"المسلمون خلفي".. هل يكرر أردوغان سيناريو "الجهاد" من الحرب العالمية؟
كتب – محمد عطايا:
اعتاد الرئيس التركي على إلقاء الخطب الحماسية، والتفاعل مع الحضور بشكل كبير، إلا أنه غالبًا ما يكرر بعض الجمل التي تفسر بأنه يسعى لتصنيف نفسه "خليفة"، وليس مجرد حاكمًا.
في خطاب أردوغان يوم الثلاثاء، خلال الاحتفال بمرور ١٧ عاما على تأسيس حزب "العدالة والتنمية"، هدد الولايات المتحدة، ودول الغرب، قائلًا: "إذا كانوا الغرب يعتقدون بأننا سنرضخ فليعلموا بأن هناك خلفي 2 مليار مسلم"، مضيفًا أن جميع الوزارات في حالة النفير العام للتصدي للحملة التي تشن ضد الاقتصاد التركي.
أيضًا شدد الرئيس التركي، نهاية العام الماضي، على ضرورة الوقوف في وجه المحاولات الرامية إلى التغلغل وزرع الخلاف بين المسلمين الذين يمكنهم تجاوز جميع التحديات عندما يكونون كـ"البنيان المرصوص".
الأزمة الأخيرة بين الولايات المتحدة وتركيا، سعي أردوغان إلى تصويرها حملة ضد المسلمين والإسلام، وهو نهج اتبعه في أزمات سابقة مع الغرب، ما أعاد إلى الأذهان ما أطلقته الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918)، بما يسمى "الجهاد المقدس".
كان حجم المصالح الألمانية سواء اقتصادية أو ثقافية أو سياسية مع الدولة العثمانية يحتم عليها الوقوف إلى جانبها، والتصدي للمخططات الأوربية الأخرى الساعية لتقسيمها، وذلك بجانب أطماع برلين في آسيا الصغرى والمشرق العربي.
أما بالنسبة للدولة العثمانية فإن ضعفها الذي بدا واضحًا في تلك الفترة جعلها تتطلع إلى ألمانيا لتكون حليفتها ضد هجوم دول إنجلترا وفرنسا وروسيا.
في تلك الأثناء رأت الدولة العثمانية وألمانيا التحالف المثالي، ولجأتا إلى استغلال النزعة الدينية، وتحويل الحرب القائمة على المصالح الشخصية، إلى "جهاد مقدس" فتركزت دعاية مكاتب المخابرات العثمانية والألمانية في آسيا الصغرى وسوريا والعراق انطلاقا من عاصمة السلطنة، كما تسربت إلى مصر، والمغرب العربي.
وبحسب ما جاء في كتاب أستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية، عبد الرؤوف، ضمت الدعاية الألمانية تقاريرا، وكتبًا، وكتيبات، وصحفًا، ومجلات، وبطاقات بريدية، واتصالات شخصية مع الأعيان فضلًا عن الرسائل المفتوحة، وفي أغلبها كانت بلا توقيع أو تحمل أسماء مستعارة، وأبرز ما شددت عليه تلك الدعاية توطيد علاقات المسلمين بالسلطان كخليفة للمسلمين، والحصول على تأييد المسلمين ودعمهم للسياسة الألمانية، وأظهرت الإمبراطور وليم الثاني صديقا للمسلمين ولم تحاول أن تنفي الشائعات التي كانت تسري حول اعتناقه للإسلام سرًا، وبقرب تحول شعبه إلى الدين الجديد، والتي كانت على ما يبدو من صنع المكتب نفسه.
وصدّرت في النهاية الدولة العثمانية وألمانيا مبدأ التصدي لمحاولات دول الوفاق (إنجلترا وفرنسا وروسيا) تدمير الإسلام، وهدم الكعبة، وقبر الرسول عليه الصلاة والسلام.
وجاء الخطاب الأكثر شهرة وقتها من المسئولين في الدولة العثمانية: انهضوا لأمر الله ولأمر خليفة المسلمين وأمير المؤمنين الذي أعلن الجهاد المقدس في سائر أقطار الأرض ضد بريطانيا وفرنسا وروسيا.
التحرك "الجهادي" من قبل الدولة العثمانية لم يسعف الخليفة وقتها، حيث لاقت هزيمة على يد المملكة المتحدة، وفرنسا، وأعلنت بريطانيا انتدابها على مصر وعدد من الدول الواقعة تحت الخلافة العثمانية، كما توغلت فرنسا في إفريقيا، ودول المغرب العربي، حتى أعلن مصطفى كمال أتاتورك قيام الجمهورية التركية.
استغلال النازع الديني، وصل إلى أردوغان الذي تحدث في أكثر من مناسبة عن توحيد صفوف المسلمين لمواجهة قوى الغرب، الذي يسعى إلى هدم الإسلام، بالرغم من أن القضايا المثارة سياسية بحتة ولا علاقة لها بالاتجاه العنصري المتطرف الذي يسعى الرئيس التركي جمع صفوف المسلمين حوله بها.
ويرى الباحث التركي في معهد دراسات الشرق الأوسط، يريفان سعيد، أن أردوغان لديه نزعة القيادة والزعامة، وهو ما يظهر دائمًا عندما يتحدث بلغة جمعية.
وأشار في حديث خاص لمصراوي، إلى أن الرئيس التركي "أصبح ما لا يرغبه الغرب بعدما تحول إلى زعيم ديني، يغلف فكره التيار الإسلامي المتمثل في الحزب الحاكم."
مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" والذي يتخذ من أبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة مقرا له، أكد في بحث نشره أغسطس العام الماضي، ونشرته وكالة "ترك برس"، أن الرئيس أردوغان يسعى إلى إحياء الخلافة العثمانية كنوع من الثأر الشخصي.
وبحسب المركز يعتبر أردوغان نفسه وريثًا للإمبراطورية العثمانية، وهو ما ينعكس في حدة خطابه تجاه الدول الأوروبية، وتبنيه التحدث باسم العالم الإسلامي وليس تركيا فقط.
وأضاف المركز أن الخطاب السياسي التركي تجاه العالم العربي يحمل نزعة عثمانية، وأحيا المخاوف في المنطقة من طموحات تركية جامحة، لا سيما عندما تحدث أردوغان عن موت اتفاقية "لوزان"، وإصراره على المشاركة في معركة الموصل، وحديث الأوساط التركية عن حقوق تاريخية في الموصل ومناطق أخرى في الشمال السوري، في استحضار للإرث العثماني.
فيديو قد يعجبك: