كريم حسام: كيف انخرط لاعب تنس مصري واعد في شبكات الغش
(بي بي سي):
كان كريم حسام واحدا من أفضل لاعبي التنس العالميين في يوم من الأيام. وكان يتمنى المشاركة في أكبر المسابقات العالمية إلى جانب أبرز أبطال هذه اللعبة، ولكنه بدل ذلك شارك في واحدة من أكبر شبكات الغش المكتشفة إلى حدود الآن في رياضة ينخرها الفساد من كل جانب. في هذا التحقيق المشترك بين بي بي سي عربي وراديو 4، يستخدم مراسل بي بي سي، سايمون كوكس، تسجيلات ووثائق سرية للكشف عن مسيرة كريم وانهياره.
بدأت قصة انهيار مشوار كريم الرياضي في غرفة في فندق بسيط في تونس في شهر يونيو 2017، إذ كان الرياضي، البالغ من العمر آنذاك 24 عاما، يجلس قبالة اثنين من محققي الشرطة البريطانية السابقين.
كان المحققان يعملان لصالح وحدة النزاهة في لعبة التنس (TUI)، المكلفة بالبحث في استشراء الفساد في اللعبة، واعتراهما شك بأن كريم كان يتلاعب في نتائج المباريات.
وفي سلسة من جلسات التحقيق التي امتدت ستة شهور، كشف كريم أنه أصبح قبل أربع سنوات جزءا من أكبر شبكات التلاعب بالمباريات في عالم التنس.
وقد لا يختلف اثنان في أن دورة المستقبل للاتحاد الدولي للتنس التي تقام في منتجع شرم الشيخ المصري لا ترقى إلى مستوى بطولات مثل ويمبلدون أو رولان جاروس من ناحية عدد الحاضرين أو قيمة الجوائز.
فبطولة شرم الشيخ، التي تجرى إلى جانب مجمع للتسوق، لا تجتذب إلا عددا صغيرا من المشاهدين، كما أن الجوائز المخصصة للفائزين لا تتجاوز 15 ألف دولار، أي ربع المبلغ الذي يحصل عليه الخاسر في الجولة الأولى في ويمبلدون.
وفاز كريم حسام بهذه البطولة أربع مرات عندما شارك فيها لمرة أخرى في عام 2013.
كان كريم المصري يبلغ من العمر آنذاك 20 عاما، وكانت تعقد عليه الآمال في شمال افريقيا لأنه كان واحدا من أفضل لاعبي التنس الناشئين في العالم، إذ كان تصنيفه يقترب من أفضل عشرة ناشئين على المستوى العالمي. وكان قد بدأ في المشاركة في دورات اتحاد محترفي التنس الكبيرة جنبا الى جنب مع أفضل اللاعبين في العالم.
شارك كريم في بطولتي أستراليا المفتوحة وبطولة رولان جاروس، ولكن الدورة المقامة في شرم الشيخ كانت واحدة من دورات عديدة تقام حول العالم ويحاول من خلالها الآلاف من اللاعبين الناشئين الحصول على ما يسد رمقهم.
كان كريم حسام يستعد لخوض مباراة في شرم الشيخ عندما بادره لاعب آخر بالقول، "أتريد أن تخسر المباراة لقاء ألف دولار؟"
وكان اللاعب ذاته قد اتصل به قبل عدة شهور من ذلك في بطولة قطر المفتوحة سائلا إن كان على استعداد لخسارة المجموعة الأولى في مباراة كان يشارك فيها لقاء ألف دولار.
وكان كريم في تلك المباراة يواجه واحدا من أفضل لاعبي العالم، وهو ريشار جاسكيه، الذي كان تصنيفه التاسع عالميا (أي حوالي 300 مرتبة قبل كريم). إلا أن كريم رد عليه بالقول: "أنا ألعب مع جاسكيه، ولست هنا لبيع المباراة."
ولكن الموقف في شرم الشيخ كان مختلفا. فلم يكن من المهم بالنسبة لكريم إن كان سيفوز أو يخسر، ولكن بعد التفكير في الأمر قرر أن يمضي قدما في موضوع التلاعب. قال كريم للمحققين، "أردت أن أجرب الخوض في الموضوع لأني لم أجرب ذلك من قبل. اعتقدت بأن ذلك الشخص إنما كان يكذب عليّ، فلم أكن أعلم بأن المقامرة (على مباريات التنس) موجودة أصلا."
ولكن الشخص لم يكن يكذب. "وبعد خسارته المباراة، ذهب كريم صحبة الشخص المذكور الى مكتب لويستيرن يونيون من أجل تقاضي المال الذي تعهد به."
كان بإمكان المقامرين المساهمين في هذه الشبكة أن يحصلوا على أكثر بكثير من الألف دولار، وكان بإمكانهم المقامرة على مباريات أخرى كذلك.
يقول فريد لورد، مدير دائرة محاربة الفساد في المركز الدولي للأمن الرياضي في قطر، "عندما تكون لك معرفة من الداخل بأولئك المتورطين في التلاعب بنتائج المباريات في رياضات بعينها وخصوصا رياضة التنس، يمكنك الحصول على مبالغ لا بأس بها، فنحن نتكلم عن مبالغ قد تبلغ نصف مليون يورو."
الا أن الأمر الذي لم يستوعبه كريم حسام هو أنه باع مستقبله الرياضي مقابل ألف دولار، فبالنسبة للسلطات المشرفة على لعبة التنس، عقوبة مخالفة واحدة من هذا النوع تصل للحظر الكلي من ممارسة اللعبة مدى الحياة.
لم يتمكن كريم من كتم الموضوع، فأخبر أباه الذي كان ساعده في تمويل سعيه الرياضي. وقال كريم للمحققين إن والده "غضب غضبا شديدا، وقال له إنه يدمر حياته بهذه الصفقات".
بعد تلك المخالفة الأولى، قال كريم إنه حاول لفترة أن يتجنب تكرارها، ولكنه اعتقد أيضا أنه لو كان لديه المزيد من المال سيكون من الأسهل عليه أن يطور مسيرته الرياضية. قال، "أردت أن اشارك في دورات كبيرة ومهمة كدورات في الولايات المتحدة أو غيرها، وكل ذلك كان يتطلب المال."
وهكذا واصل كريم ما بدأ به، وواصل تقاضي الأموال مقابل خسارة المباريات. ولم يمض وقت طويل حتى أصبح هو الآخر وسيطا لشبكات القمار. كان ذلك يتطلب بين الفينة والأخرى خسارة مباراة، وفي حالات أخرى خسارة مجموعة واحدة في احدى المباريات. كان ذلك يعتمد على ما يريده المقامر.
وقضى كريم السنوات الأربع التالية في المساعدة في التلاعب بنتائج المباريات في مصر وتونس ونيجيريا، وكان يتقاضى لقاء كل عملية من مائتي إلى ألف دولار.
وتُظهر كمية كبيرة من الوثائق السرية، التي اطلعت بي بي سي عليها، أن كريم تلاعب بنتائج مباريات من خلال رسائل تبادلها عبر فيسبوك مع العشرات من لاعبي شمال افريقيا.
ففي مايو 2016، كتب كريم للاعب جزائري عارضا عليه "أخي، اخسر المجموعة الأولى، ثم فز بالمباراة وستحصل على 2500 (دولار)."
عندما يوافق اللاعب الآخر على ذلك، يتأكد كريم بأنه استوعب التعليمات الموجهة اليه. "لذا ستخسر المجموعة الأولى وثم تفوز بالمباراة. أتفهم ذلك؟" ويجيب اللاعب، "النتيجة ليست مهمة، ولكن علي أن أخسر المجموعة الأولى؟"
يطمئنه كريم بالقول، "المهم أن تخسر المجموعة الأولى ثم تفوز بالمباراة." ويقول اللاعب لكريم، "آمل أن يكون الأمر يسيرا لأني بحاجة للمال."
ويواصل الإثنان التراسل لعدة ساعات، ولكن حصلت عرقلة منعت تنفيذ الاتفاق.
وفي مناسبات أخرى، كانت الأمور أكثر يسرا وسلاسة. ففي أغسطس 2016، كتب كريم إلى لاعب مغربي في ساعات الصباح الأولى قائلا له، "مجموعة واحدة مقابل 3 آلاف دولار".
رد اللاعب المغربي الذي أغراه العرض، "وكم سأحصل لو خسرت؟"
قال له كريم، "اخسر لقاء 3 آلاف دولار يا صديقي."
وخسر اللاعب المباراة المذكورة فعلا.
وتشير الوثائق التي حصلت عليها بي بي سي إلى تورط أكثر من 20 لاعبا افريقيا شماليا إما بشكل مباشر في التلاعب بنتائج مباريات أو بشكل غير مباشر بعدم إخبار السلطات عندما طلب منهم وسطاء ذلك. يذكر أن على أي لاعب يطلب منه التلاعب بنتيجة أي مباراة إخبار سلطات التنس بذلك وإلا واجه فترة حظر طويلة الأمد.
في يونيو 2017، تمكنت سلطات مكافحة الفساد في رياضة التنس أخيرا من الإمساك بكريم.
وفي أول جلسة استجواب أجريت له مع المحققين، أخبرهم بالكيفية التي استدرج بها الى مجال التلاعب بالمباريات. وقال للمحققين، "لم يكن بوسعي من الناحية المالية أن ألعب. فوالدي كان يتكفل بمصاريفي ومصاريف أخي، ولم أكن أتقاضى أي دخل".
وبعد انتهاء ذلك التحقيق، بعث كريم رسالة إلى أخيه الأصغر يوسف، وهو لاعب تنس محترف كذلك. وقال في الرسالة: "ألقوا القبض عليّ في غرفتي. وكنت غبيا لأني لم أحذف بعض الأشياء".
وذكر كريم لأخيه أنه ثمة أمل في تفادي العقوبات الشديدة مقابل التعاون مع السلطات. وتابع في رسالته: "أخبرتهم أنني أريد العمل معهم. سيكون عظيما إن وافقوا. سأسافر وأتلقى الأموال مقابل الوصول إلى وسطاء المقامرة".
لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة، إذ مُنع كريم مؤقتا من ممارسة اللعبة بعد أيام من استجوابه على يد وحدة نزاهة لعبة التنس. وبعث رسالة إلى لاعب آخر في يوم قرار المنع، قال فيها إنه "سيزيد من نشاطه في المقامرة من الآن فصاعدا".
وبعد آخر استجواب مع وحدة نزاهة لعبة التنس، في يناير 2018، أعلن كريم حسام أنه أُحيل إلى تدريب الأطفال. وطلب منه المحققون أن يقدم دليلا ضد اللاعب الذي جنده، إذ لم تكن لديهم أي أدلة أخرى.
وقال أحد المحققين لكريم "الأرجح أنه جنّد آخرين غيرك، وغالبا يستمر في تجنيد اللاعبين. وأعتقد أنك تشاركني الرأي أنه يشكل خطرا على اللعبة وعلى اللاعبين الصغار، ويجب التخلص منه... لولاه، لم تكن لتواجه هذا الموقف الآن".
ويأمل كريم أن يجلب التعاون عليه بعض النفع، ويبدو محبطا لأنه لم يستفد من الأمر. ويقول: "أمددتهم بالكثير من المعلومات، ولم أكذب بشأن أي شيئ. كنت صريحا. لكنني في المقابل مُنعت من ممارسة اللعبة إلى الأبد. ألعب منذ 17 عاما، وفعلت ما فعلت تحت ضغط ظروف معينة. أنا لا أرى أي فائدة من التعاون، وفي الحقيقة ليست لدي أي أدلة أخرى ولا أي محادثات أخرى."
وفي يوليو 2018، مُنع كريم حسام من اللعب مدى الحياة، لكن الوثائق التي اطلعت عليها بي بي سي تشير إلى أنه استمر في إفساد اللعبة.
وفي أغسطس2018، تشير إحدى المحادثات إلى أنه اتصل بأحد اللاعبين وعرض عليه مبلغ 3500 دولار مقابل خسارة مجموعة مباريات بنتيجة محددة. وأشيع لاحقا أن نتيجة المباراة مرتبة مسبقا، فتراجع المقامر. واشتبه حسام في أن أحد الاعبين وشى بالأمر، وقال "نريد التعامل مع رجال، لا أطفال".
وحاولنا الاتصال بكريم حسام لسؤاله عن هذه المحادثات واتصاله بلاعبين آخرين، لكنه لم يرد على اتصالاتنا.
وتكشف الوثائق واحدة من أكبر عمليات الوساطة وبيع المباريات في رياضة التنس على الإطلاق، تورط فيها أكثر من عشرين لاعب في شمال أفريقيا. وألقت الشرطة الإسبانية القبض على 15 شخصا الشهر الماضي، في واحدة من عمليات بيع المباريات. ويقال أن 28 لاعبا إسبانيا متورطين في هذه القضية مع شبكة وساطة أرمينية.
وتشير إحدى الوثائق التي اطلعت عليها بي بي سي إلى أن كريم كان على اتصال بوسيط أرميني.
ولم تطل العقوبات أغلب اللاعبين المتورطين في عمليات الوساطة وبيع المباريات. حتى اللاعب الذي جند كريم حسام، والذي أراد المحققون أن يشهد ضده، ما زال يلعب بشكل احترافي.
وأُرسلت نُسخة من الوثائق التي اطلعت عليها بي بي سي إلى وحدة نزاهة التنس. لكن الشخص الذي سرب الوثائق يشكك في تلقي أي رد فعل منهم. ويقول: "وحدة نزاهة التنس جهة غير فاعلة لأن العملية بطيئة وغير منجزة. يتلقون الأدلة بفساد شخص ما، في حين تنتهي التحقيقات بعد عامين".
وتابع: "لم يخضع أي من المذكورة أسمائهم في الوثائق للتحقيق حتى الآن، ما يمكنهم من الاستمرار في ممارساتهم. أحد اللاعبين أخبرني أنه غالبا ما سيعاقب بالمنع مدى الحياة في وقت قريب، وأنه سيحقق أكبر استفادة ممكنة من البطولتين القادمتين. فلماذا نعطي هؤلاء اللاعبين هذه الفرصة؟".
لكن وحدة نزاهة اللعبة قالت إنه لا يمكنها التعليق على القضايا الحالية، وأضافت أن "سرية التحريات الجارية عامل أساسي بسبب طبيعة التهم، وصعوبة الوصول إلى دليل قوي في قضايا الفساد. لكن الإفصاح عن القضايا للعامة سينبه المتهمين ويسمح لهم بإخفاء الأدلة أو إفسادها."
وكانت هيئة مستقلة قد نظرت في نزاهة لعبة التنس عام 2018، بعد تحقيق نشرته بي بي سي حول الاشتباه في مقامرات غير قانونية. وذكر التقرير أن وحدة نزاهة اللعبة لديها الكثير من القضايا، وأن هناك "تسونامي" من الفساد في هذه الرياضة.
فيديو قد يعجبك: