مجموعة الأزمات الدولية تطرح 3 توصيات للوصول لحل سياسي في الحُديدة
كتب - هشام عبد الخالق:
تقترب معركة "الحديدة" من الوصول لنقطة لا رجعة فيها، حيث تتمركز القوات اليمنية التي تدعمها الإمارات لبدء عملياتها لاستعادة الميناء الواقع على البحر الأحمر والمدينة التي يبلغ تعدادها ما يقرب من 600 ألف نسمة من قبضة الحوثيين، وهذه هي اللحظة التي يمكن للمفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة أن تمنع نشوب قتال أو حرب تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية الرهيبة، وتؤخر المزيد من المفاوضات لإنهاء الحرب.
مجموعة الأزمات الدولية، المختصة بمنع حدوث وتسوية النزاعات الدموية حول العالم من خلال تحليلات ميدانية، قالت في تقرير لها الجمعة، إن كلًا من الحوثيين الذين يسيطرون على الحديدة، والتحالف بقيادة السعودية الذين يستعدون للهجوم عليها لاستعادتها، أبديا رغبتهما في تجنب حدوث معركة من أجل المدينة والميناء، ولكن تبقى المفاوضات بين الطرفين بعيدة المنال، وتتعلق الآمال الآن بمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتن جريفيث، الذي يحاول إيجاد حلًا وسط.
وتابع التقرير "أمام جريفيث فرصة حقيقية ولكن ضئيلة للغاية لكي ينجح هنا، وهذا بسبب ثلاثة عوامل ديناميكية، أولها أن الحوثيين ولأول مرة بسبب الضغط العسكري، أعلنوا عن انفتاحهم وتقبلهم أن يدير ميناء الحديدة مجموعة من الأمم المتحدة، ثانيًا، أن الإمارات التي تقود الهجوم العسكري بالنيابة عن التحالف بقيادة السعودية، سوف تفضل تجنب القتال في المناطق المدنية بسبب الخسائر شبه المؤكدة التي ستتكبدها قواتها هناك وعدم رغبتها في جعل المجتمع الدولي يحقق في الوضع الإنساني المتفاقم هناك، وثالثًا، يوجد قلق متزايد من الجهات الدولية المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة، من أن معركة ضارية من أجل الميناء والمدينة يمكن أن تكون لها عواقب إنسانية سياسية طويلة الأمد ومدمرة".
ويضيف "الرهانات أصبحت عالية وكذلك المخاطر، فوساطة الأمم المتحدة - إذا نجحت - نحو إيجاد حل مقبول يرضي جميع الأطراف حول ميناء ومدينة الحديدة قد يكون أساس التسوية ليس بخصوص الميناء فقط، ولكن أيضًا الصراع القائم والطويل بين الحوثيين وقوات التحالف، وعلى النقيض في حالة الفشل، حيث سيؤدي ذلك لتقويض آفاق مثل هذه المحادثات، وأيضًا أي تواجد للحوثيين في الميناء، وبإمكان الحديدة أن تصبح بداية النهاية للحرب اليمنية أو بداية مرحلة جديدة أكثر تدميرًا".
الطريق إلى الحديدة
يقول تقرير مجموعة الأزمات الدولية إن "الإمارات أطلقت حملتها للسيطرة على الحديدة، بعد أن أصبحت محبطة بشكل متزايد من الجمود المستمر في الأوضاع اليمنية منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، والذي تغيرت فيه الخطوط الأمامية بشكل هامشي فقط، ومن وجهة نظر الإمارات فإن الحوثيين الذين استولوا على العاصمة صنعاء بمساعدة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في 2014، أصبحوا أكثر ترسخًا في البلاد، مستفيدين من اقتصاد الحرب المزدهر في البلاد".
وتابع "يرى مسؤولو الإمارات أن الاستحواذ على الحديدة أمر ضروري من أجل تحريك الأوضاع الراهنة، وإجبار الحوثيين على الدخول في نوع التسوية التي يريدها التحالف بقيادة السعودية، والتي من ضمنها الانسحاب من المدن اليمنية، ضمان الأمن عبر الحدود؛ تسليم الأسلحة الثقيلة، وخاصة الصواريخ البالستية التي يطلقها الحوثيون على المملكة العربية السعودية؛ وقطع العلاقات مع إيران التي تدعم الحوثيين، مقابل المشاركة في حكومة وحدة وطنية".
ويعتقد الإماراتيون أن بإمكانهم السيطرة على ميناء الحديدة كما فعلوا في ميناء عدن في منتصف 2015، والمكلا الذي كان مقرًا للقاعدة في أبريل 2016، وفي كلتا الحالتين وفرت الإمارات دعمًا عسكريًا للقوات التي تم تجنيدها من الأشخاص المحليين، وفي الحديدة تعتمد الإمارات أيضًا على ما تصفه بـ "المقاومة المحلية" داخل المدينة، لإقامة نقاط تفتيش حتى تعطي أبو ظبي الإشارة لهذه المجموعات بالتحرك عسكريًا.
في العشرين من يونيو الجاري، أي بعد أسبوع من بدء عملية "النصر الذهبي"، أعلنت القوات المدعومة من الإمارات أنها تسيطر بشكل كامل على مجمع المطار مترامي الأطراف في الطرف الجنوبي من مدينة الحُديدة، وعلى الرغم من أن الحوثيين ينكرون هذا الادعاء إلا أنه يبدو أن التحالف لديه اليد العُليا في المعاناة التي استمرت أسبوعًا من أجل هذه المنشأة الاستراتيجية والهامة، وقد وصل القتال الآن إلى مناطق سكنية في الناحية الجنوبية من المدينة، ومن المتوقع أن تتحرك الإمارات باتجاه الميناء في المرحلة القادمة من القتال.
خطة تسوية محتملة وضرورية
أغلب التحليلات العسكرية حول الأوضاع في الحديدة، تقول إن أمل الحوثيين "ضعيف" في الحفاظ على الميناء والمدينة تحت سيطرتهم في وجه الحملات التي تشنها القوات المدعومة من الإمارات، ويدرك الحوثيون هذا جيدًا، وعلى الرغم من حفاظهم على خطابهم "العدواني"، إلا أنهم أظهروا نيتهم لتسليم إدارة الميناء إلى الأمم المتحدة ومناقشة انسحاب جزئي من المدينة، وهي الأفكار التي كانوا ينبذونها قبل عام، لدرجة أن زعيمهم عبد الملك الحوثي أعلن - ولأول مرة - في خطبة متلفزة أن الحوثيين مستعدون للتنازل عن السيطرة على الميناء.
تناول الحوثيين عن السيطرة على الميناء أمر هام وضروري للغاية، ولكن قادة دول التحالف الذي تقوده السعودية - مدفوعين بالانتصارات العسكرية التي حققوها - يرون أنه يجب انسحاب الحوثيين بشكل كامل من الميناء ومن المدينة وتسليمهما إلى قوات المقاومة الوطنية، مقابل توفير طريق آمن أمام الحوثيين لصنعاء. ويبدو أن الطرفين سيتفقان على هذه الشروط، بعد أن ادّعى دبلوماسيون ومسؤولون في التحالف، أن مفاوضات تجرى في الغرف المغلقة، نتج عنها تلميح قادة دول التحالف إلى أنهم قد يقبلوا تسوية من أجل تجنب صراع طويل الأمد من أجل الميناء والمدينة، وأن مثل هذا الصراع سيكون تأثيره الإنساني مدمرًا بالتأكيد.
تقول مجموعة الأزمات الدولية إن الخطوط العريضة لتسوية محتملة من شأنها أن تحترم المصالح الجوهرية لكلا الطرفين واضحة، حيث من المتوقع أن يوافق الحوثيون على جدول زمني قصير وثابت للانسحاب من الميناء والتخلي عن أي دور في إدارته، وسيقومون بتسليم إدارة الميناء إلى الأمم المتحدة، مع الإبقاء على الموظفين المدنيين الحاليين يديرون العمل على أساس يومي، وستقوم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بقيادة عملية إزالة الألغام من الميناء والمياه المحيطة به لضمان سلامته وجاهزيته للعمل، وذلك بالتعاون والتنسيق مع التحالف، وأيضًا تقوم الأمم المتحدة، بدعم من الحكومة اليمنية والدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بتنفيذ تحديثات تقنية لتعزيز قدرة الميناء.
وفي المقابل، ستحتفظ القوات المدعومة من الإمارات بوجود عسكري في مطار الحديدة، لكنها ستمتنع عن إرسال قواتها إلى المدينة والميناء، كما أنهم سينسحبون من الطريق السريع الشرقي الذي يربط الحديدة بصنعاء، والذي يمكن من خلاله أن تنسحب القوات الحوثية بعد ذلك إلى المرتفعات المحيطة.
من الممكن إتمام مثل هذه التسوية طالما لم يبدأ الهجوم على المدينة بعد، ولكن الوقت ينفذ، وما نحتاج إليه الآن هو دعم دولي قوي لجهود مارتن جريفيث في التوصل إلى مثل هذه التوصية، بجانب الضغوط الدولية القوية على كلا الجانبين لقبولها، ولتحقيق هذا الهدف:
1- يجب أن يصدر مجلس الأمن بيانًا رئاسيًا يدعم بشدة التسوية التفاوضية حول الحديدة تحت رعاية الأمم المتحدة وفقًا لمقترحات جريفيث، ويذكر قوات كلًا من الحوثيين والتحالف بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي الإنساني لحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية.
2- يجب على الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة في الدعوة إلى صفقة من شأنها أن تمنع اندلاع المعركة من أجل الميناء والمدينة، ويجب على الدول الأعضاء في مجلس الأمن (خاصة بريطانيا وفرنسا، اللتان دعمتا التحالف سياسيًا وعسكريًا) أن تقف وراء هذه الدعوة.
3- على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تدعم أو لديها خطوط اتصال مفتوحة مع الحوثيين - إيران وعُمان وروسيا والاتحاد الأوروبي على سبيل المثال - أن تتأكد من أن الحوثيين سيخضعون للضغوط المستمرة من أجل التوصل إلى تسوية والالتزام بالصفقة في حالة حدوثها، لأن الحوثيين لديهم سجل حافل في استخدام المفاوضات كفرصة لتغيير موضعهم أو إضفاء الشرعية على أفعالهم، ولا يمكن السماح بحدوث ذلك مرة أخرى.
كان المجتمع الدولي على مدار الثلاث سنوات الماضية، يطلق شعار "الحل السياسي في اليمن"، على الرغم من استمرار الحرب بلا هوادة، وما يحدث في الحديدة في الأيام القادمة يمكن أن يثبت صحة هذا المبدأ والتزام المجتمع الدولي به، من خلال العمل كجسر لإجراء مزيد من المفاوضات بين الجانبين، أو التقليل من هذا المبدأ إذا تصاعد القتال وتقلصت احتمالات السلام بشكل أكبر.
وقالت المجموعة في ختام تقريرها: "توفر مدينة الحديدة فرصة لمجلس الأمن الدولي لإظهار قدرته على متابعة الحلول التفاوضية للصراعات، في الوقت الذي تتزايد فيه الشكوك حول فعاليته وفائدته، كما أنها توفر للأطراف القلقة فرصة للنجاة وحماية مصالحهم الأساسية بعد سنوات من تعريضها للخطر، وفي نفس الوقت تعرض أمام الشعب اليمني فرصة في تجنب التصعيد المدمر واستمرار سفك الدماء بدون فائدة والذي لا ينتهي".
فيديو قد يعجبك: