إنهاء حرب اليمن التي تأبى الانتهاء
(بي بي سي):
"بعض الناس يقولون إننا في عجلة من أمرنا"، هكذا يقول مارتن غريفث المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، ويضيف: "أنا أقر بالذنب في هذه التهمة".
وتابع: "لقد عاني شعب اليمن بما يكفي، لقد حان الوقت".
كانت غارة جوية قد أسفرت، قبل نحو أسبوعين، عن مقتل 44 من تلاميذ المدارس، وتسببت في صدمة في بلد يعاني من الصراع منذ سنوات.
ولفتت تلك الغارة الأنظار مجددا، إلى الحاجة الملحة لإنهاء الصراع الدائر في اليمن، والذي أدى إلى أكبر أزمة إنسانية في العالم حاليا.
وأرسل مارتن غريفث دعاوى رسمية، للأطراف المتحاربة في اليمن، لحضور جولة جديدة من المحادثات في جنيف، مقرر عقدها في السادس من سبتمبر المقبل.
وستكون تلك المحادثات هي الأولى خلال عامين، وذلك بعد فشل جولتين سابقتين.
ويقول غريفث: "النبأ الجيد أن الحكومة اليمنية راغبة في المشاركة في المحادثات، وقيادة جماعة أنصار الله كذلك"، مستخدما الاسم الرسمي لجماعة المتمردين الحوثيين، التي تسيطر على العاصمة صنعاء منذ عام 2014، وأجبرت الرئيس عبد ربه منصور هادي على مغادرة اليمن، في العام التالي.
وتتلقى الحكومة اليمنية دعما عسكريا، منذ مارس عام 2015، من جانب تحالف عربي تقوده السعودية المجاورة، بهدف إزاحة الحوثيين، الذين يتلقون دعما من إيران المنافس الإقليمي للسعودية.
وقادت هذه الحرب المستعرة بالوكالة، في أفقر دولة بالمنطقة، إلى جره إلى حافة الانهيار.
وتهدد الغارة الجوية - التي شنتها قوات التحالف العربي على حافلة التلاميذ، في قرية "ضحيان" في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين شمالي البلاد - بتعطيل العملية السياسية المحفوفة بالمخاطر.
ويعد السيد غريفث، الذي تولى منصبه في مارس الماضي، ثالث مبعوث أممي إلى اليمن منذ عام 2011، حينما أرغمت انتفاضة شعبية، ضمن موجة الربيع العربي، الرئيس اليمني حينذاك، علي عبدالله صالح، على تسليم السلطة إلى السيد هادي.
"هناك غضب وتحد"، هكذا يشرح مسؤول رسمي، منخرط عن كثب في جهود الأمم المتحدة، لإيجاد حل تفاوضي لمأساة اليمن المروعة.
وأضاف: "يهدد الحوثيون بعدم الحضور، لأنهم يخشون من ألا يكون التحقيق في هذا الهجوم له مصداقية".
وأثارت صور أطفال المدارس الملطخين بالدماء - وعلى ظهورهم الحقائب الزرقاء، التي وزعتها عليهم منظمة اليونيسيف المعنية بشؤون الأطفال - غضبا دوليا، ودعا مجلس الأمن الدولي إلى إجراء تحقيق "نزيه ذو مصداقية".
وأسفرت الغارة الجوية عن مقتل 55 شخصا إجمالا، وإصابة آخرين، حينما أصابت حافلة تقل تلاميذ في رحلة مدرسية، عند توقف قائد السيارة لشراء وجبة خفيفة من سوق ضحيان المزدحم.
وقال متحدث عسكري باسم التحالف إن قواته هاجمت "هدفا عسكريا مشروعا"، بعد أن تسببت شظايا صاروخ أطلقه الحوثين، وجرى اعتراضه فوق أراضي جنوب السعودية، في مقتل شخص وإصابة 11 آخرين.
والآن يقول التحالف إنه يحقق في تقارير بوقوع "أضرار جانبية"، وإنه سيدفع تعويضات للضحايا، إذا لزم الأمر.
وأثارت المأساة الأخيرة مجددا انتقادات شعبية لدور الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا، التي تدعم التحالف العربي، عبر مبيعات أسلحة بمليارات الدولارات، وعبر دعم عملياتي.
وتشير تقارير إلى أن القنبلة، المستخدمة في الهجوم الأخير على حافلة مدرسية، مصنعة في الولايات المتحدة.
ويقول جوست هيلترمان من مجموعة الأزمات الدولية: "هجوم الحافلة من المؤكد أنه سيكثف الضغط على السعودية والإمارات، للتحرك نحو نهاية للحرب قائمة على التفاوض، لكني لست مقتنعا بأن ذلك الأمر سيكون حاسما".
وفي وقت سابق من العام الجاري، نجحت الدبلوماسية المكوكية من جانب غريفث، ونداءات من جانب منظمات إغاثة إنسانية في تجنيب ميناء ومدينة الحديدة على البحر الأحمر هجوما شاملا، من جانب القوات الموالية للحكومة اليمنية، ولا يزال الميناء والمدينة تحت سيطرة الحوثيين حاليا.
وتأتي أغلب المساعدات الإنسانية، التي يعتمد عليها نحو 80 في المئة من اليمنيين للبقاء على قيد الحياة، عبر ميناء الحديدة.
لكن الهجوم على الحديدة أقنع الإمارات، التي تولت زمام المبادرة في ذلك الهجوم، بأن تصعيد الضغط العسكري فقط سيجبر قادة الحوثيين على الجلوس على طاولة المفاوضات، ويجعلهم مستعدين للتوصل لاتفاق.
وتحت تهديد أكبر، أخبر قادة حوثيين السيد غريفث بأنهم مستعدون، لتسليم ميناء الحديدة إلى إدارة أممية، وهي خطوة كانوا يرفضونها طيلة سنوات. لكن التحالف زاد من مطالبه، وطلب من المتمردين الانسحاب من المدينة أيضا.
ويقول مسؤول عربي في التحالف: "نعتقد أننا لا نزال بحاجة إلى مزيد من الضغط العسكري على الحوثيين"، مشيرا إلى أن النصر في الحديدة سيغير قواعد اللعبة، وسيجلب نهاية سريعة للحرب الدائرة في اليمن.
لكن الهجوم على مدينة كبيرة مثل الحديدة، التي يتمركز فيها الآن مقاتلون حوثيون مدربون جيدا، ثبت أنه أصعب بكثير مما تصورته الخطط العسكرية الأولية للتحالف.
ويقول أحد المراقبين: "الإمارات العربية وحلفاؤها أدركوا التكلفة البشرية والمالية التي سيتكبدونها، وكذلك ما ستكون عليه صورتهم".
ويقول مصدر دبلوماسي إنه في يونيو الماضي، حينما بدأ أول هجوم على الحديدة، اتصل وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون حينذاك بدبلوماسيين إماراتيين، لحثهم على منح السيد غريفث مزيدا من الوقت، لكي يتوصل إلى حل تفاوضي. وأفادت تقارير بأن جونسون حذر من ستالينغراد أخرى، في إشارة إلى الصور الصادمة للدمار، خلال الحرب العالمية الثانية.
ومنذ أن أعلن المبعوث الأممي عن خطته لإطلاق عملية سياسية جديدة، أعربت كل الأطراف عن دعمها لجهوده، لكنهم أعربوا عن تشاؤمهم في الوقت ذاته.
وبينما من المعروف أن حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا تعربان عن قلقهما، إزاء الخطط العسكرية للتحالف العربي، في الغرف المغلقة مع كل من السعودية والإمارات، إلا أنهما تدافعان في العلن عن حيلفيهما الثابتين.
وعن موقف واشنطن ولندن إزاء مهمة السيد غريفث، يقول خبير غربي في الشأن اليمني: "هناك انطباع قوي بأنهم يؤيدون الرجل، لكن ليس الخطة".
ويضيف: "إنهم يقولون: نحن نرغب تماما في أن يحقق مارتن السلام، لكن إذا كانت خطته تضايق شركاءنا، فلن ندعمها".
الدور الإيراني عنصر مهم أيضا. لكن مدى دعم طهران العسكري وسطوتها على الحوثيين محل خلاف.
ويقول السيد هيلترمان: "الإيرانيون يلعبون دورا، في جعل الحوثيين يعتقدون أنهم قادرون على الصمود، لكن الحوثيين أثبتوا في السابق أن الإيرانيين لا يملكون نفوذا كبيرا عليهم".
وجرى تذليل العقبات، أمام الجولة القادمة من المحادثات في جنيف، لكن بعض المراقبين يرون أن هناك بصيص نادر من الأمل.
ويقول محلل سياسي يتابع العملية السياسية عن كثب: "هناك حالة من الإنهاك، اليمنيون تعبوا من هذا النزاع".
وأسفر وصول وسيط أممي ذي خبرة، ويتمتع بالصراحة، تواصل قوي مع كل العواصم، بما في ذلك لقاءات مع قيادات الحوثيين.
وأضاف الخبير اليمني: "الحوثيون الآن مستعدون، وليسوا خائفين من تقديم تنازلات، بما في ذلك بشأن الحديدة، كما لم يكونوا قبل عام".
وتقول مصادر إن قيادات المتمردين قدموا عروضا جديدة، تشمل مقترحا بتجميد القتال، وأيضا ترتيبات بديلة بشأن مدينة الحديدة.
ولقاء جنيف سيكون محادثات بشأن المحادثات، أو مناقشات غير رسمية بين اليمنيين فقط..
ويتمثل الطموح في التحرك تدريجيا، باتجاه مفاوضات راسخة ضمن عملية واسعة، تعتمد على الحوار عبر القنوات الخلفية، والتنقل بين العواصم، والتعامل مع اليمنيين عبر المجتمع المدني.
ويصف السيد غريفث الهدف باعتباره "عملية سياسية انتقالية، تديرها حكومة وحدة وطنية، وترتيبات أمنية بشأن انسحاب كل الجماعات المسلحة".
"خطوات الرضيع لا تزيد عن كونها خطوات رضيع". هذه الجملة هي التي استخدمها الصحفي بشراحيل هشام بشراحيل، نائب رئيس تحرير صحيفة الأيام، التي تصدر في مدينة عدن، الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية جنوبي البلاد.
ومثل هشاشة خطوات الرضيع، هناك مخاطر كبيرة تهدد بفشل هذه العملية، تماما مثل الجولتين السابقتين.
ويقول غريفث: "جنيف ستكون بداية. حتى البداية في حد ذاتها شيئ جيد".
فيديو قد يعجبك: