بعد "خطاب القرارات".. هل قدم البشير تنازلًا فعليًا أم يناور سياسيًا؟ خبيران يجيبان
كتب – محمد عطايا:
لمواجهة الأزمة في بلاده، أعلن الرئيس السوداني، عمر البشير، في خطاب للأمة من داخل قصره الجمهوري، مساء الجمعة، عدة إجراءات، أبرزها حل الحكومة، وتأجيل تعديل الدستور، وفرض حالة الطوارئ.
من جهته، ألقى البشير ما في جعبته السياسية، منتظرًا ردود الفعل، التي رأى السفير رخا احمد، نائب وزير الخارجية السابق، وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أنها لن تصب في مصلحة الرئيس السوداني، لكونها "محض مناورة سياسية لاحتواء الموقف الصعب الذي يمر به".
في المقابل، يقول الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنه من الصعب في الوقت الحالي توصيف لغة خطاب الرئيس السوداني، لافتًا إلى أن الإجراءات التي أعلنها "مهمة" ولكنها تحتاج إلى آليات تنفيذ على أرض الواقع.
وفي خطابه، نعى البشير، ضحايا التظاهرات الذين بلغ عددهم 31 شخصًا، وفقًا لإحصائية حكومة، منذ اندلاع الاحتجاجات في 19 ديسمبر الماضي، مشددًا على محاسبة المسؤوليين.
وأكد أيضًا على أن تكون وثيقة الحوار الوطني التي أنجزتها القوى السياسية أساسًا متينًا في استكمال لم شمل القوى الوطنية في الداخل والخارج.
يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، في تصريحات لـ"مصراوي"، أن "البشير لم يأت بجديد، والخطوات التي أعلنها جيدة ولكنه سبق واستخدم بعضها في مراحل معينة منذ 1998 وحتى وقتنا الحالي".
في 19 ديسمبر الماضي، بدأت الاحتجاجات الشعبية في السودان ضد ارتفاع الأسعار والمطالبة بتحسين الظروف المعيشية، وسرعان ما اشتعل الأمر بسقوط عدد من القتلى لتتحول المطالب من اقتصادية إلى سياسية تتطالب الرئيس الذي ظل بالحكم 30 عامًا بالتنحي.
بينما رأى نائب وزير الخارجية السابق، أن خطاب البشير محاولة للنجاة من الموقف الصعب الذي يمر به نتيجة تحالف النقابات المهنية جميعها ضده، لافتًا إلى أن "خطر النقابات يكمن في تنظيمها، فهي لا تعمل بعشوائية، ما يشكل تهديدًا وجبهة حقيقية ضد الرئيس".
قبل دقائق من إلقائه خطاب "القرارات"، خرجت تظاهرات في عدة مدن سودانية واستمرت حتى بعد انتهاء البشير من خطابه الأمر الذي أثار تساؤلات حول مدى فعالية الإجراءات الجديدة لوقف الغضب الشعبي.
وعقّب أستاذ العلوم السياسية طارق فهمي، أنه "في حالة استمرارها خلال الـ48 ساعة المقبلين، فستشكل أزمة وستكون بمثابة رفض لكل ما جاء في خطاب البشير".
وأضاف أن البشير لم يقدم حلولًا جذرية للتعامل مع الحراك والاحتجاجات التي عمت المدن، وازدادت رقعتها خلال الأسبوع الماضي في عدن مدن مختلفة.
التظاهرات التي اتسعت رقعتها في الشوارع، كانت المحرك من وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، لخطاب البشير، وتقييمه الموقف من اتجاهين، الداخل والخارج.
من الداخل، يرى الدكتور طارق فهمي، أن الإجراءات مهمة وتكمن المخاوف أن تكون "تكتيكية" وحسب، ولا يتخلى عن موقفه، خاصة أنه لم يقدم رؤى شاملة لخريطة طريق تنقذ المشهد السياسي.
خارجيًا، لفت فهمي، إلى أن الدعم العربي وخطط تعويم النظام السياسي في السودان وإعادة مساره، تحتاج إلى مراجعات.
يرى السفير رخا أحمد، أن السودان أمام خيارين في الوقت الحالي إما أن يقوم الجيش بانقلاب، مثلما فعل جعفر النميري أول رئيس جمهورية للسودان في الستينيات، أو أن يجري البشير انتخابات مبكرة بشرط عدم ترشحه فيها.
وأكد نائب وزير الخارجية السابق، أنه في حالة استمرار البشير في السلطة، ستزداد الأوضاع سوءًا ويزداد الاحتقان والخسائر.
ولفت أيضًا إلى أنه لا يعتقد أن يتراجع الشارع السوداني عن حالة الاحتجاج ضد الرئيس، لعدة أسباب أبرزها: صعوبة الأوضاع الاقتصادية، وطول مدة حكم البشير، فضلًا عن عدم قدرته على إيجاد الحلول.
في المقابل، شدد الدكتور طارق فهمي، على أنه لا يستطيع أحد في الوقت الحالي أن يجيب على هدوء أو ازدياد الغضب في الشارع السوداني إلا بعد 48 ساعة، لتكون الرؤية واضحة، خاصة أن البشير سبق وقدم خريطة طريق كاملة، ووعد بإجراء حوار سياسي ومجتمعي منذ بدايات الأزمة ولم يفعل، وبالتالي خلق حالة من الاحتقان داخل القوى السياسية.
وقال إن البشير يريد أن يحدث انشقاقًا داخل الكتلة الصلبة من النقابات والهيئات التي تعترض على سياساته، فإذا ارتفعت خريطة الاحتجاجات خلال 48 فلن تستقر الأوضاع في السودان وستستمر.
طوال خطابه، شدد البشير على عدة نقاط، أبرزها تأكيده على دور الشباب، ومشاركتهم في بناء المستقبل، وعدم الرضا لبلاده في اتخاذ "الخيار الصفري" حتى لا يلاقي الخرطوم مصير الدول المجاورة، وضرورة أن تتخلى "المعارضة المسلحة" عن دورها، والعودة إلى طاولة الحوار.
يرى الدكتور طارق فهمي، أن البشير أراد أن يوصل عدة رسائل ضمنية من خطابه، أبرزها جذب صف الشباب، بالتأكيد على أنهم أيقونة التغيير، مثلما حدث في مصر، ويحدث حاليًا في الأردن والمغرب، وبالتالي الرسالة موجهة لهم.
ولفت إلى أن حديث البشير عن المعارضة المسلحة "ليست موجودة"، والمعارضة السياسية، هي مجرد محاولات لإحداث انقسام داخل القوى السياسية في بلاده، لافتًا إلى صموده على سدة الحكم منذ عام 1998 بسبب تحالفه مع القوى الإسلامية وتغيير تكتيكاته في التعامل مع القوى السياسية بالبلاد.
فيديو قد يعجبك: