالما أعاقت التوحيد.
واعتمدت استراتيجية النخبة السعودية على إعطاء المحاربون الوهابيون القوات القبلية السعودية الانضباط والتحفيز، بحسب التقرير، بينما بشر رجال الدين بالواجب الديني المتمثل في الخضوع للملك لمختلف القبائل والمناطق في شبه الجزيرة العربية، حيث دأبت القيادة السعودية في دعم وتطبيق شكل أكثر محافظة من الإسلام لصد التهديدات من إيران، من تهديد الشيوعية ومن أهل السنة في المملكة الذين زعموا أن الملكية قد انحرفت كثيراً عن الإسلام.
وقد أبقت الاستراتيجية الملكية في السلطة بأمان منذ ما يقرب من 40 عاما ، لكنها بدأت تظهر علامات التوتر.
"ثمار التغيير"
ونوه المعهد الأمريكي إلى أن تخفيف تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال العام وتشجيع ممارسة دينية أكثر استرخاءً سيقلل من نفوذ رجال الدين في البلاد، مشيرًا إلى أن تغيير دور الإسلام في الحياة العامة يمنح الرياض العديد من المزايا، والتي أهمها تمكن الملك من تعزيز حكمه، لاسيما بعد أن تراجع دور سلطة الشرطة الدينية لفرض معايير السلوك العامة.
ووفق التقرير، تقلصت سلطات رجال الدين، الذين اعتمدوا أكثر على قوة المنبر، على الرغم من أن التغييرات في المجتمع السعودي على مدى العقود القليلة الماضية قد خففت من هيبته أيضاً، في حين أن هناك طائفة من الشباب السعودي- الذين ولدوا في ثمانينيات القرن الماضي، بما في ذلك ولي العهد نفسه - نشأوا في بيئة مختلفة عن بيئة آبائهم وأجدادهم.
"مكاسب خارجية"
وعلاوة على المكاسب المحلية من الإصلاح الديني، تتطلع القيادة السعودية إلى تغيير صورة المملكة في الخارج، حيث تعتمد الرياض على الأسواق العالمية والطرق التجارية والعلاقات الخارجية من أجل لنمو اقتصادها، ناهيك عن مزايا إضافية للعلاقات السعودية الدولية، حسبما أورد التقرير.
وأكد المعهد الأمريكي أن تغيير دور الدين في المجتمع السعودي سيعني طمأنة الولايات المتحدة وحلفائها بأن المملكة لا تأوي ولا تشجع المتطرفين، حيث تسعى إلى تجميل صورتها على المسرح العالمي.
فمنذ أن أقرت الولايات المتحدة قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب في عام 2016 ، تواجه الحكومة السعودية احتمال وجود دعاوى قضائية محتملة وربما الاستيلاء على أصولها الأمريكية لدورها المزعوم في هجمات 11 سبتمبر.
وبشأن العلاقة مع إسرائيل، ذكر "ستراتفور" أن الإصلاحات الجارية قد تساعد المملكة في تعزيز علاقتها الناشئة مع إسرائيل، خاصة وأن تشكيل تحالف إسرائيل سعودي سيكون مفيدًا ضد إيران إذا ما حاولت الولايات المتحدة مرة أخرى تحسين علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية.
"معايير التوازن"
وعلى الرغم من المكاسب التي يمكن أن تجنيها الحكومة السعودية من عمليات الإصلاح الديني، إلا أن الأسرة الحاكمة لن تقوم بتغيير جذري، بحسب المهد الأمريكي، ولذا من المتوقع أن لا يحاول الملك وولي العهد تغيير القيم الأساسية لبلادهما، ليس فقط بسبب الخوف من رد الفعل الشعبي، بل أيضاً من خلال الاعتقاد العميق بهذه المبادئ.
ورجح التقرير أن الحكومة السعودية ستواجه صعوبة في قياس نظرة الجمهور إلى إصلاحاتها الدينية، ولذا قد ترتفع الأصوات المحافظة مرة أخرى ضد توجهات النظام الملكي، كما فعلوا في عام 1979، لكن السعوديون الأصغر سنا، يعتقدون أن التغييرات الحكومية متواضعة للغاية.
ومن غير المستبعد أن يتسع الصدع بين المحافظين والليبراليين، مما يخلق العداء خاصة بين السعوديين في المناطق الريفية والحضرية، الذين يعيشون حياة مختلفة بشكل كبير، وفي هذه الحالة، قد تضطر الأسرة الحاكمة إلى تقديم تنازلات لا ترضي أحدا - وهي معضلة لا مفر منها في دفع المملكة نحو التحول الاجتماعي والاقتصادي.
واختتم التقرير بالقول: "سيكون التحدي بالنسبة للنظام الملكي هو أن يفعل كما فعل دائماً: التنقل في المناقشات حول مستقبل المملكة العربية السعودية، واحتضان الأفكار التي تقويها وسحق تلك التي لا تفعل ذلك".
فيديو قد يعجبك: