طبيبة ومهندسة بمعاش 67 جنيها.. رحلة كفاح "الأم المثالية" عن محافظة الجيزة
كتب- محمد زكريا:
حين رن هاتف المنزل، لم تتخيل نادية محمد أن يكون الأمر كهذا، أخبرها موظف وزارة التضامن الاجتماعي بأنها اُختيرت، أما مثالية عن محافظة الجيزة، لم تتمالك صاحبة الـ63 عاما نفسها، فرت الدموع من عينيها، كأن العين انتظرت تلك اللحظة، وتلك الفرصة التي تُفرغ بها بعضا من تعبها، على مدار عقود، ذاقت فيها الأم قسوة القدر والعيش.
قبل 14 عاما، تُوفي زوج نادية، بعد صراع مع المرض دام 6 سنوات، كانت الطامة كبرى، لكن لم يكن أمام الأم إلا التماسك، طوعت راتبها من الشركة الحكومية للصرف على بنتيها، ووضعت تعليمهما على قمة أولويتها، ليكون لها ما أرادت.
لكن الأمور عادة لا تكون بسهولة الأمنيات، تعرضت الشركة الحكومية للخصخصة، في العام 1997، تقاعدت نادية إجباريا، حصلت على مكافأة صغيرة، ومعاش شهري قُدر بـ67 جنيها، كان هذا لا يكفي، لذا اضطرت الأم إلى التنقل بين الأعمال، فيما لم تتخل عن حلمها لأولادها.
لا تنسى نادية تلك الليلة، التي استقلت فيها القطار، وابنتيها في يديها في الطريق إلى الوادي الجديد، كانت هي المرة الأولى لها خارج القاهرة الكبرى، بعد أن اختار مكتب تنسيق الثانوية العامة، أن تلتحق ابنتها بكلية في محافظة الوادي الجديد، مما اضطرها إلى السفر الطويل، لإتمام التحويل إلى كلية موجودة في القاهرة، كان ليل القطار يومها بارد، في تلك الساعات أحست الأم المثالية بالخوف والوحدة.
في النهاية انتظمت البنت في دراسة الطب بالعاصمة، والأخرى انتظمت بكلية الهندسة، وبات لزاما على نادية توفير كل ما يحتاجاه من مصروفات، حتى إنها لم تبخل من أموالها القليلة، التي كانت تكفي بالكاد لسد حاجاتهم الأساسية، على حصص إضافية، تتكلف أموالا تفوق طاقتها، لكن تؤمن بأن الله هو المدبر لا العبد.
كفاح الأم، بدأ قبل رعاية الأبناء، حتى قبل الزواج، حيث ترعى أمها المريضة وأخيها المعاق بشلل الأطفال، حتى توفت الأم، فوجدت نادية في رعاية زوجها رسالة جديدة، شجعت الزوج على استكمال دراسته، ليحصل على الدراسات العليا في المحاسبة، ويترقى في وظيفته، لكن لم تنس طفلتيها، خاصة أن إحداهما مولودة بعيب خلقي، والثانية أُصيبت بالكبد الوبائي والمرض السحائي والتهاب بالمخ والجدري، مما أضعف بصرها، لذا كان عليها التركيز على رعايتهما.
لم تكن تعرف نادية بأمر مسابقة بين الأمهات، اشتركت لها ابنتها الصغرى، حيث أخبرتها بأنها جمعت الأوراق عنها، لتوجهها لإحدى الوظائف الجديدة، لكن ما أن علمت نادية بأمر تكريمها كأم مثالية، حتى قفز إلى ذهنها، أمنيتيها، الأولى أن تتوظف بنتيها، ليتوج كفاحها الطويل لأجلهما، والثانية أن تؤدي شعيرة الحج، لشكر الله على فضله الكبير.
فيديو قد يعجبك: