حكايات أطفال انتحاريين في طالبان.. هل تستطيع أفغانستان إنقاذهم؟
كتبت- هدى الشيمي:
استغلت حركة "طالبان" أطفالا خلال حربها ضد القوات الأجنبية والحكومة، استخدمتهم كانتحاريين وعملت على تحقيق بعض أهدافها من خلالهم، كانوا إحدى أدواتها لنشر الرعب والهلع بين الأهالي على مدار سنوات طويلة.
حاورت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية 7 أطفال استخدمتهم طالبان (جماعة إسلامية مسلحة نشأت عام 1994)، تتراوح أعمارهم ما بين 13 إلى 17 عامًا، جرى استخدام بعضهم في أدوار عسكرية أخرى، واستعانت المجلة بأسماء مستعارة للأطفال لحمايتهم، نُقلوا جميعًا إلى مركز تأهيل حكومي لإعادتهم إلى حياتهم الطبيعية.
فورين بوليسي قالت إن عددا كبيرا من الأطفال جرى احتجازهم داخل سجن "بجرام" الواقع خارج العاصمة كابول، والذي كانت تُديره الولايات المتحدة سابقًا.
تقول المجلة الأمريكية، إن باقي الأطفال المحتجزين في السجن يخافون التعامل مع من هم أي طفل كانت له صلة بالحركة الجهادية، لأنهم "سياسيون وخطيرون جدًا" على حد قولهم.
استخدمت طالبان العبوات الناسفة كثيرًا العام الماضي، ما أسفر عن مقتل وإصابة حوالي 3043 شخصا.
وحسب فورين بوليسي، فإن طالبان حرصت على تجنيد الأطفال لأن صغر سنهم وحجمهم يساعدهم على سهولة التحرك والانتقال وزرع المتفجرات.
أشار تقرير صدر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، عام 2016، إلى أن طالبان جندت ودربت مراهقين في العديد من العمليات العسكرية، خاصة زرع العبوات الناسفة والمتفجرات، وتضاعف هذا الرقم منذ ذلك الوقت.
وذكرت تقارير الأمم المتحدة المتعلقة بحصار مقاطعة "قندز" في عام 2015 أن طالبان استخدام أطفالا، لم يتجاوز عمر بعضهم 10 سنوات، كجنود في الخطوط الأمامية.
تحدث خمسة من الصبية السبعة عن التدريبات التي تلقوها في معسكرات طالبان، ومن بينهم صبي يُدعى أحمد، 17 عامًا، قال إن قادة الحركة كانوا يخبرونهم أنهم يشاركون في الحرب ضد الحكومة والقوات الأجنبية، لذا عليهم تدمير كل الطرق والبنية التحتية من أجل اضعافهم.
يقول أحمد إنه صدّق طالبان لأنها عرضت لهم مقاطع فيديو لجنود أمريكيين كانوا يهاجمون المساجد ويحرقون المصاحف، لكنه أدرك الآن أنهم كانوا كاذبين وضللوهم بهذه الفيديوهات.
"حكاية إحسان"
داخل مركز التأهيل الحكومي، كان محمد إحسان أكثر الطلاب هدوءًا في الغرفة المليئة بالمراهقين، على عكس باقي الطلاب الموجودين داخل مركز إعادة التأهيل في العاصمة الأفغانية كابول، والذين يبدوا عليهم القسوة الشديدة.
تقول المجلة إن حسان لا يتحدث إلا إذا لزم الأمر، وعندما يُوجه إليه سؤال فهو عادة ما يجيب بكلمة واحدة.
وتوضح فورين بوليسي أن حسان كان من بين 27 طالبًا مُراهقًا آخر جندتهم ودربتهم حركة طالبان لزرع أجهزة متفجرة في بعض النقاط في باكستان، لتستمر بذلك الحرب التي لا نهاية لها.
قضى إحسان السنوات الثلاث الماضية مُحتجزًا، وولد الصبي بعد أسابيع من دخول القوات الأمريكية أفغانستان، ويتذكر أنه قضى أعوامه الأولى في سلام وسعادة نسبية، بعد سقوط حركة طالبان عام 2001.
وكان الصبي الابن الأكبر في عائلة متدينة تعيش في شرق أفغانستان، وتلقى تعليمه في مدرسة اُفتتحت بعد الاحتلال الأمريكي بفترة قصيرة.
وعندما بلغ عامه الثالث عشر، تقرّب حسان من عمه. ويقول: "وثقت به وكنت أذهب معه في كل مكان، ولم يكن لدي أي فكرة أنه يعمل لحساب طالبان، وأنه سيأخذني إلى هناك، وفي إحدى المرات طلبوا مني زرع عبوات ناسفة في المدينة، لأني كنت طفل ولن اجذب الانتباه".
ويتابع: "عندما رفضت ضربوني عدة مرات، شعرت بالخوف الشديد". ومع ذلك أصرّ وأقسم ألا يكون عضوا في حركة طالبان مهما حدث.
يقول إحسان للمجلة إنه زرع عبوتين ناسفتين ما أودى بحياة ستة مدنيين وإصابة ثمانية آخرين، ثم اُلقي القبض عليه بعد فترة وجيزة من الهجوم.
خلال احتجازه في السجن المحلي في منطقته، التقى بأطفال أحد الرجال الذي قُتل جراء انفجار إحدى العبوتين الناسفتين، يقول: "جاءوا لزيارتي في السجن، كانوا في مثل سني تقريبًا، لم نتحدث معًا، ولكنها كانت لحظة مؤلمة وقاسية جدًا".
توضح فورين بوليسي أن إحسان نُقل بعد فترة إلى سجن بجرام، الذي أسسه الجنود الأمريكيون، حيث تم احتجازه مع أشخاص آخرين متهمين بالعمل مع طالبان.
يقول إن الحراس والسجناء الآخرين لم يتعاملوا بطريقة جيدة معه أو أي شخص آخر كانت له صلة بطالبان.
ويُضيف: "كانوا يلقون علينا غازات سامة كانت تُفقدنا وعينا"، مُشيرا إلى أنه بقى هناك حوالي 20 شهرا، لم ير فيهم عائلته مرة واحدة.
كيف يبدو مركز التأهيل؟
في المقابل، تم تجهيز مركز التأهيل جيدًا، حيث يحتوي على الكثير من الفصول الدراسية، ومكتبة مليئة بالكتب، وصالة للألعاب الرياضية، وملعب كرة طائرة، ومعمل حاسب آلي، كما أنه يقدم الكثير من الدورات التدريبية للفتيات الموجودين فيه.
تُشير فورين بوليسي إلى أن مركز التأهيل يهدف إلى تقويم سلوك المحتجزين داخله، ويتعامل مع الأطفال والمراهقين باعتبارهم ضحايا ليسوا مجرمين.
وفقًا للمجلة الأمريكية، فإن المحتجزين يحضرون صفوفًا دراسية تساعدهم على مواصلة تعليمهم وتقدم لهم التدريب المهني والأنشطة، إضافة إلى الاستشارات الشخصية، إلا أن المشكلة تتمثل في أنه لا يستطيع استيعاب أكثر من 200 طفل، وهي مشكلة كبيرة بالنظر إلى كثرة عدد الأطفال الذين استخدمتهم طالبان.
لفتت المجلة الأمريكية إلى أن الكثير من الوزراء الأفغان، بما فيهم وزير التعليم والصحة العامة، يعملون على توفير الخدمات للمركز، وطالبوا منظمات كبرى مثل منظمة "يونيسيف" و"أطفال في أزمة" بالتعاون معهم.
كان للتلاعب العاطفي تأثيره في إقناع الأطفال بالانضمام إلى طالبان، فكانوا يعرفون ما هي نقاط ضعفهم ويستغلونها جيدًا في إقناعهم بالقيام بعمليات انتحارية، وفقا للمجلة.
يقول ياسين قرباني، أحد المعالجين النفسيين الذي يعمل مع الأطفال في مركز التأهيل، إنهم تعاملوا مع الكثير من الأطفال المصابين بالاكتئاب والصدمات النفسية.
ويتابع: "بعض الأطفال فقدوا ذويهم بعد أن قُتلوا أمام أعينهم، وآخرين أخبرتهم الحركة أن القوات الأجنبية أهانت دينهم وثقافتهم وعليهم الانتقام".
ويضيف: "من الصعب أن تقنع مراهقًا أو طفلاً رأى والده يُقتل أمام عينيه ألا يسعى للانتقام ممن قتلوه".
"حكاية خان"
بهذه الطريقة تمكنت طالبان من إقناع إسماعيل خان، 14 عامًا، بالانضمام إليها والقتال في صفوفها.
فقد خان والديه وشقيقته جراء سقوط صاروخ على منزلهم، تم إطلاقه من الحدود الباكستانية عام 2014.
يقول خان للمجلة إنه رغب في الانتقام من باكستان بشدة، وكان يعلم أنه مازال صغيرًا ولا يمكن أن ينضم إلى شرطة الحدود في هذا السن.
توضح فورين بوليسي إن خان لم يكن انتحاريًا، خاصة وأنه تلقى تدريبات لكي يصبح داعية ديني، ومع ذلك كان يساعد في عمليات نقل الأسلحة والذخيرة، حتى ألقي القبض عليه خلال مشاركته في إحدى العمليات منذ عامين تقريبًا.
تقول المجلة إن خان صبي ذكي وموهوب، تعلم كيف يقرأ ويكتب بلغتين من بينها الإنجليزية في أقل من عامين.
يرغب خان في الانضمام إلى شرطة الحدود بعد مغادرة مركز التأهيل، إلا أن أشقائه الأكبر سنًا يرغبون في إرساله إلى السعودية لإكمال تعليمه.
ومع تصاعد حدة الحرب في أفغانستان، عانى المسؤولون الأفغان في التعامل مع تدفق الجنود طالبان الأطفال على مراكز التأهيل.
وحسب عبدالبصير أنور، وزير العدل الأفغاني، فإن الموارد اللازمة لدعم الأطفال وتأهيلهم تتضاءل مع مرور الوقت، مُشيرًا إلى أن العديد من البلاد تتردد في تقديم الدعم والمساعدات لهؤلاء الأطفال.
ويقول أنور إن الكثير من الدول الأوروبية التي طلبت منهم المساعدة يرفضون تلبية احتياجتهم، ويبررون ذلك بأنهم لا يقدمون أي إمدادات للسجون.
ولكن هؤلاء الذين يعملون مع الأطفال يحاولون إراجهم من كل هذه المشاكل ويفعلون كل ما في وسعهم لمساعدتهم، ويقول قرباني: "هناك أمل أن تتحسن أحوالهم، فهم ما زالوا صغار، تعرضوا للتضليل والترهيب، وأجبروا على ارتكاب هذه الجرائم، ولكن في قرارة أنفسهم فهم لم يريدوا إيذاء أي شخص".
فيديو قد يعجبك: