الكرملين يستضيف أردوغان وسوريا محور المحادثات مع بوتين
كتب - سامي مجدي:
على وقع بدء الانسحاب الأمريكي من سوريا، عقد الرئيس التركي رجب طيب أرودغان محادثات في موسكو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء ركزت بشكل رئيسي على سوريا وسط تدافع من جانب حكومتي البلدين من أجل النفوذ في بعض المناطق في البلد الذي تمزقه الحرب منذ سنوات.
وتعارض روسيا وتركيا بشدة التواجد الأمريكي في سوريا كل لأسبابها الخاصة، إذ تنظر أنقرة وموسكو على ذلك التواجد على أنه يحد من نفوذها في هناك كما أن أنقرة تطالب الولايات المتحدة بوقف دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يسيطر عليها الأكراد إذ تراهم امتدادا لتمرد كردي داخل حدودها يقوده حزب العمال الكردستاني المصنف منظمة إرهابية في تركيا وبعض البلدان الأوروبية ومنها الولايات المتحدة التي ترى في الأكراد الحليف الأوثق في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ولقاء بوتين وأرودغان في الكرملين هو الأول بين الزعيمين أصحاب المصالح المتعارضة في كثير من الأحيان في سوريا منذ أعلن الرئيس دونالد ترامب في تغريدة في 19 ديسمبر سحب نحو ألفي جندي أمريكي يتمركزون في سوريا.
في مستهل اللقاء تبادل بوتين وأردوغان التحيات وأشادا بالعلاقات الوثيقة بين روسيا وتركيا وأهمية الأمن الإقليمي للبلدين، دون أن الخوض في تفاصيل.
ولروسيا وإيران دور رئيسي في بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة واستعادة سلطة حكومته على أغلب مناطق بلاده من المتمردين الذي تدعمهم تركيا خلال النزاع المستمر منذ نحو ثماني سنوات.
رغم ذلك التباين ودعم أطراف متعارضة في الحرب، تمكنت الدول الثلاث من ابرام اتفاقات سلام خاصة في محافظة إدلب، فضلا عن توحيد جهود العواصم الثلاثة لضرب النفوذ الأمريكي في سوريا، وكذا العراق حيث إيران لها نفوذ قوي على الحكومة الشيعية.
تلك الاتفاقات والتفاهمات الآن في موضع اختبار مع سعي روسيا وتركيا وإيران لاستغلال الفراغ التي سيخلفه انسحاب الولايات المتحدة في سوريا؛ إذ تسعى موسكو طهران لتحل الحكومة السورية محل القوات الأمريكية في منطقة شرق نهر الفرات بعقد اتفاقات مع الأكراد الذين يخشون هجوما عسكريا تركياً.
وتعارض تركيا المساعي الروسية الإيرانية وتتمسك بمحاربة الأكراد وهي الآن تتفاوض مع الولايات المتحدة التي تشترط ضمان حماية الأكراد وإبلاغها مسبقا بأي هجوم تركي محتمل، بحسب تصريحات لمستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون الشهر الماضي.
وفي الأيام الأخيرة برز على السطح مقترح "منطقة آمنة" بطول 23 كيلومتر في شمال شرق سوريا لضمان إبعاد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن الحدود التركية. وهذا المقترح ترحب به أنقرة وتدعمه بقوة.
لكن يبقى الاتفاق على التفاصيل وكيفية تنفيذ ذلك المقترح، فروسيا، أحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، أشارت إلى انفتاحها على مناقشة "المنطقة الآمنة"، بيد أنها حذرت من الحكومة السورية هي التي يجب أن تتولى السيطرة على المناطق التي يتواجد فيها حاليا الجنود الأمريكان وحلفاءهم الأكراد.
في المقابل تخشى أنقرة من إبرام الحكومة السورية ووحدات حماية الشعب الكردية اتفاقا في المنطقة الحدودية وكذا بلدة منبج الاستراتيجية التي يشكل بقاء الجماعات المسلحة الكردية تهديدا للأمن التركي، حسبما ترى حكومة أردوغان.
وتسعى روسيا على ما يبدو للتوسط ورعاية محادثات حكومة الأسد مع الأكراد أملا في زيادة مكاسب دمشق وتعزيز قبضتها على البلاد. ومن شأن الانسحاب الأمريكي أن يعزز من الدور الروسي خاصة بعد أن اتضح للأكراد أن الولايات المتحدة تتركهم وحدهم في مواجهة الأتراك.
وتحدثت صحيفة الوطن السورية يوم الثلاثاء عن وصول وفد كردي إلى موسكو قبل يوم من وصول أردوغان.
ويبدو أن بوتين على استعداد لأن يأخذ المصالح الأمنية التركية بعين الاعتبار إذ أنه يرى أن العلاقات القوية مع تركيا ضرورية لعمل توازن أمام النفوذ الأمريكي في المنطقة. وقال بوتين في تصريحات بعد لقاء الأربعاء إن روسيا مستعدة لاستضافة "قمة" بشأن سوريا مع تركيا وإيران.
ولفتت تركيا إلى التفجيرات الانتحارية التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا مؤخرا وقتل فيها أربعة أمريكيين، تثبت أن الجماعات المسلحة الكردية ليس بالكفاءة الكافية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه هُزم وأن أنقرة ستتولى مطارة فلوله.
وكتب مدير الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين آلتون في مقال نشره موقع قناة الجزيرة القطرية إن "الزياة المفاجئة في عدد الهجمات على القوات الأمريكية تشير إلى وحدات حماية الشهب إما غير قادرة أو غير مستعدة لوقف عمليات (الدولة الإسلامية) في شمال شرق سوريا."
وتتعارض المصالح الروسية التركية في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، التي تضم نحو ثلاثة ملايين شخص الكثير منهم نزحوا من أجزاء أخرى في البلاد.
وأبرم بوتين وأرودغان في سبتمر الماضي اتفاقا لخفض التصعيد في إدلب جنب المحافظة من هجوم سوريا أثار مخاوف من كارثة إنسانية على غرار التي جرت قبلها بأشهر عندما استعادت دمشق حلب من أيدي المتمردين. أدى اتفاق إدلب إلى تأسيس منطقة أمنية خالية من الأسلحة الثقيلة تراقبها القوات التركية.
واتهمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الأربعاء أن الجماعة المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة سيطرت على المنطقة، مشيرة إلى أن تصعيد العمليات العدائية في إدلب يهدد القاعدة الجوية الروسية في محافظة اللاذقية الساحلية المجاولة لإدلب.
ولا يستبعد خبراء استعداد أنقرة لتقديم تنازلات بشأن استعادة الحكومة السورية السيطرة على إدلب في مقابل أن تأخذ المصالح التركية في منبج وشرق الفرات بعين الاعتبار، حسبما نقلت صحيفة "كومرسانت" الروسية الأربعاء.
قال كيريل سمينوف، الخبير في مجلس العلاقات الدولية الروسي للصحفية "يمكن لتركيا إزالة الحواجز والسماح لروسيا بإجراء عملية عسكرية في إدلب مع قوات الأسد في مقابل مراعاة مصالح تركيا في منبج وشمال سوريا. للقيام بذلك، هناك حاجة إلى خطة عمل معينة. ومع ذلك، فإن عدم الوضوح حول الإطار الزمني للانسحاب الأمريكي يعوق ذلك في الوقت الحالي."
لم يستبعد سمينوف القيام بعملية عسكرية تركية وسورية متزامنة ضد الإرهابيين في إدلب، حيث أجبرت جماعة "تحرير الشام" (المعروفة سابقاً بـ جبهة النصرة ، المحظورة في روسيا) القوات الموالية للأتراك على التراجع.
من جانبه ، أكد أوتون أورهان، الخبير في مركز الدراسات الإستراتيجية في الشرق الأوسط ومقره أنقرة، أن تركيز تركيا قد ينتقل من إدلب إلى منطقة شرق الفرات. إلا أنه أشار إلى أن العملية العسكرية المحتملة لروسيا في إدلب قد تضر تركيا، لأنها ستثير موجة جديدة من اللاجئين.
وفقا للخبير، إذا توصل رئيسا روسيا وتركيا إلى اتفاق حول هذه القضية، فإن موسكو قد تكون أكثر تسامحًا مع مشكلة إدلب، وبالتالي تجنب عواقب غير سارة على تركيا.
وأضاف أنه في مقابل الحصول على مثل هذا الحل الوسط، يمكن لأنقرة أن تتوقع دعم موسكو الكامل لعملياتها في منطقة منبج.
فيديو قد يعجبك: