نتائج لم تحسبها أمريكا عند إعلان انسحابها من سوريا (تحليل)
كتب - هشام عبد الخالق:
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقريرًا حول النتائج غير المخطط لها التي ظهرت من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا.
وقالت المجلة، في بداية تقريرها المنشور على موقعها الإلكتروني، إن بعضًا من هذه النتائج تمثل في إظهار روسيا على أنها صاحبة النفوذ الأوحد في المنطقة، ومواجهة الأكراد لخطر حقيقي يهدد وجودهم، وتعزيز إيران لموقفها في بلد بعيدٍ للغاية عن حدودها.
وأدى قرار ترامب إلى غضب ليس فقط على نطاق المهتمين بالشأن السوري ولكن في الداخل الأمريكي أيضًا، وتسبب في استقالة وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس.
أوضحت المجلة أنه على الرغم من أن الانسحاب ليس على قدم وساق -وربما لا يكون حتى شاملًا كما تصور ترامب- إلا أن القرار قد أدى بالفعل إلى تحوّل في التحالفات والمصالح في البلاد التي عصفت بها سنوات من الحرب الأهلية، ولطالما كانت مركزًا للتنافس الإقليمي.
قال جون ألترمان، نائب رئيس معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية: "بعد الإعلان أن الولايات المتحدة ستغادر دون قيد أو شرط وفورًا، دفع جميع الأطراف في سوريا إلى إبرام صفقاتهم الخاصة لضمان مصالحهم، وانخفضت قدرة واشنطن على التأثير على ما يمكن فرضه في سوريا بين ليلة وضحاها من شيء معقول إلى صفر تقريبًا".
روسيا
أضافت دانا سترول، زميلة بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن موسكو لديها مصلحة كبيرة في الاحتفاظ بتأثيرها في سوريا، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، حيث كانت سوريا سوقًا مزدهرة للقطاعين الدفاعي والاستخباراتي الروسيين، وفي نفس الوقت فإن بقاء بشار الأسد في السلطة فوزًا استراتيجيًا لموسكو، التي كانت تدعمه.
لكن يخشى المراقبون من أن يمهد موقف روسيا في سوريا الطريق أمام موسكو وطهران لتثبيت تأثيرهما الخارجي في المنطقة، وأمام الأسد لاستعادة قوته التي امتلكها قبل بداية الحرب الأهلية.
وأوضحت المجلة أنه منذ إعلان انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، أصبحت روسيا الوسيط بين نظام الأسد، تركيا، وقوات سوريا الديمقراطية- وهي حليف أمريكي مهم في الحرب ضد داعش- في مفاوضات حول شمال شرق سوريا، وتعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، وهي جماعة تصنفها الولايات المتحدة على أنها إرهابية.
الأكراد
"بعد انسحاب الولايات المتحدة، أصبح مصير الأكراد معلقًا في الهواء، وأصبحوا أكثر عرضة للهجوم الأتراك عبر الحدود، وأيضًا فقد الأكراد أي نفوذ لديها في المفاوضات مع نظام الأسد على المنطقة"، بحسب ما ذكرته سترول، التي أضافت أن "الأكراد الآن يواجهون موقفًا يهدد وجودهم".
مما يزيد الأمر سوءًا بالنسبة بالنسبة للأكراد، إن تركيا أعلنت أنها ستنشئ "منطقة آمنة" بمسافة 20 ميلًا على الحدود بين تركيا والأكراد السوريين في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد.
ويخشى الخبراء من أن مثل هذه الخطوة ستؤدي في الأساس إلى إعطاء ذلك الجزء من سوريا للأتراك، تاركًا الأكراد السوريين والمدن الحدودية الكردية مثل كبانة تحت رحمتهم.
وفي العام الماضي، قامت القوات المدعومة من تركيا بنهب منطقة عفرين التي كانت تحت سيطرة الأكراد سابقًا، وهددت بمهاجمة منبج، التي تقع على بعد نحو 20 ميلًا إلى الشرق.
وطلبت قوات سوريا الديمقراطية الحماية من موسكو ودمشق، خوفًا من بدء تركيا هجومًا شاملًا على منطقتهم.
وأوضحت سترول، أن الولايات المتحدة قدمت فرصة سانحة أمام روسيا لتبدو بمظهر البطل هنا.
ويحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب المجلة، إيجاد حل آخر غير الغزو التركي لسوريا. وفي اجتماعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الشهر، حاول بوتين إنعاش معاهدة أمنية تم توقيعها عام 1998 بين تركيا وسوريا. وبالنسبة لبوتين، فالهدف هو أن يصبح بشار الأسد مسؤولًا عن المنطقة الحدودية.
السبت الماضي، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية، أن النظام السوري يطالب تركيا بسحب قواتها من سوريا قبل إعادة إحياء المعاهدة.
وتقول سترول إن التعامل مع روسيا ونظام الأسد بالنسبة للأكراد هو أفضل الخيارين السيئين، موضحة أنه بين حتمية وصول العمليات التركية إلى منطقة الأكراد وإبرام صفقة مع الأسد، فإنهم يفضلون إبرام الصفقة مع الأسد.
مصير المقاتلين السنة، الذين يتحالفون مع المعارضة السورية ضد حكومة الأسد المدعومة من الشيعة، والسكان السنة في شمال شرق سوريا، أيضًا موضع شك، بحسب المجلة، التي تقول إن الأكراد إذا أبرموا صفقة مع الأسد، فمن المرجح أن تواجه المناطق ذات الأغلبية السنية عزلة أو شيء أسوأ من جانب النظام السوري.
وتقول سترول: "إن العديد من السُنّة المحرومين قد يصبحون مجندين للمجموعة المتشددة (داعش)، وتؤسس للنسخة الثانية من التنظيم الإرهابي".
إيران
وبالنسبة لإيران، فإن روسيا والنظام السوري يغضان الطرف عما تفعله طهران في سوريا، والتي تهدف لإنشاء جسر بري من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان، ويستخدم قادة إيران استراتيجيات من تجربتهم مع حزب الله في لبنان، حيث رسّخت إيران نفسها "ليس عسكريًا فحسب، بل وسياسيًا، ودينيًا، وثقافيًا"، بحسب ورقة بحثية نشرها معهد واشنطن.
وبحسب الورقة البحثية أيضًا، فإن إيران تشتري عقارات في جميع أنحاء سوريا، وتبني قاعات جديدة للاجتماعات الشيعية، ومساجد ومدارس، وتحل محل الطوائف السنية ببطء. كما أنها تحول المساجد السنية المحلية إلى مراكز دينية وأضرحة شيعية، وتفتح مراكز للغة الفارسية، وتقدم وظائف ذات أجور عالية للشباب من السكان السنة العاطلين عن العمل، كما أن بعض السوريين يفضلون الانضمام إلى الميليشيا الإيرانية، مقابل 200 دولار في الشهر، بدلًا من تجنيدهم أو قتلهم على يد قوات نظام الأسد.
وتقول سترول: "لن يتراجع الإيرانيون في أي وقت قريب".
وأوضحت المجلة، أن أحد الحلول المطروحة أمام الغرب هو محاولة التفريق بين روسيا وإيران، وعلى الرغم من أن الطرفين ليسا متحابين بدرجة كبيرة، إلا أنهما أدركتا أن تحالفهما معًا في مصلحتهما المشتركة، وكلاهما كلاهما لديه المصلحة في الحفاظ على نفوذهما بسوريا: إيران بسبب الجسر البري، وروسيا لتحقيق مكاسب سياسية، وكلاهما من أجل تحقيق الفرص الاقتصادية
وتقول سترول في ختام التقرير: إنه بالنظر إلى الموقف المتشدد الذي تتخذه أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط ضد كلا الدولتين، أصبح التساؤل الآن هو: هل تخفف العقوبات ضد روسيا لتفرضها على إيران أم العكس؟ كل هذه الخيارات غير مستساغة حاليًا".
فيديو قد يعجبك: