"أخلاقه لم تتغير".. صحيفة أمريكية: لماذا تحرك آبي أحمد للحرب بعد نوبل للسلام؟
كتبت- رنا أسامة:
انتقدت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية نهج رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، مُتهكّمة على شنّه حرب في تيجراي المعارضة، بعد عام على نيله جائزة نوبل للسلام تقديرًا لجهوده في "وضع نهاية لحرب دامت على مدار عقدين مع إريتريا".
لكن بالنسبة لأولئك المُطلعين على حياته الشخصية ومسيرته السياسية، فإن نهج آبي لم يتغيّر. فقد أشعل رئيس الوزراء الإثيوبي ذو الخلفية العسكرية أزمة لاجئين قد تُزيد من زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي الهشّة.
وقالت الصحيفة في تقرير مُفصّل على موقعها الإلكتروني إن "أصغر زعيم في القارة، بعُمر 44 عامًا، وهو مسيحي ينتمي إلى الطائفة الخمسينية البروتيستانية، أظهر تصميمه على زعزعة الأمر الواقع".
وأشارت إلى أن آبي الذي تشكّلت شخصيته من الصراع في الخارج والانقسامات العِرقية في الداخل، والذي قال في خطاب فوزه بنوبل للسلام إن "الحرب تخلق رجالًا وحشيين"، ردّ على الهجوم الذي شنته الشهر الماضي حركة انفصالية مُسلحة في تيجراي (جبهة تحرير شعب تيجراي)، شمالي البلاد، بحملة عسكرية من جانبه.
ويقول خبراء إن الحرب الأهلية الناجمة عن ذلك النزاع "نتيجة حتمية" لمحاولته توحيد الجماعات العِرقية العديدة في ثاني أكبر دولة اكتظاظًا بالسكان في أفريقيا في ظل حكومة مركزية، بحسب الصحيفة.
"الفيدرالية في إثيوبيا فريدة من نوعها"، هكذا قال قال كين أوبالو، الأستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون، مُضيفًا: "لا يوجد في أي مكان آخر بأفريقيا وحدات دون وطنية يُسمح لها بإدارة ميليشياتها وقوات الشرطة الخاصة بها. فيما يُسمح للحكومات الإقليمية بتسليح نفسها – وهذا جزء من التحدي الذي يواجهه آبي".
أشارت الصحيفة في تقريرها إلى أنرد آبي بحملة جوية وبرية بهدف الإطاحة بجبهة تحرير تيجراي جاء بعد هجوم الجبهة لقواعد عسكرية فيدرالية في أوائل نوفمبر. وأسفر الصراع عن مقتل مئات الجنود من الجانبين فضلا عن آلاف المدنيين.
وبحسب الأمم المتحدة، هناك ما يقرب من مليوني شخص بحاجة إلى مساعدات غذائية في تيجراي وما حولها، فيما نزح ما يُقدّر بمليون شخص. وفرّ ما لا يقل عن 45 ألف إثيوبي - معظمهم من تيجراي – كلاجئين إلى السودان المجاور.
وفي 28 نوفمبر، أعلن آبي النصر بعد استيلاء قوات الدفاع الوطني الإثيوبية على ميكيلي، عاصمة تيجراي. لكن أشارت تقارير إلى أن القتال لم ينته بعد، حيث تستعد الجبهة الشعبية لتمرد طويل الأمد قد يستمر لأشهر أو حتى سنوات إذا لم ينجح جيش آبي في اعتقال قادتها بسرعة.
مفارقات سابقة
وفي خِضم ذلك، لم يُفوّت المراقبون مُفارقة توجه رئيس الوزراء الحائز على نوبل للسلام إلى الحرب. ويعتقد البعض أن الهدف من الجائزة هو دفع القادة في الاتجاه الصحيح.
وذكّرت الصحيفة بمفارقات سابقة لزعماء آخرين. فعلى سبيل المثال، بعد أن استلم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الجائزة نفسها بعد عام على توليه منصبه، ورغم دعواته لتعزيز التعاون بين الغرب والعالم الإسلامي، شن 542 غارة بطائرات بدون طيار في أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا أسفرت عن مقتل 324 مدنيًا على الأقل في البلدان الإسلامية.
فيما أفضت الإطاحة بالديكتاتور الليبي معمر القذافي إلى انهيار كامل للبلد الذي بات مرتعًا لأزمة لاجئين مستمرة حتى يومنا هذا.
وفي ميانمار، قضت الناشطة أونغ سان سو كي 15 عامًا في السجن لمحاولتها إضفاء الطابع الديمقراطي على الأمة. وحازت على الجائزة في عام 1991، لكن منذ أن ترأست الحكومة عام 2016، أقامت علاقات وثيقة مع جيش ميانمار ولم تفعل شيئًا يُذكر لوقف الإبادة الجماعية والتهجير الجماعي لأقلية الروهينجا المسلمة في الدولة ذات الأغلبية البوذية في 2016-2017.
عسكري لا صانع سلام
واعتبرت الصحيفة أن الحرب في إثيوبيا الحائزة على نوبل للسلام ليست غريبة. فقد جاء آبي لصنع السلام من الألف للياء، بحسب قولها.
وسردت مراحل من حياة آبي الذي عمل خلال مرحلة المراهقة في خدمة إشارات اللاسلكي أثناء القتال في المعركة لإنهاء ديكتاتورية منجيستو هايلي مريام التي دامت 13 عامًا. وبعد الإطاحة بمنجيستو في عام 1991 ، حكم التيجراني ميليس زيناوي إثيوبيا حتى وافته المنيّة عام 2012.
وصار آبي جنديًا خلال أعوام حكم ميليس. وكان أحد جنود حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في رواندا بعد الإبادة الجماعية عام 1994، حيث ذبح الهوتو ما بين 600 إلى 800 ألف من التوتسي. وشهد آبي المذبحة التي يمكن أن تنجم عندما تتصاعد النعرة القبلية العرقية وتتحول إلى أعمال عنف.
في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الـ25 للإبادة الجماعية، في أبريل 2019، قال آبي: "سمحت لي مشاركتي القصيرة في المهمة بأن أشهد على الدمار الناجم عن التعصب". ودعا الحاضرين إلى "تعزيز التزامنا بعدم السماح بمثل هذه المآسي في أي ركن من أركان العالم".
لكن آبي لم يعرف السلام لفترة طويلة. فما لبث أن عاد إلى إثيوبيا في عام 1998، حتى أُرسِل إلى الحدود الإريترية للإشراف على الاتصالات والاستخبارات خلال حرب أزهقت أرواح عشرات الآلاف وأدت في النهاية إلى استقلال إريتريا.
قال أوبالو: كان آبي "رجلًا عسكريًا، لذا فهو ليس صانع سلام". وتابع: في صعوده إلى السلطة، "كان سياسيًا يفعل ما يفعله السياسيون".
الإبحار على أسس عرقية
ولفتت إلى أن آبي نفسه يشكل مزيجًا من الديانات والعرقيات الأكثر بروزا في إثيوبيا؛ فأمه مسيحية أرثوذوكسية وأبوه مسلم ينتمي إلى قومية الأورومو. وبالإضافة إلى لغة الأورمو، يتحدث الأمهرية والإنجليزية، كما درس التيجرانية وصنع لنفسه اسما بين قيادات الجيش التيجراني.
في عام 2010، عاد آبي إلى مسقط رأسه للتوسط بين المسلمين والمسيحيين بعد قتل المسيحيين هناك. في وقت لاحق من العام نفسه، انتُخِب لعضوية البرلمان الإثيوبي وسرعان ما بدأ في التوسط من أجل السلام بين موطنه الأصلي أورومو والأمهرة المجاورة.
ومع أن الأورومو أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا ، لكنها ظلت بعيدة عن السياسة الوطنية. عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية في جميع أنحاء إثيوبيا في عامي 2015 و 2016 من قِبل الأورومو للمطالبة بإصلاحات، كان "آبي الشخص المناسب في المكان المناسب"، على حدّ تعبير أوبالو.
وأشار إلى أنه "كان هناك ضغط متزايد لتغيير القيادة والحصول على رئيس وزراء من الأورومو" ، وبرز آبي في غضون ذلك "كأبرز سياسي من الأورومو بسبب خلفيته العسكرية والاستخباراتية"، بحسب قوله.
في عام 2018، عُيّن رئيسًا لوزراء إثيوبيا من قبل البرلمان وعمره 41 عامًا، مما جعله ليس فقط أصغر زعيم في جميع أنحاء أفريقيا، ولكن أيضًا أول أورومو يقود البلاد.
حرب ما بعد السلام
وصف يوهانس جيدامو، المحاضر الإثيوبي للعلوم السياسية في كلية جورجيا جوينيت، صعود آبي بأنه "كان دراماتيكيًا"، كما كانت خطواته الأولى بعد تولّيه الحكم. وتابع: "لقد وسع من مساحة الإعلام، والفضاء السياسي. ودعا الأحزاب التي كانت مهمشة في السابق – جامبيلا والصوماليين– ووحّدهم معًا".
واعتبر أوبالو أن "تحرير المُعتقلين السياسيين، وتحرير الصحافة، وخطط خصخصة البنوك، والاتصالات السلكية واللاسلكية وأجزاء أخرى من الاقتصاد- تُعد خطوات كبيرة بالنظر إلى ما كانت عليه إثيوبيا تاريخيًا".
في عام 2018، التقى آبي بالرئيس إسياس أفورقي من إريتريا المجاورة. واتفق الزعيمان على تطبيع العلاقات والتجارة بعد حرب استمرت قرابة عقدين، ما جعله يفوز بنوبل للسلام العام الماضي.
لكن اتفاق السلام هذا قد يكون مهد الطريق -عن غير قصد- لحرب اليوم في تيجراي، بحسب الصحيفة.
وأوضح أوبالو: "عندما صنعت الدولة الإثيوبية السلام مع الدولة الإريترية، كان آبي يقوّض بذلك المتشددين داخل جبهة تحرير شعب تيجراي، التي تحمل جنودها وطأة حرب إثيوبيا ضد إريتريا. وفجأة، شعر العديد من قادة الجبهة الشعبية بالخيانة من قبل آبي. واستمر هذا الاستياء حتى الشهر الماضي، حيث تصاعد إلى حرب شاملة".
انتهاكات لحقوق الانسان
وفي الوقت نفسه، واجه آبي اختبارًا كبيرًا لقيادته عندما قُتل المطرب الشعبي هاشالو هونديسا بالرصاص في العاصمة أديس أبابا في يونيو الفائت. وكما آبي، كان هاشالو البالغ من العمر 34 عامًا، من أورومو، وكانت موسيقاه بمثابة موسيقى تصويرية لاحتجاجات 2015-2016 التي مهّدت الطريق لصعود رئيس الوزراء الإثيوبي الحائز على نوبل للسلام.
بعد وفاة هونديسا خرجت احتجاجات شعبية تندد بقتله، وسُرعان ما تحوّلت لأعمال عنف، اعتقلت خلالها قوات الأمن آلاف الأشخاص وقتلت المئات على مدار عدة أيام. ولقمع الاحتجاجات، قطعت حكومة آبي الإنترنت – وهو تكتيك أدانته الأمم المتحدة.
قالت الصحيفة إن آبي يُدرك قوة المعلومات جيدًا. كان يدير ذات مرة وكالة أمن شبكة المعلومات الإثيوبية، التي تشرف على الأمن السيبراني. عند توليه السلطة، ألغى حظر المواقع والقنوات التلفزيونية، فقط ليبدأ في فرض تعتيم جديد على الإنترنت بعد أشهر.
كما أنه نادرًا ما يتحدث مع الصحفيين. ورفضت سفارة إثيوبيا في نيروبي منح تأشيرات للصحفيين الراغبين في تغطية الصراع في تيجراي. ورفض المكتب الصحفي لآبي الرد على التناقضات بين مزاعمه الأخيرة بعدم إصابة أي شخص جراء الهجوم العسكري الفيدرالي في تيجراي، وتقارير الصليب الأحمر من المستشفيات عن إصابة المئات.
وتحت مِظلة آبي، اعتُقِل واحتُجِز صحفيون أفارقة. ففي وقت سابق من هذا العام، ألقت الشرطة القبض على جوهر محمد، السياسي القومي الأورومو وأحد أبرز مُعارضي أبي.
غير أن انتهاكات آبي لم تتوقف عند هذا الحد، وفق الصحيفة. فمنذ توليه منصبه، ارتكبت قوات الأمن التابعة له عمليات اغتصاب وقتل خارج نطاق القضاء، وأحرقت منازل ونفذت اعتقالات جماعية بشكل تعسّفي وفقًا لمنظمة العفو الدولية. وفي عام 2019، ضربت الشرطة الإثيوبية المعتقلين الذين اعتقلتهم تعسفيا، وأطلقت النار وقتلت مدنيين كانوا يمشون على دراجات نارية.
وفي سبتمبر، أقرّ آبي بتلك الانتهاكات بشكل غير مباشر، في مقال رأي بمجلة الإيكونوميست البريطانية: "بالنظر إلى المؤسسات التي ورثناها، ندرك أن أنشطة إنفاذ القانون تنطوي على خطر انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكاتها. عقلية وتكتيكات الماضي لا يسهل الاستغناء عنها. الإصلاحات الأمنية والقضائية تستغرق وقتًا".
يقول بعض المحللين إن إخفاق آبي في إصلاح قواته الأمنية يقوض شرعيته ويلطخ اسمه كوسيط للسلام. لكن المدافعين عنه يؤكدون أن "بطشه" جزء ضروري في محاولته لتوحيد أمة تضم 110 ملايين شخص عرّفوا أنفسهم لعقود على أسس عرقية.
فيديو قد يعجبك: