باحث أمريكي: سياسة ترامب الخارجية لم تعد عصيّة على التوقع
واشنطن (أ ش أ)
رأى باحث معهد بروكينجز الأمريكي، توماس رايت، أن سياسة الرئيس دونالد ترامب الخارجية لم تعد عصّية على التوقع، وأن أيام انقسام هذه الإدارة قد ولّت.
واستهل رايت مقالا مطولا في مجلة (فورين أفيرز) الأمريكية، بالإشارة إلى أنه بات أمرًا مألوفا وصْف السياسة الخارجية للرئيس ترامب بأنها لا يمكن توقعها؛ على أن ذلك يُعتبر خطأً، وذلك لأن أفعال ترامب وإنْ كانت صادمة، إلا أنها نادرا ما تكون مدهشة.
ولفت الكاتب إلى أن أكثر مواقف ترامب إثارة للجدل – موقفه من حلف شمال الأطلسي (ناتو) وموقفه الخاص بالانسحاب من سوريا وشنّه حروبا تجارية- هي كلها مواقف تتسق تماما مع رؤيته للعالم التي أعلن عن تبنّيها منذ حقبة الثمانينيات من القرن الماضي.
ونبه رايت إلى أن صعوبة التنبؤ بقرارات إدارة ترامب لا تصدر عن رؤاه وأفكاره وإنما تصدر عن الصراع القائم بينه وبين مستشاريه السياسيين من جهة، وبينه وبين مؤسسة الأمن القومي من جهة أخرى؛ وحتى وقت قريب كان هذان المعسكران يتنافسان على السيادة، وكان مُتعذَرًا معرفة أيهما سيحرز السبق في أي مضمار لأية قضية كانت.
ولكن بعد مرور عامين من حكم ترامب، بات واضحا الآن، بحسب الكاتب، أن الرئيس يمتلك زمام أمور الصراع حتى وإن لم يعلن النصر الصريح بعد؛ وللمرة الأولى بات ممكنا تحديد سياسة خارجية موحَدة للإدارة الأمريكية في ظل ترامب وقد بات فريق تلك الإدارة يلتف حول أفكار الرئيس.
وأوضح صاحب المقال أن سياسة ترامب مدارُها تدشين علاقة ضيقة المدى وتبادلية مع أمم أخرى، والأفضلية للحكومات الشمولية على نظيراتها الديمقراطية، في مسلك تجاري صوب السياسة الاقتصادية الدولية.
ونوه رايت عن أن العديد من الرؤساء الأمريكيين انتُخبوا دون سابق خبرة حقيقية في مضمار السياسة الخارجية، وأن بعض هؤلاء الرؤساء كان بجعبته أفكارا تتناقض مع المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية – جيمي كارتر على سبيل المثال كان يدعم سحْب القوات الأمريكية من كوريا.
لكن ترامب، بحسب الكاتب مختلف عن هؤلاء من أسلافه؛ فهو أول رئيس على الإطلاق يُنتخَب رغم مناقضة ما يحمله في جعبته من أفكار مناقضة تامة لكافة أركان السياسة الأمريكية الأساسية.
ونبه الكاتب إلى أن ترامب غداة فوزه بالرئاسة واجه مشكلة هي عدم جاهزيته تماما لكي يحكم، إلى جانب خلو فريقه تقريبا من مؤهلين لتقلد منصب رفيع في قطاع الأمن القومي؛ هذه النُدرة، مصحوبة مع حِنق ترامب المستمر على خبراء المؤسسة ممن عارضوه إبان الحملة الانتخابية، قادته إلى الاتجاه إلى جنرالات متقاعدين وأقطاب عالم الصناعة، بمن فيهم جيمس ماتيس كوزير للدفاع وريكس تلرسون كوزير للخارجية وجراي كوهن كمدير للمجلس الاقتصادي الوطني ثم إتش آر ماكمستر كمستشار للأمن القومي.
وبحسب الكاتب فإن ترامب واجه قيودا فيما يمكن تسميته المرحلة الأولى من مراحل سياسته الخارجية والتي امتدت سبعة أشهر حتى أغسطس 2017؛ وقد شهدت تلك الفترة صدور العديد من الأقوال والأفعال المثيرة للجدل عن ترامب.
وفي منتصف يوليو 2017، بدأ ترامب الدفع على صعيد مقاومة مستشاريه؛ وبحلول خريف نفس العام، بدأت المرحلة الثانية من مراحل سياسة ترامب الخارجية وبدأت معها القرارات الأحادية الجانب؛ وفي هذه المرحلة الممتدة حتى الآن حاول ترامب في صناعة القرار أن يتخطّى المسار الرسمي للعمل المؤسساتي مع وضوح جليّ لتفضيلاته.
وفي ديسمبر 2017، ورغم اعتراضات من فريقه، أعلن ترامب نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس؛ وفي مايو من العام المنصرم، انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني؛ كما فرض تعريفات جمركية على صادرات دول صديقة ومنافسة على السواء؛ وفي قمة بروكسل 2018 جدد ترامب انتقاداته للناتو؛ كما دفع بقوة على صعيد سحْب القوات الأمريكية من سوريا.
ولربما تمثلت مواقف ترامب الأشهر على هذا الصعيد في قراره التقاء الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في سنغافورة من دون استشارة فريق الأمن القومي، وقراره الأحادي التقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي، وتحدي مستشاريه عبر احتضان بوتين في المؤتمر الصحفي.
ولتيسير هذا التحول، كان ترامب بحسب الكاتب، محتاجا إلى فريق جديد يقف وراءه وليس في طريقه، وكانت تلك هي قصة عام 2018 والتي بدأت بالتخلص من تلرسون وماكمستر وكوهن في فترة ثلاثة أسابيع بين مارس وأبريل وتغييرهم بـ مايك بومبيو وجون بولتون ولاري كودلو – وثلاثتهم يشتركون في شيء واحد هو: الولاء الشخصي لترامب.
ثم استمر السير على نفس المنوال، برحيل سفيرة أمريكا لدى الولايات المتحدة نيكي هيلي، ثم انتهى المسير إلى الآن باستقالة ماتيس في الحادي والعشرين من ديسمبر إثر إعلان ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا.
وبعد أن كان الصراع بين الرئيس وفريقه سِمةً اتسّم بها عاماه الأولان في الحكم، بات هنالك الآن اصطفافٌ ملحوظ بين أعضاء هذا الفريق حول أفكار الرئيس حتى وإنْ لم تنتهِ أوجه الاختلاف بشكل تام.
ولأول مرة، في ظل ترامب، بات ممكنا للمراقبين تحديد سياسة خارجية موحَدة تتسق فيها أفكار فريق الإدارة مع أفكار الرئيس.
وبحسب صاحب المقال، فإن إدارة ترامب في ظل هذه السياسة الخارجية الموحدة لا تتخذ لنفسها أصدقاء دائمين ولا أعداء دائمين؛ فهي تسلك مسلكا تبادليا نفعيا إزاء كل الأمم، ولا تقيم وزنًا كبيرًا لعلاقات تاريخية، وتسعى لتحقيق مكاسب فورية تبدأ من التجارة والمشتريات وصولًا إلى الدعم الدبلوماسي.
وأكد الكاتب أن إدارة ترامب الآن متحدّة في رغبتها استخدام التعريفات الجمركية، ضد الحلفاء والشركاء على السواء، لدعم أجندتها الاقتصادية؛ وإذا كانت لا تزال هنالك بعض الاختلافات حول الأساليب والتكتيكات فإن الجدل الأوسع بشأن استراتيجية اقتصادية دولية –والذي احتدم عام 2017- قد انتهى الآن.
وقد احتضنت إدارة ترامب نزعة القومية وازدرت في المقابل فكرة التعددية في إطار فلسفتها الأكثر شمولا – وهو أمر واضح بجلاء في أحاديث ترامب وبولتون وبومبيو؛ كما لا تقيم تلك الإدارة وزنًا كبيرًا لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان إلا في حالات كوبا وإيران وفنزويلا.
ومن المفارقات، بحسب رايت، أن وصول إدارة ترامب إلى تلك الحالة من الاتحاد وعدم تعذر التنبؤ بقراراتها على صعيد السياسة الخارجية يترك النفوذ الأمريكي مرشحًا إلى الضعف والنظام العالمي إلى الاضطراب؛ ذلك أن إدارة ترامب العميقة الانقسام كانت تمثل المنصة الأفضل لأولئك الذين يؤمنون بالاستراتيجية الأمريكية لما بعد الحرب - تلك الاستراتيجية التي دعائمها: تحالفات قوية واقتصاد عالمي مفتوح ودعْم واسع للديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان.
واختتم الكاتب قائلا: "ولأنّ ترامب لم يكن أبدًا ليُغيّر وجهة نظره العالمية، فإنّ إدارته لم يكن أمامها سوى الانقسام أو الاتفاق على شروطه (ترامب)، ونحن الآن بصدد الخيار الثاني (الاتفاق على شروط ترامب) ومن ثم تبدأ المرحلة الثالثة من مراحل السياسة الخارجية في ظل ترامب وهي المرحلة التي سيجني فيها العالم كله آثار هذا الاتحاد."
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: