"كل منهم يحتاج للحب".. قصص طفولة مدهوسة في ملاجئ العراق الفقيرة (صور)
كتب - هشام عبد الخالق:
تصوير - أندريا ديسينزو / نيويورك تايمز
"محمد"، طفل صغير لا يتعدى عمره 10 سنوات، انتهى به المطاف في ملجأ للأيتام بمدينة الموصل العراقية، يقول لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية: "عندما كنت أبلغ من العمر ثمان سنوات، شاهدت مقاتلي تنظيم داعش يجرون والدي خارج المنزل ويقتلونه في الشارع، وعلى الرغم من توسلي وبكائي لهم بأن يتركوه ويغادروا المنزل إلا أنهم لم يستمعوا لي، وبعد أن أخذوا والدتي معهم، انتهى بي الأمر مع شقيقين وأخت لي في معسكر للأشخاص الذين تم إعادة توطينهم".
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، نشرت تقريرًا مطولًا لمراسلتها مارجريت كوكر، بدأته بـ "محمد وإخوته"، كنماذج ضمن عشرات الآلاف من الأطفال العراقيين الذين فقدوا آبائهم وأمهاتهم بسبب عنف تنظيم داعش، والمعارك المطولة لاستعادة الأراضي العراقية من حكم التنظيم الإرهابي".
وعلى عكس جنود الحكومة الذين فقدوا حيواتهم أثناء طردهم للتنظيم ويتم تكريمهم في كل مدينة؛ فإن هؤلاء الأطفال يعيشون الآن خطر أن يصبحوا ضحايا الحرب المنسيين، فالدولة العراقية مواردها قليلة لمواجهة هؤلاء الضحايا، والمجتمعات الداخلية لا تزال متأثرة بالدمار الذي سببه التنظيم، ويقوم أفرادها بإعادة بناء الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والكهرباء، ولذلك لا يولون احتياجات الأيتام اهتمامًا كبيرًا.
وتقول أمل عبدالله، نائب مدير ملجأ الموصل: "عانينا جميعًا في السنوات الماضية، وكل منا خسر الكثير والكثير، لكن هؤلاء الأطفال كانوا أكثر من عانوا في الفترة الماضية، وواجبنا الآن أن نعيد إليهم بعض السعادة والراحة التي يحتاجونها".
المنظمات العراقية الحكومية وكذلك مجموعات الإغاثة الدولية ليس لديها أعدادًا مؤكدة عن عدد الأطفال الأيتام منذ صيف عام 2014، عندما استولى التنظيم الإرهابي على ثلث الدولة.
لكن رئيس اللجنة النسائية لمجلس محافظة الموصل، سكينة علي يونس، قامت بتجميع سجلات لحوالي 13 ألف يتيمًا في المدينة، وخلال معركة تحرير الموصل من تنظيم داعش الصيف الماضي؛ صار منزل سكينة مركزًا لاستقبال الأطفال التائهين، واستقبلت عشرات العشرات ممن عُثر عليهم الجنود، ويقول عمال الإغاثة إن هناك آلاف غيرهم موجودين في المدن والمقاطعات الأخرى التي تم تحريرها من تنظيم داعش.
ويقول العمال أيضًا أن 20 ألف طفلاً سيكون رقمًا تقديريًا متحفظًا لمجموع الأطفال. وتقول الصحيفة إن عشرات العائلات التي تم إجراء مقابلات معها في الموصل أكدت أن هذا الحِمل أثقل كاهلها، بسبب افتقارهم للخدمات الاجتماعية والأموال لتوفير الرعاية الصحية والدعم المعنوي الذين يحتاجونه هم شخصياً بعد نجاتهم من الحرب وتنظيم داعش، وإنهم يبحثون -عادة بلا جدوى- عن مساعدات من الوكالات الحكومية التي تفتقر للتمويل هي الأخرى، والجمعيات الخيرية المحلية.
أما هؤلاء الذين ليس لديهم أي عائلات على الإطلاق، فقد تُركوا في ملجأ الموصل للأيتام، وهو مؤسسة حكومية خصصه تنظيم داعش كثكنة عسكرية للجنود المراهقين في الفترة التي حكم فيها الموصل.
الربيع الماضي، أعاد غزوان محمد مدير الملجأ، فتحه مرة أخرى بالاشتراك مع طاقمه المكون من سبعة عمال اجتماعيين وطباخين وممرضات، وذلك حتى يوفر مكانًا لما يقرب من 50 طفلًا، وأمضوا شهورًا يعملون بدون أجر، مقابل تغيير أشكال المباني، وتلوين الحضانة بألوان زاهية، وإقناع الشركات بالمشاركة في التبرعات من لعب أطفال وبطانيات، وبدأوا في تلقي تمويل من الحكومة في يونيو الماضي.
** عاملة بالملجأ: "الطفل ليس مسؤولًا عن أخطاء والديه.. جميعهم ضحايا، وكل منهم يحتاج للحب"
الأيتام المتواجدين هناك من ضمنهم أطفال ضحايا تنظيم داعش، مثل محمد، وأيضًا أطفال أعضاء التنظيم أنفسهم، و17 طفلًا حديثي الولادة هجرتهم أمهاتهم بسبب العار الذي سيطاردهن إذا ما قمن بتربية طفل أحد أعضاء التنظيم الإرهابي، حسبما أكد أحد العاملين بالملجأ.
وتقول إيمان سالم، إحدى العاملات في الملجأ: "الطفل ليس مسؤولًا عن أخطاء وأفعال والديه، جميع الأطفال هنا ضحايا، وكل منهم يحتاج للحب".
لم يكن أطفال مقاتلي تنظيم داعش أحسن حظًا من غيرهم من الأطفال الذين قُتلوا على أيدي التنظيم، فعندما وصل طفلًا يبلغ من العمر 10 سنوات، كان والده مقاتلًا لصالح تنظيم داعش، إلى الملجأ في الربيع الماضي، كان يعاني من آثار الصدمة والرعب الذين يعاني منه الأطفال الآخرون، وكانت توقظه الكوابيس من النوم في منتصف الليل، وفي النهار كان يعتريه الحزن بسبب خسارته أبويه، وحاول طاقم العمل في الملجأ إبقاء هوية والده سرية لتجنب الصراعات الداخلية، ولكن انتشرت الأخبار سريعًا وانهارت الحياة الهادئة التي حاول الملجأ احتوائها، وكان محمد -الذي قُتل والده على أيدي التنظيم- أول من اشتبك مع الوافد الجديد وضربه بقبضتيه حتى استطاع طاقم الملجأ تخليصهما من بعضهما البعض.
ويقول محمد في مقابلة أجرتها معه الصحيفة بوجود مشرفه الاجتماعي: "عندما أراه في أي وقت لا أفكر في شيء سوى أنني أكرهه، وأكره تنظيم داعش وقتلهم لوالدي، وعندما أرى هذا الولد أشعر بكره كبير تجاهه مثلما أشعر تجاه داعش".
ونصح الأخصائيون الاجتماعيون "محمد"، بتوجيه غضبه إلى ممارسة الرياضات البدنية، وبالنسبة للولد الآخر، أخبروه أنهم سيحرصون على إبقائه آمنًا، وكانوا يراقبونه لضمان مشاركته في الألعاب مع باقي الأطفال، وبعد مرور أسابيع كان الطفلان يلعبان سوياً ويذهبان للمدرسة معًا، بحسب كلام المشرفين الاجتماعيين.
* "نور" فقدت 19 شخصًا من عائلتها أثناء محاولتهم الخروج من الموصل
نور، طفلة بالغة من العمر 10 سنوات، كانت في يوليو العام الماضي تلعب لعبتها المفضلة وهي تتخيل نفسها كأميرة، لكنها توقفت عن اللعب منذ أن فقدت 19 شخصًا من عائلتها دفعة واحدة أثناء محاولتهم الخروج من المدينة القديمة بالموصل، في المنطقة التي كان تنظيم داعش يتخذها معسكرًا أخيرًا له، وحاول أبواها وأقاربها وجيرانها الفرار من نيران التنظيم والاتجاه نحو الجيش العراقي، إلا أن أحد الانتحاريات التابعات لداعش سبقتهن وقامت بتفجير نفسها وسطهن.
وتتذكر نور، بحسب الصحيفة، أنها طارت في الهواء، ومقتل شقيقتها الصغرى، ستة أفراد من أبناء عمومتها، وست عمات، بالإضافة إلى جدتها، ولم ينجُ من أقاربها سوى عمتها الكبرى البالغة من العمر 63 عامًا، وشقيقة أخرى متزوجة تبلغ من العمر 21 عامًا، واللتان استطاعتا العثور عليها في مستشفى ميداني بعد أن أنقذها مسعف أمريكي.
ولكن لم تكن عائلتها قادرة على علاج الندوب المؤلمة المنتشرة عبر وجهها وأيديها وذراعيها، أو الألم العاطفي لديها، وكانت نور قد أصيبت بحروق من الدرجة الثانية والثالثة من أطراف أصابعها حتى مرفقيها وأيضًا في خديها، بالإضافة إلى ضرر شديد في الأعصاب في كلتا اليدين.
عمتها الكبرى، سكينة محمد، التي فقدت زوجها أيضًا في نفس التفجير، أنفقت مدخرات العائلة الضئيلة على عمليتين جراحيتين لمساعدة نور على استخدام ذراعيها مرة أخرى، لكنها لا تستطيع تحمل نفقات العمليات التجميلية.
في ربيع هذا العام، التحقت نور بمدرسة، على أمل أن يساعدها الروتين على التعامل مع حزنها، ولكن في أول أسبوع لها في الفصل، ضحك زملاءها ومعلموها على مظهر أيديها التي تخرج منها المخالب ويدها المحروقة.
وتقول عمتها للصحيفة: "هل يمكنكم تخيل أي شيء أكثر قسوة من هذا؟".
** نور: "أنا لست جميلة مثل الدمى ومن الصعب أن أتمسك بدُمى أجمل مني"
توقفت نور بعد ذلك عن الذهاب للمدرسة، وتساعد عمتها الكبرى في القيام بالواجبات المنزلية البسيطة، وعند سؤالها عن الدُمى الجميلة التي تفضلها اختارت دمية محشوة تجسد فأر "ميكي ماوس" الشهير، وقالت في صوت تكتسيه الحسرة: "أنا لست جميلة مثل الدمى التي يمتلكها أقاربي ومن الصعب أن أتمسك بدُمى أجمل مني".
فيديو قد يعجبك: