إعلان

صراع على السلطة أم الاقتصاد.. ما سر الحرب في تيجراي الإثيوبية؟

02:01 م السبت 21 نوفمبر 2020

كتبت- رنا أسامة:

يتواصل الصراع العسكري منذ أسبوعين في منطقة تيجراي بين القوات الإقليمية والجيش الفيدرالي الإثيوبي، فيما يخشى بعض المحللين من احتدامه أكثر على نحو يُمزّق البلاد، مُخلفًا تداعيات اقتصادية وسياسية كبيرة على جميع دول القرن الأفريقي.

غير أن الأسباب الأساسية للصراع يُساء فهمها. وفق تحليل لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، يُعزي مراقبون ومحللون هذا الصراع بشكل مباشر إلى الخلاف بين زعماء تيجراي والحكومة الفيدرالية - التي يقودها رئيس الوزراء الحائز على جائزة نوبل للسلام آبي أحمد- حول دستورية قرار البرلمان الإثيوبي بإرجاء الانتخابات الوطنية والإقليمية بسبب كوفيد 19. وقد تحدّى زعماء المنطقة الإقليميون هذا القرار بإجراء انتخابات فازت فيها جبهة تحرير شعب تيجراي (TPLF) الحاكمة بجميع المقاعد. وأعلن برلمان إثيوبيا لاحقًا أن النتيجة لاغية وباطلة.

ويرى آخرون أن الاختلافات الأيديولوجية بين آبي و"جبهة تحرير تيجراي" المصدر الرئيسي للصراع. ومع ذلك، فإن هذه الحُجج لا تُفسر السبب الحقيقي وراء المواجهة العسكرية المُحتملة جراء هذه الاختلافات.

استبعدت "فورين بوليسي" هذه الرؤى، ووصفت الحرب الدائرة بين أديس أبابا وتيجراي بأنها "معركة للسيطرة على اقتصاد إثيوبيا ومواردها الطبيعية ومليارات الدولارات التي تتلقاها البلاد سنويًا من المانحين والمقرضين الدوليين".

وأوضحت أن الوصول إلى تلك الثروات هو وظيفة من يرأس الحكومة الفيدرالية، التي سيطرت عليها جبهة تحرير تيجراي لما يقرب من ثلاثة عقود قبل أن يتولى آبي السلطة في أبريل 2018، بعد احتجاجات واسعة النطاق ضد حكومة تيجراي.

30 عامًا من الهيمنة

ظلّت جبهة تحرير تيجراي القوة المهيمنة في السياسة الإثيوبية لما يقرب من 30 عامًا، بعد أن أطاحت بالحكومة العسكرية لمنغستو هايلي ماريام في عام 1991 في كفاح مسلح طويل الأمد إلى جانب جبهة التحرير الشعبية الإريترية، التي كان يقودها الرئيس الحالي لإريتريا، أسياس أفورقي. وبعد سقوط الحكومة العسكرية، انفصلت إريتريا عن إثيوبيا عام 1993، وحكم الزعيم السابق لجبهة تحرير تيجراي، ورئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي، البلاد بقبضة من حديد حتى وفاته عام 2012.

كان المدير العام الحالي لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم جيبريسوس، أيضًا عضوًا في قيادة جبهة تحرير تيجراي وشغل منصب وزير الصحة الإثيوبي لسنوات عديدة تحت حكم ميليس. قبل صعود آبي إلى السلطة، كان جميع رؤساء المخابرات والقادة العسكريين في البلاد من صفوف جبهة تحرير تيجراي أو أعضاءً في الجناح العسكري للحزب أثناء الكفاح المسلح ضد مينجيتسو.

وبعد وصول الجبهة إلى السلطة، حوّلت الحكومة التي تقودها جبهة تيجراي قواتها إلى جيش إثيوبيا ظاهريًا، بعد حل الجيش الإثيوبي القديم تمامًا. الأمر الذي ضمن أن يأتي معظم كبار الجنرالات وغيرهم من القادة العسكريين في الجيش الجديد من صفوف تيجراي أيضًا.

أدت القوة السياسية والعسكرية لجبهة تحرير تيجراي في النهاية إلى هيمنتها اقتصاديًا؛ حيث مكنت قادتها من ممارسة السيطرة الكاملة على اقتصاد البلاد ومواردها الطبيعية - وأراضيها بشكل أساسي- فضلًا عن تدفقات المساعدات والقروض.

في السنوات الأخيرة، تلقت إثيوبيا، في المتوسط، حوالي 3.5 مليار دولار سنويًا من المساعدات الخارجية وحدها، والتي كانت تمثل حوالي نصف الميزانية الوطنية للبلاد خلال سنوات ميليس الأخيرة. كما حصلت الحكومة التي تقودها جبهة تحرير تيجراي على مبالغ كبيرة من القروض من الدائنين من القطاع الخاص والحكومات، ولا سيّما من الصين، والتي وصلت إلى 60 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عندما تولى آبي السلطة.

في الواقع ، كانت إدارة آبي الجديدة، التي ورثت احتياطيات ضئيلة من العملات الأجنبية، تكافح لخدمة هذا الدين واضطرت إلى طلب تأجيل وإعادة التفاوض بشأن شروط هذه القروض من الدائنين، بحسب "فورين بوليسي".

علاوة على ذلك، فإن الدستور الذي قدمته الحكومة بقيادة جبهة تحرير تيجراي في عام 1994، والذي سمح فقط بالملكية العامة للأرض، منح المسؤولين الحكوميين حق الوصول غير المُقيّد إلى موارد الأراضي الوفيرة في الأجزاء الجنوبية من البلاد، لا سيّما في منطقتي بني شنقول-جوموز وجامبيلا، مؤجرة للمستثمرين الأجانب والمحليين في عقد إيجار طويل الأجل، مما أدى إلى تكديس مليارات الدولارات في هذه العملية.

وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، أجّرت الحكومة الإثيوبية 3.6 مليون هكتار من الأراضي، وهي مساحة تعادل مساحة هولندا، لمستثمرين أجانب بحلول يناير 2011.

تحكم في مفاصل إثيوبيا

لم يتوقف الأمر على ذلك، فقد سيطرت الجبهة على قطاعات الاقتصاد الإثيوبي من خلال الشركات التابعة لتكتلها الضخم، صندوق الهبات لإعادة تأهيل تيغراي، وكانت إدارة الشركات الكبرى التابعة لهذا التكتل تحت سيطرة الجبهة.

علاوة على ذلك، تمكنت جبهة تحرير تيجراي أيضًا من السيطرة فعليًا على جميع قطاعات الاقتصاد الإثيوبي من خلال الشركات التابعة لتكتلها الضخم، صندوق الهبات لإعادة تأهيل تيجراي، وكانت إدارة الشركات الكبرى التابعة لهذا التكتل تحت سيطرة الجبهة.

وحتى وقت قريب، كان هذا الصندوق مُدارًا من قِبل أرملة ميليس. ولا يزال مسؤولو جبهة تحرير تيجراي أعضاءًا في مجلس إدارة الشركات الكبرى التابعة لهذا التكتل، مُتمتعين بالوصول إلى قروض من قطاع مالي يسيطر عليه البنك التجاري الإثيوبي المملوك للدولة وبنك التنمية الإثيوبي.

بيد أن هيمنة تيجراي لم تقتصر حدّ السياسة والاقتصاد وشملت مفاصل إثيوبيا؛ إذ تدخلت بشكل مباشر في اختيار زعماء الأديان الرئيسية، التي عدّتها أدوات للرقابة الاجتماعية. أثناء حكم الجبهة، جاء بطاركة الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، مع أكثر من 40 مليون من أتباع البلاد، من تيجراي.

كما تدخّل قادتها في اختيار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا، والذي قوبل في النهاية بمقاومة من بعض النشطاء والقادة المسلمين، الذين سجنتهم الحكومة ، مما أدى إلى احتجاجات واسعة من قِبل المسلمين في جميع أنحاء إثيوبيا في عام 2012.

انتهاكات بشرية خطيرة

وبفضل الاستثمار الهائل في البنية التحتية وقطاعي التعليم والصحة، المُموّل بشكل أساسي من المساعدات والقروض الأجنبية، أشرفت حكومة تيجراي، بقيادة ميليس، على التقدم الاقتصادي الكبير في البلاد على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود كانت في السلطة. كان النظام استبداديًا أيضًا، حيث سجن في كثير من الأحيان السياسيين والصحفيين المعارضين واستخدم قوات الدفاع والأمن بحرية لقمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

وكثيرًا ما اتهمت مجموعات حقوق الإنسان، بما في ذلك مثل منظمة العفو الدولية ووزارة الخارجية الأمريكية، قوات الأمن الحكومية بارتكاب انتهاكات بشرية خطيرة، بما في ذلك التعذيب ضد أعضاء أحزاب المعارضة والأفراد المشتبه في عملهم مع الجماعات التي كانت تخوض كفاحًا مسلحًا ضد الحكومة، مثل مثل جبهة تحرير أورومو، وجبهة تحرير أوجادين الوطنية، وجينبوت 7 - أحد الأحزاب الرئيسية متعددة الأعراق في البلاد التي تعارض نظام الفيدرالية العِرقية.

ورُغم أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على عِلم بسجل الحكومة الإثيوبية السيئ في مجال حقوق الإنسان، فإن التقدم الاقتصادي الذي رأوه والدور الرئيسي لإثيوبيا في محاربة مقاتلي حركة الشباب في الصومال المجاورة يعني أنهم كانوا مترددين في ممارسة ضغوط كافية على الحكومة التي تقودها جبهة تيجراي، لإجراء إصلاحات ديمقراطية، بحسب "فورين بوليسي".

آبي يسحب البساط من تيجراي

ومع ذلك، بدا جليًا منذ أمد بعيد أن الهيمنة السياسية لجبهة تحرير تيجراي لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، وهذا ما حدث في احتجاجات 2018، التي أوصلت أحمد إلى سُدة الحكم، ليسحب على إثرها البسُاط من الجبهة تدريجيًا.

فمنذ وصوله إلى السلطة في 2018، هددت حكومته الهيمنة الاقتصادية الطويلة للجبهة الشعبية في إثيوبيا، فعمل على خصخصة الشركات التي تسيطر عليها، بما في ذلك "إثيو تيليكوم" المملكوكة للدولة، ومؤسسة السكر الإثيوبية، وشركات في قطاع الطاقة بأصول تزيد عن 7 مليارات دولار.

تعديلات حكومية هدفت إلى السيطرة على الأموال الموجودة خارج النظام المالي التي يحتفظ بها المسؤولون الحكوميون.

وفي الآونة الأخيرة، أدخلت حكومة أديس أبابا أوراق عملات جديدة مُصممة، وفقًا لرئيس الوزراء الإثيوبي، بهدف مكافحة الفساد والتهريب. واعتبر بعض المراقبين أن هذا الأمر يهدف بشكل أساسي إلى السيطرة على الأموال التي يحتفظ بها مسؤولون حكوميون سابقون خارج النظام المالي، وكياناتهم الاقتصادية التي تشتبه السلطات في تورطها في تجارة وأنشطة غير مشروعة.

وفي 17 نوفمبر، أعلن المدعي العام الفيدرالي تجميد الحسابات المصرفية لـ 34 من هذه الشركات لتمويل "هجمات على أساس عرقي وأنشطة إرهابية، لها صلات جبهة تيجراي وتدعمها ماليًا، ومتورطة في تهرب ضريبي وفساد".

كما أدت إصلاحات آبي إلى تقليص نفوذ جبهة تيجراي في القطاع الأمني. فور توليه السلطة، أفرج عن آلاف السجناء السياسيين والصحفيين الذين سجنتهم الحكومة، وألغى حظر الجماعات التي كانت تشن صراعات مسلحة ضد الحكومة الإثيوبية، ووقع معاهدة سلام مع إريتريا، والتي خاضت معها الحكومة بقيادة جبهة تحرير تيجراي حربًا حدودية أودت بحياة عشرات الآلاف من الجنود من الجانبين.

وأقال رئيس جهاز الأمن جيتاشيو أسيفا، الذي يوصف بـ"الرجل المخيف". وسرعان ما بدأ في إجراء إصلاحات في القطاعين العسكري والأمني ​​بهدف تحقيق تمثيل أكثر توازنًا للجماعات العرقية، وفق فورين بوليسي.

وفي 23 يونيو 2018، أي بعد ما يقرب من 3 أشهر من تولي آبي السلطة، تعرض لمحاولة اغتيال، وخلصت السلطات حينها إلى تورط الجبهة الشعبية بها، بما يظهر شدة الصراع بين الطرفين.

ومنذ أن فقدت جبهة تيجراي سيطرتها على الحكومة الفيدرالية، ارتفعت وتيرة النزاعات العرقية في جميع الولايات الإقليمية، باستثناء تيجراي، بشكل كبير.

جوهر الصراع

وبحسب "فورين بوليسي"، فإن العديد من الهجمات العرقية تم تنظيمها وتمويلها على ما يبدو من قبل أولئك الخاسرين بعد صعود آبي إلى السلطة. قالت المجلة إنهم مصممون على جعل البلاد غير قابلة للحكم على الإطلاق طالما أنهم لا يقبضون سيطرتهم عليها.

وأشارت إلى أن هناك إجماع ساحق على أن قادة جبهة تيجراي كانوا الخاسرين الرئيسيين من إصلاحات آبي، كما أنهم يمتلكون أيضًا القدرة على التخطيط وتنفيذ مثل هذه الهجمات- من خلال توظيف القوة المالية والشبكة الأمنية التي بنوها على مدى ثلاثة عقود من الهيمنة السياسية.

وخلصت إلى أن الصراع الحالي في إثيوبيا لا يدور حول من سيحكم الإقليم الشمالي، وإنما جوهره الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي يُجريها آبي بلا هوادة، وهي خطوات يرى قادة جبهة تيجراي أنها تهدد بشكل غير مقبول الهيمنة التي تمتعوا بها منذ فترة طويلة.

وحذّرت من أن الخطر الآن يكمن في الإجراءات المستمرة والجريئة التي تتخذها على نحو متزايد جبهة تحرير تيجراي، بما يجعل إصلاحات آبي السِلمية مستحيلة، ومن ثمّ يصبح "الانتقال العنيف" أمرًا لا مفرّ منه. ​

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان