إعلان

مقتل سليماني.. لماذا غيرت أمريكا قواعد اللعبة مع طهران؟

02:42 م السبت 04 يناير 2020

قاسم سليماني

برلين (دويتشه فيله)

ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي تتعدى فيها واشنطن الخطوط الحمراء المرسومة منذ عقود مع طهران. تصعيد وصل إلى حد قتل الرجل الثاني في القوة العسكرية الإيرانية ما ينذر بتصعيد خطير. فلماذا أقدمت الولايات المتحدة على ذلك؟

عملية نوعية قد تقلب المنطقة رأساً على عقب تلك التي أعلنت عنها وزارة الدفاع الأمريكية - بتوجيه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – بتنفيذ ما اسمته "بالعمل الدفاعي الحاسم لحماية الأمريكيين في الخارج"، حيث اغتالت الجنرال الإيراني قاسم سليماني. وقتل قائد فيلق القدس مع أبومهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الشيعية العراقية القوية في الهجوم الذي وقع على سيارة كانت تقلهما في بغداد ليلة الجمعة .

لماذا تعدت أمريكا الخطوط الحمراء؟

منذ فترة طويلة استقر النزاع بين الولايات المتحدة وإيران على حدود معينة لم يتجاوزها الطرفان. لكن منذ وصول دونالد ترامب إلى السلطة تغيرت الكثير من الأمور حتى قرر الرئيس الأمريكي تجاوز الخطوط الحمر مصدراً أمراً بتصفية سليماني. فلم اتخذ هذا القرار؟

يرى محمد مهتدي، الباحث في معهد الدراسات الاستراتیجیة للشرق الأوسط بطهران، أن القرار "ترامبي" بامتياز بما يحيط به من رعونة وتسرع وعدم تقدير كاف للعواقب. ويعلل مهتدي القرار - خلال حواره مع DW عربية - بأن ترامب يستعد للانتخابات الرئاسية في الوقت الذي يواجه انتقادات شديدة وملاحقة برلمانية قد تفضي إلى عزله، "إضافة إلى النكسات المتتالية لإدارته في الملفات الخارجية سواء في موضوع الصين أو روسيا أو شبه جزيرة القرم وقضايا الشرق الأوسط، فربما كانت هذه العملية لجرف الرأي العام الأمريكي إلى مواضيع أخرى، ويبدو أن كل رئيس أمريكي يريد تجديد ولايته يقوم بشن حرب في مكان ما".

ويعتقد على محمد نجاح، الباحث والخبير العراقي في شؤون إيران وآسيا الوسطى، أن أحد الأمور التي أزعجت أمريكا تلك الانتصارات الكبيرة في ساحة إدلب ومقتل الكثير من قيادات التنظيمات الجهادية، ما يمهد باستعادة النظام السوري لها بمساعدة إيران لينتهي الموضوع السوري لصالحها وبذلك تتمكن إيران من تحقيق هدف كبير وهو أولاً إنهاء الموضوع السوري لصالحها وثانياً ربط العراق بسوريا وبالتالي مع لبنان وهي مسألة في غاية الخطورة بالنسبة لأمريكا وإسرائيل التي يقلقها بشدة التمدد الإيراني في المنطقة، بحسب ما قال لـ DW عربية.

أما معن الجبوري، المستشار السابق في وزارة الدفاع العراقية والخبير الاستراتيجي والعسكري، فيرى أن التصرف الأمريكي هو رد فعل نتيجة محاولة اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد وقبلها الهجوم على قاعدة "كي وان" في كركوك وقتل مدني أمريكي وإصابة خمسة آخرين، "وعلى هذا الأساس وجد ترامب نفسه في زاوية حرجة خصوصاُ وهو مقبل على انتخابات باعتبار أن الكبرياء الأمريكي قد جرح وأهين بشدة أمام العالم"، مضيفا خلال حواره مع DW عربية أنه بذلك لم يكن أمام ترامب إلا أن يقوم بعمل يعيد الكبرياء لأمريكا ويحفظ ماء وجهه ويحسن من موقفه خاصة بعد أزمته مع محاولات عزلته".

حدود الرد الإيراني

بعد العملية الأمريكية، صار لزاماً على إيران أن ترد الضربة، لاعتبارات مختلفة داخلياً وخارجياً. فما هي محددات الرد الإيراني وكيف يمكن أن يتم؟ من المهم في هذا السياق معرفة مدى أهمية الهدف الذي قد تستهدفه إيران وحجم الضحايا الأمريكيين، الذين قد يسقطون تبعاً لذلك؟ وهل هو بالقدر الذي قد تتسامح معه الولايات المتحدة أم أنها سترد بشراسة أكبر لتنفجر المنطقة بأكملها؟

محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني غرد قائلاً إن "عمل الإرهاب الدولي الذي قامت به الولايات المتحدة باستهداف واغتيال الجنرال سليماني - القوة الأكثر فعالية في محاربة داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) ، وجبهة النصرة، وتنظيم القاعدة وسواها - هو تصعيد خطير للغاية وطائش".

ويقول معن الجبوري، الخبير الاستراتيجي والعسكري العراقي، إن إيران تفهم حدود القوة الأمريكية تماما لكنها ستقوم ببعض الأعمال التي سترسل رسالة للداخل الإيراني المضطرب، "فهناك انتفاضات قمعت بالحديد والنار والجبهة الداخلية ليست مستقرة وعليه فإيران لابد أن تقدم على بعض الخطوات المحدودة لحفظ ماء وجهها على الأقل أمام شعبها، لكنها لا يمكن أن تجازف أبداً بمستقبل حكومة الملالي وبمكاسبها الكبرى، مثل تمددها في العديد من الدول العربية لتدخل حرباً ضد أمريكا".

لكن الجبوري يتوقع أن تركن إيران للتهدئة قائلاً: "اعتقد أن إيران ستركن إلى التهدئة لأنها لا تريد الدخول في عملية فعل ورد فعل والحقيقة أن إمكانيات أمريكا هي التي ستفرض الأمر الواقع في النهاية ما يعني أن أمريكا قد تسمح لإيران ببعض الرد الخجول من أجل أن تعطيها فرصه لتقول إنها ردت الضربة مثل ما حدث مع إسقاط إيران للطائرة الأمريكية المسيرة وضرب أرامكو وناقلات النفط في الخليج لتعطي فرصة لإيران لتقول لشعبها أنا قادرة وموجودة لكن أي تصرف كبير سيكون رد الفعل الأمريكي عليه قاسياً للغاية والدليل عملية اغتيال سليماني".

من جانبه، يرى اللواء طيار مأمون أبو نوار، الخبير العسكري الأردني، أن اغتيال سليماني ربما يسبب أزمة كبرى في المنطقة، بدأت بارتفاع سعر برميل النفط والذهب عالميا. وتوقع أبو نوار أن تكون خيارات الرد الإيراني بعضها في العراق أو عمليات خطف لشخصيات أمريكية في المنطقة وربما ضرب للمصالح الأمريكية؛ لكن السيناريو الأسوأ ربما يصل إلى إغلاق مضيق هرمز لفترة مؤقتة وعملية الانتقام الإيرانية ربما لا تكون عاجلة لكن الأكيد أنها ستكون موجعة تماماً للأمريكيين.

ويعتقد أبو نوار أنه من الممكن أن تستخدم إيران أذرعها في اليمن وسوريا ولبنان والعراق للرد بشكل غير مباشر على الهجمة الأمريكية، "فالنفوذ الإيراني ممتد إلى البحر المتوسط عبر سوريا ومضيق هرمز والخليج العربي/ الفارسي وباب المندب بالبحر الأحمر"، مضيفاً أن "هذا القوس الكبير يصل طوله إلى نحو 3000 ميل وتسيطر عليه إيران من خلال وكلائها، فعندما تقتل القائد المسئول عن هذا الخط الاستراتيجي فهي بالفعل ضربة قاصمة لإيران، لذلك فإيران مجبرة على الرد وسترد".

ويرى الدكتور سانام فاكيل، نائب رئيس وكبير الباحثين في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد شاثام هاوس في لندن، أنه سيكون من من شبه المستحيل على طهران ألا ترد على اغتيال سليماني لكن الفكرة هي في كيفية وتوقيت الرد، مضيفاً أن "الرد الإيراني قد يتمثل في التصعيد داخل العراق وهو الاحتمال الأقرب خاصة مع فراغ السلطة في البلاد"، وتابع بأن "الاحتمال الآخر هو رفع وتيرة تخصيب اليورانيوم، وفي الوقت نفسه، لا يمكننا أن نستبعد أن إيران لن تبدأ في مهاجمة السفن في الخليج العربي/ الفارسي بل وقد تهاجم بلداً من دول الخليج العربية بالصواريخ، على غرار الهجمات التي وقعت في 14 سبتمبر/ أيلول".

مخاوف حلفاء أمريكا في المنطقة

فور الإعلان عن اغتيال سليماني قطع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو زيارته لليونان وعاد إلى تل أبيب، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي حالة التأهب القصوى واجتمع وزير الدفاع نفتالي بينيت مع قادة الجيش والمخابرات "لتقييم الوضع". وتلقى أعضاء مجلس الوزراء الأمني المصغر في حكومة نتنياهو تعليمات بعدم التعليق على عمليات اغتيال مسؤولين كبار، وهو ما فسرته وسائل إعلام إسرائيلية بأنه يهدف لمنع أي رد انتقامي من حلفاء لإيران في المنطقة.

وفي الخليج، طالبت الإمارات على لسان أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية بعدم التصعيد بعد مقتل سليماني. وغرّد قرقاش في حسابه بتويتر قائلاً:

"في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة لا بد من تغليب الحكمة والاتزان وتغليب الحلول السياسية على المواجهة والتصعيد، القضايا التي تواجهها المنطقة معقدة ومتراكمة وتعاني من فقدان الثقة بين الأطراف، والتعامل العقلاني يتطلب مقاربة هادئة وخالية من الإنفعال."

أما الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله فيعتقد أن إيران ستبلع الضربة وأنه ليس من صالحها التصعيد أكثر مع ترامب:

"ايران واتباعها يهددون ويتوعدون ويتحدثون عن الانتقام لمقتل الارهابي قاسم سليماني لكن لا امريكا تريد الحرب مع ايران ولا ايران قادرة على خوض مواجهة عسكرية مع امريكا. ايران ستبلع الضربة وليس من صالحها التصعيد اكثر مع الرئيس ترامب."

ويقول اللواء طيار مأمون أبو نوار، الخبير العسكري الأردني، إن "إسرائيل في حالة رعب حقيقي لأن أي تصعيد كبير في المنطقة سيكون من آثاره ضرب إسرائيل وهو ربما يكون أمراً محتملاً، فحزب الله لديه آلاف الصواريخ الباليستية بخلاف القوة العسكرية الإيرانية الكبيرة"، مضيفاً أن حلفاء أمريكا في المنطقة فعلياً في حالة خوف "فبعيداً عن العراق الواقع بين ناري الأمريكيين والإيرانيين وحكومته الفاشلة فإن دول الخليج العربي تخشى للغاية من طبيعة الرد الإيراني والذي قد يطالها في وقت ما".

أما أوروبياً، فقد دعت ألمانيا إلى التهدئة. وقالت أولريكه ديمر، نائبة المتحدث باسم الحكومة الألمانية :" نتابع بقلق بالغ الأنشطة الإقليمية لإيران" وأضافت:" نحن نمر بنقطة تصعيد خطيرة والمهم الآن هو أن يسهم التعقل وضبط النفس في التهدئة ".

وقال أوميد نوريبور، متحدث الشؤون الخارجية بحزب الخضر بالبرلمان الألماني (بوندستاغ) في حوار مع DW إن وفاة قاسم سليماني هي "انزلاق سريع إلى تصعيد عسكري كبير وسيفهم الجانب الإيراني العملية الأمريكية على أنها إعلان حرب أمريكي".

وأضاف السياسي الألماني أن الجيش الإيراني وحلفاءه يتمركزون في أماكن كثيرة بالقرب من القوات الغربية "ما يجعلهم قادرون تماماً على إلحاق الأذى بهذه القوات وهذا بدوره سيصعد الوضع أكثر"، مشيراً إلى أن ما حدث سيضع مصداقية وفعالية أوروبا على المحك.

فيما حذر شارل ميشال، رئيس المجلس الأوروبي، من حدوث دوامة عنف بعد مقتل سليماني وقال: "يجب أن تتوقف دورة العنف والاستفزازات والضربات المضادة التي شهدناها في العراق على مدار الأسابيع الماضية". وأضاف السياسي البلجيكي: "يجب الحيلولة دون حدوث تصعيد جديد، مهما كان الثمن"، مشيرا إلى أن كثرة الأسلحة والميليشيات تعيق العودة إلى حياة طبيعية بالنسبة للمواطنين العراقيين.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان