قراءة في كتاب الخوف.. مؤامرات تنخر في عِظام البيت الأبيض (الحلقة الثامنة)
كتبت- رنا أسامة:
سلّط الكاتب الأمريكي البارز بوب وودورد، الضوء على مؤامرات داخلية تُحاك في البيت الأبيض، بما في ذلك تهديد وزيريّ الخارجية ريكس تيلرسون والدفاع جيمس ماتيس لمنصب مستشار الأمن القومي السابق هربرت ماكماستر، بما أفضى إلى الإطاحه بالمسؤول الذي وُصِف في الدوائر المُقرّبة من ترامب بأنه "عدواني".
ورد ذلك في الفصل السادس والعشرين من كتابه (الخوف.. ترامب في البيت الأبيض) الذي صدر يوم 11 سبتمبر الجاري وباع أكثر من 750 ألف نسخة في يوم واحد.
استند وودورد في كتابه- الذي هاجمه ترامب ووصفه بـأنه "محض خيال" - إلى مئات اللقاءات مع مسؤولين كبار حاليين وسابقين في الإدارة الأمريكية. ويستعرض مصراوي في سلسلة حلقات أبرز ما كشفه الكتاب الذي يتضمن 500 صفحة.. وإليكم الحلقة الثامنة:
في 15 يوليو 2017، قال ماكماستر إن "الثُنائي"- في إشارة إلى تيلرسون وماتيس- "يجعلان موقفه يزداد سوءً على نحو لا يُمكن الدفاع عنه"، بينما كان يتناول الشراب مع دينا باول كبيرة موظّفيه، وروب بورتر سكرتير موظفي الرئيس ترامب، بحسب وودورد.
كما أعرب عن اعتقاده بأن ماتيس وتيلرسون خلُصا إلى حقيقة أن "ترامب وإدارته فقدوا صوابهم؛ لذلك سعوا إلى تنفيذ وحتى صياغة سياسات البيت الأبيض من تلقاء أنفسهم دون تدخل أو استشارة من ماكماستر، ناهيك بقرارات الرئيس نفسه"، بحسب قوله.
تهميش ماكماستر
قبل ذلك الحديث بأسبوع، أشار ماكماستر إلى أنه "كان مُغيّبًا تمامًا" عن كواليس توقيع "مذكرة تفاهم مهمة" بين واشنطن والدوحة بشأن مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويل الإرهاب خلال زيارة تيلرسون إلى قطر في 11 يوليو من العام نفسه.
وذكر ماكماستر أن وزير الخارجية- وقتذاك- لم يطلب استشارته أو حتى يُبلِغه مُسبقًا، وتفاجأ بالقرار من تقارير إعلامية. أعلن تيلرسون، في مؤتمر صحفي عُقِد في قطر، أن "الاتفاق ثمرة أسابيع من المناقشات المُكثّفة" بين حكومتيّ البلدين، لذا استغرق الخروج في شكله النهائي بعض الوقت.
أيّده في الرأي بورتر، قائلًا إن تيلرسون دأب على تخطّي المسؤولين في البيت الأبيض، وعلى رأسهم الرئيس ترامب، وأقدم على تنفيذ قرارات دون استشارة أحد. وأضاف "بشكل واضح كان تيلرسون يتصرف وفق هواه".
"أن تكون أكثر ولاءً للرئيس يعني أن تحاول إقناعه بدلًا من خداعه والتحايل عليه"، يقول ماكماستر، مُشيرًا إلى أنه "كان ينفذ الأوامر المباشرة انطلاقًا من شعوره بالواجب كضابط في الجيش. في المقابل لم يفعل تيلرسون ذلك".
في معرض وصفه عن تيلرسون، قال ماكماستر "إنه مُخادِع. يعتقد أنه أذكى من الجميع. لذا يظن أن بإمكانه التصرف دون استشارة أحد".
الأنكى من ذلك، أنه لم يُدعى لحضور اجتماع رتّبه راينس بريبوس، كبير موظّفي البيت الأبيض، مع كبار المسؤولين بالحكومة رتّبه يوم 18 يوليو الماضي. ومع ذلك شارك ماكماستر على كل حال واتخذ مقعدًا على طاولة اللقاء. يكتب وودورد "حضور مستشار الأمن القومي الباهت لم تُحمد عقباه".
هجوم تيلرسون
خلال اللقاء، شنّ تيلرسون هجومًا على ترامب، مُشككًا في قدرته على إدارة زمام الأمور داخل البيت الأبيض أو خارجه. وقال للحضور "الرئيس لا يستطيع اتخاذ قرار. لا يعرف كيف يتخذ قرارًا. لن يتمكّن من اتخاذ قرار"، مُضيفًا أنه "ما يلبث أن يتخذ قرارًا حتى يتراجع عنه بعد بضعة أيام".
حينها، خرج ماكماستر عن صمته وهمّ يقذف وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون بالكلمات: "أنت لا تعمل مع البيت الأبيض. لا تأخذ مشورتي أنا أو أيٍ من موظّفي الأمن القومي. دائمًا ما تضعنا في مأزق".
بحسب وودورد، مضى ماكماستر يستشهد بأمثلة تُعزّز فكرة تخطّي تيلرسون لجهاز الأمن القومي وصعوبة التواصل معه الذي كان يتطّلب الترتيب والإعداد له مُسبقًا. وقال له "إنك تتواصل بشكل مباشر مع الرئيس وماتيس وبيربس أو بورتر، وتتغافل دور جهاز الأمن القومي".
بعد ذلك اتهم تيلرسون بالعمل على "تقويض عملية الأمن القومي".
بدوره، نفى تيلرسون تلك المزاعم، قائلًا "غير صحيح. أنا متاح طول الوقت. أتحدث معك طول الوقت. لقد أجرينا مؤتمرًا عبر الهاتف أمس. إننا نُجري اتصالات صباحية 3 مرات أسبوعيًا. ما الذي تتحدث عنه إتش آر؟". وتابع "لقد عملت معك. وسأعمل مع أي شخص".
بعد اللقاء، يقول وودورد، إن تيلرسون واصل التنفيس عن غضبه من مكتب بورتر، واصفًا البيت الأبيض بأنه "كارثة". وأشار إلى أن كُثيرين داخل الإدارة الأمريكية لا يفقهون شيئًا عن السياسة الخارجية، بما في ذلك مدير شؤون الموظفين، جوني ديستيفانو صاحب الـ39 ربيعًا- وفق قوله.
يقول وودورد إن التوتر بين تيلرسون وماكماستر كشف "الخلل العام" داخل البيت الأبيض.
توبيخ ترامب
في الوقت نفسه، تطرّق وودورد في هذا الفصل إلى توتر علاقة ترامب بوزير العدل السابق جيف سيشنز، والضغوط التي مارسها عليه ليُجبره على الاستقالة.
وذكر أن ترامب وبّخ سيشنز، في مقابلة غير عادية أجراها مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في 19 يوليو 2017، على خلفية رفع الأخير يده عن التحقيقات المتعلقة بتدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية في 2016.
وقال ترامب في المقابلة "كيف تقبل وظيفة ثم تنأى بنفسك؟ لو كان نأى بنفسه قبل الوظيفة، لكنت قلت له شكرًا جيف لكني لن أعينك".
ورد عليه سيشنز في مؤتمر صحفي: "نحب هذه الوظيفة ونحب هذه الوزارة، وأخطط للاستمرار في هذا طالما ظلت الأمور مناسبة".
وبخلاف أنه نأى بنفسه عن قضية التدخل الروسي، لم يرضى ترامب عن شهادات سيشنز أمام مُختلف لجان الكونجرس حول الاجتماعات أو المناقشات مع الروس.
كما انتقد موقفه حيال جرائم هيلاري كلينتون الذي اعتبره "ضعيفًا جدًا"، متسائلًا في تغريدة عبر تويتر "أين هي الرسائل الإلكترونية وملاحقة مسربي المعلومات الاستخباراتية؟". الأمر الذي جعل ترامب يأمر كبير موظّفي البيت الأبيض بريبوس بأن "يحصل على استقالة سيشنز".
في وقت لاحق، قال ستيفن ميلر، أحد مُساعدي سيشنز، لبيربوس "إننا في ورطة فعلية. إذا لم تحصل على استقالته سيظن أنك ضعيف. وإذا حصلت عليها ستكون جزءًا من كارثة حقيقية".
حثّ بيربوس وزير العدل عدة مرات لتقديم استقالته، وقال له "إذا كان الرئيس لا يرغب أن تبقى في الخدمة، فعليك أن تتنحّى". لكن لم يستجِب سيشنز.
توقّف هجوم ترامب على سيشنز لبعض الوقت، لكنه عاد لينعته في البيت الأبيض بــ"الأحمق" وسخر من لهجته الجنوبية، قائلًا "متأخر عقليًا هذا المعتوه الجنوبي"، بحسب وودورد.
في حديث مع روب بورتر، تساءل ترامب مُستنكرًا "كيف أقدمت على تعيينه وزيرًا للعدل؟ إنه لا يصلح حتى ليكون محاميًا في ولاية ألاباما".
كان سيشنز تولّى منصبه بوزارة العدل في 9 فبراير 2017، وكان يشغل منصب عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ألاباما في الفترة من 1997 حتى 2017.
وشغل منصب قاضٍ في محكمة المقاطعة الجنوبية بولاية ألاباما في الفترة من 1981 حتى 1993.
وكان مؤيدًا بشكل كبير لإدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، خصوصًا فيما يتعلق بغزو العراق، والتعديل المقترح لحظر زواج مثليي الجنس.
فيديو قد يعجبك: