إيران: لماذا يحمل "الكولباران" ما تعجز عنه الخيول والبغال؟
طهران - (بي بي سي):
في منتصف شهر فبراير الحالي، نشرت وسائل الإعلام الكردية والفارسية خبر مقتل واحد وإصابة العشرات من "الكولباران" بعدما أطلق حرس الحدود الإيراني النار عليهم في مدينة نوسود بمحافظة كرمنشاة ذات الغالبية الكردية في إيران.
وتعني كلمة "كولباران" باللغتين الكردية والفارسية، "حمّالي الأوزان الثقيلة"، ومعظمهم من الأكراد الذين يقطنون البلدات والقرى الحدودية مع إقليم كردستان العراق.
ويقوم هؤلاء بهذا العمل منذ عشرات السنين رغم أنه محفوف بالمخاطر، لكسب قوتهم في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران.
"تجمد حتى الموت"
ذهبت كاميرا بي بي سي إلى تلك الجبال الوعرة وتحدثت إلى هؤلاء الحمالين عن سبب قيامهم بهذا العمل الخطر الذي قد يدفعون حياتهم ثمناً له؛ إذ لا يكاد العائد المالي يكفي لسد بعض الحاجات الأساسية للشخص.
ويواجه هؤلاء الحمالون خطر الموت من جهتين، فإذا لم يُقتل أحدهم برصاص حرس الحدود الإيراني، فقد يتجمد حتى الموت أو يسقط من قمة الجبل أو تحدث انهيارات ثلجية أوغيرها من المخاطر، بسبب وعورة المنطقة.
وفي العام الماضي وحده، قُتل ما لا يقل عن 74 حمّالاً على الحدود، وأصيب 174 بجروح، بينهم 50 شخصاً قتل على يد حرس الحدود الإيراني؛ وفقد 23 شخصاً حياته نتيجة السقوط من المنحدرات والانهيارات الثلجية كحالة فرهاد خسروي وشقيقه آزاد خسروي اللذين عثرا على جثتيهما تحت الثلوج. (حصل موقع "إيران واير" المعارض ومقره لندن، على هذه الأرقام من منظمة حقوق الإنسان في كردستان العراق).
وخرجت إثر موت الشقيقين المراهقين، المظاهرات في عدة مدن بإيران مطالبة الحكومة بالاهتمام بوضعهم وتحسين الظروف المعيشية.
مهمة "تكاد تصعب على البغال والخيول"
ويحمل هؤلاء الرجال مختلف البضائع المهربة لمسافات تتراوح بين 10 - 15 كيلو متراً، وتتراوح حمولة كل شخص ما بين 50 - 120 كيلو غراماً ، عبر مسالك وطرق بالغة الوعورة والصعوبة.
وانضم مؤخراً إلى هذه المهنة أطفال دون سن الـ 18 إلى جانب العديد من النساء.
وتتراوح أعمار الكولباران بين 15 و70 عاماً أو أكثر.
عقوبات
تتركز مهمة الكولباران على حمل هذه البضائع على ظهورهم ونقلها من كردستان العراق إلى التجار في إيران، مقابل أجر زهيد بالكاد يغطي حاجاتهم الضرورية.
وقد يبلغ وزن البضائع التي يحملها أحدهم أكثر من 100 كيلو غراماً، لأن الأجور التي يتقاضونها تعتمد على الكمية التي يستطيعون نقلها في الرحلة الواحدة.
وتشمل البضائع، الأطعمة المعلبة والأجهزة الكهربائية كالبرادات ووحدات تكييف الهواء والتلفزيونات أو المنسوجات والأحذية والملابس وأدوات المطبخ، وإطارات السيارات والهواتف المحمولة، وفي بعض الأحيان السجائر.
ويتجنب معظم الكولباران نقل المشروبات الكحولية على الرغم من أن أجور نقلها أضعاف أجور نقل المواد الاستهلاكية الأخرى، لأن عقوبة ضبطها تكون ضعف عقوبة ضبط المواد الأخرى، إلا أن البعض يخاطر بذلك ويقوم بنقلها.
وحسب القانون الإيراني يصنف عمل هؤلاء في خانة عمليات التهريب وتتراوح عقوبة الشخص بين السجن لعدة أشهر أو دفع غرامة مالية تساوي قيمة البضائع المضبوطة.
قمم الصقور
وقال هؤلاء الكولباران لبي بي سي، الخدمة الفارسية، إن حرس الحدود الإيراني يطلق النار بشكل عشوائي عليهم غير آبه بحياتهم، حيث يلقى العشرات حتفهم سنوياً أو يصابون بجروح.
ويسلك هؤلاء طرقاً جبلية وعرة تزيد ارتفاعها أحياناً عن 4000 متر، تصعب على الخيول والبغال سلوكها.
وقال أحد الحمالين لبي بي سي إن سعر حمل كيلو غرام واحد من البضائع يتراوح بين 40 و80 سنتاً أمريكياً، أي أي أقل من دولار واحد.
ومتوسط ما قد يجنيه الشخص في يوم عمل واحد هو 25 دولاراً قبل اقتطاع تكاليف وأجور النقل. ولا يتبقى له سوى 12 إلى 15 دولارا بعد دفع المصاريف.
ولا يستطيع الشخص الواحد القيام بأكثر من رحلتين أسبوعياً، لأن المنافسة شديدة، في ظل ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل.
تحدي الطبيعة والقانون
رغم خطر الموت الذي يواجهونه في كل لحظة، إلا أنه ليس هناك خيار آخر لكسب قوتهم في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة في إيران عامة والمناطق الكردية خاصة.
وقتل بين عامي 2015 و2019، ما مجموعه 368 وأصيب 595 بحسب منظمة "هينغاو" لحقوق الإنسان وشبكة حقوق الإنسان في إيران وكردستان العراق.
وفي 16 يناير الماضي، ذكرت وكالة أنباء إيران الرسمية (IRIB) يوجد ما يقرب من 20 ألف من العاملين في هذا المجال في إيران حسب إحصاءات غير رسمية.
في حين قدرت وكالة الأنباء "ILNA" التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في إيران عددهم بـ 80 ألف والعدد في تصاعد رغم المخاطر.
ويقول "الكولباران": "نحن لا نسلك عادة الطرق التي تستخدمها المعارضة الكردية المسلحة في إيران، لئلا يتم الخلط بيننا؛ ومع ذلك، يطلق حرس الحدود النار مباشرة علينا مصوبين أسلحتهم نحو الرأس والصدر لقتلنا، ولا نعلم لماذا لا يطلقون النار لتحذيرنا أولاً بدلاً من قتلنا".
قتل الحيوانات
ويقول الحمالون إن عناصر الأمن وحرس الحدود لا يظهرون أي رحمة تجاه الحيوانات التي لا ذنب لها سوى أن أصحابها يستخدمونها في عمليات التهريب. ففي مايو 2018، وقعت مذبحة في مقاطعة غربي آذربيجان على يد قوات الأمن، إذ قتل فيها ما يقرب من 90 خيلاً لم تكن تحمل أي بضائع.
ويقول أحد الكولبار عن حرس الحدود وقوات الأمن: "إنهم يسلبوننا مصدر رزقنا الوحيد دون رأفة بحالنا".
ماذا تقول السلطات الإيرانية؟
تنقسم آراء المسؤولين الإيرانيين حول الكولباران وعملهم. البعض يراهم أنهم مهربون ويقومون بأعمال غير قانونية لأن البضائع التي يحملونها على ظهورهم لم تستورد عبر الطرق القانونية ولم تستوفِ الجمارك الرسوم عليها، لذلك لا نتحمل الدولة مسؤولية ما قد يحدث لهم جراء قيامهم بذلك، وسيعاقبون لأنهم مهربون.
ويدافع قسم آخر عنهم بطرح أسئلة مثل: لماذا يجب على الشخص المحروم من حقوقه كأي مواطن إيراني، مراعاة القوانين التي لا تضمن له أي حقوق. فالحقوق الأساسية للمواطنين أهم من التشريعات، وطالما حُرم هؤلاء من حقوقهم، فلماذا عليهم الالتزام بقوانين لا تراعيهم؟
ونقل موقع "إيران واير" عن أحد المحامين قوله أنه عندما كان يرافع في دعوى قضائية تتعلق بمقتل أحد الحمالين على يد حرس الحدود في بلدة "بانه" الكردية، أظهر له المدعي العسكري في المحافظة رسالة من مكتب المرشد الأعلى، جاء فيها: "لا يمكن معاقبة حرس الحدود لإطلاقهم النار على كولباران وإصابتهم أو قتلهم".
بطالة عالية
حسب عدة منظمات رسمية في إيران، تعد المناطق الكردية في البلاد من بين أكثر المناطق تخلفاً من الناحية الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وتسجل المناطق الكردية أعلى نسبة بطالة على مستوى البلاد.
وحسب إحصاءات محافظة كردستان لعام 2018، بلغت حصة المحافظة من الناتج المحلي الإجمالي 0.95 في المائة فقط.
ووفقاً للإحصاءات التي نشرتها وكالة الأنباء "ILNA" التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في إيران، فإن أكثر من 40 في المئة من خريجي الجامعات في هذه المقاطعات ذات الغالبية الكردية (حيث ينتشر فيها الكولباران) يعانون من البطالة.
فيديو قد يعجبك: